عشرة أيام خاضتها فصائل المعارضة المسلحة وأدت إلى اقتلاع حكم بشار الأسد ونظام «البعث» الذي جثم على صدور البلاد والعباد أكثر من 50 عاماً، لكن هذا التحول لا يزال يقلق بعض الأقليات في سورية، فالعلويون، الذين كانوا في قلب النظام السابق والذين يتخذون من المناطق الساحلية مثل اللاذقية وطرطوس مركزاً لهم، يواجهون تحديات كبيرة ليس لأنهم أقلية؛ بل لأن غالبيتهم وضعوا ثقتهم في بشار الأسد واستخدمهم كدرع بشري ضد المعارضة المسلحة، ما يجعل مصيرهم غامضاً مليئاً بالخوف من الانتقام بسبب الارتباط بالنظام السابق الذي عُرف بالإجرام بحق المعارضين له في ظل فضائح وفظائع سجن صيدنايا.
وفي الوقت الذي أصبحت الإدارة الجديدة، أمام تحديات وألغام تستوجب مشاركة كل الأطياف في بناء «سورية الجديدة»، لا تزال المخاوف من الانزلاق نحو الفوضى قائمة في أوساط المجتمع الدولي الذي يشدد على ضرورة منع التقسيم والتمسك بوحدة الأراضي السورية، والعمل على استقرار الأوضاع وتحقيق الأمن بما يؤدي إلى عودة النازحين واللاجئين.
لم تثقل سورية جرائم نظام الأسد وحدها بل إن حجم التدخلات والمصالح الخارجية المتناقضة، خصوصاً ما يتعلق بالوضع الداخلي على الصعيد الاقتصادي أو السياسي والاجتماعي، فضلاً عن العربدة الإسرائيلية، التي استغلت حالة الفراغ، ودمرت نحو 80% من القدرات العسكرية السورية تضيف مشكلات كبيرة إلى التحديات السابقة وهو ما يستدعي الخروج من القلق وسرعة لملمة الجراح، ووضع أجندة للأولويات، بدءاً بدستور جديد متفق عليه، ثم انتخابات شفافة، تنتج حكومة قادرة على إخراج البلاد إلى بر الأمان.
شكلت الأحداث التي عاشتها سورية، طوال الأيام الماضية، نقطة تحول في المشهد الجديد لن تستطيع أي قوى تجاوزه إلا بالوحدة الوطنية ورفض الطائفية وتجريمها، والعمل على إعادة بناء النسيج الإجتماعي المشترك بين الشعب فكرياً وثقافياً واجتماعياً بروح تضع في رأس أولوياتها المصلحة العليا للبلاد بعيداً عن التجاذبات والاختلافات، وفقاً لما يراه مراقبون سوريون.
ويؤكد مراقبون أن الطائفة العلوية والمسيحيين وغيرهم من الذين كانوا في قلب النظام السابق وصلب المعركة التي خاضها الأسد ضد معارضيه، عليهم العمل بشكل أكثر جدي على رفض العنف والاندماج في المجتمع بصورة أكثر إخلاصاً للبلاد والتخلص من كل الأفكار والسابقة، خصوصاً أن الطائفة العلوية نفسها لا تزال تخشى الانتقام من قبل فصائل المعارضة، مؤكدين أن الكثير من العلويين الذين يتمتعون برؤية سياسية ثاقبة كانوا يعارضون سلوك الأسد والأخطاء التي ارتكبها.
وقالت إحدى السوريات من الطائفية العلوية: «كنت أرى أن كل شيء كان يرتكبه الأسد على حساب الشعب السوري، سواء كان علوياً أو غيره، لم يكن لدينا حق في الاختيار، وكان هناك شعور بالضغط المستمر على الجميع»، مؤكدة أنها كانت ترغب في دولة مدنية طوال السنوات الماضية، وتعترف بحقوق جميع الطوائف دون تفرقة وتكون فيها الحريات للجميع، ويعيش الجميع بسلام لكن ليس بيدنا عمل شيء حينها.
لكن تأكيدات رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير في مقابلة مع صحيفة (كورييري دي لا سيرا) الإيطالية، على التزام حكومته بضمان حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن طوائفهم أو خلفياتهم يرى فيها السوريون رسالة واضحة عن نهج جديد إن استمر فإنه يؤسس لسورية جديدة طالما حلم بها الجميع طوال العقود الماضية.
وقال المسيحي جوزيف: لقد ظللنا طوال العقود الماضية نتمنى سقوط الأسد لكن ليس بيدنا عمل شيء بلحظة كان المخبرون يحولون حياتنا إلى جحيم، ولذا نأمل أن يكون البديل يتمتع بوطنية عالية وحرص على مصالح الشعب ولا نسمع عن أي قصص انتقام من الأقليات، فالتعايش الديني هو ما يجب أن يسود في سورية سواءً بيننا والمسلمين أو الدروز أو الأكراد.. بلادنا تستحق كل الخير والسلام وأن يتحول احتفالنا بانتهاء النظام إلى بروتوكول يضع في أساسياته دستوراً يلبي طموحنا في الوحدة الوطنية وبناء الدولة التي نتطلع إليها.
واللافت أن مخاوف ما بعد سقوط الأسد في أوساط الأقليات الدرزية لم تكن كبيرة كالعلويين والمسيحيين، خصوصاً أن هذه الأقلية صغيرة في سورية وكانت أكثر حذراً في علاقتها مع نظام الأسد ولم تكن مقربة له أصلاً، وهو ما يعبر عنه أبناء هذه الطائفة بالقول: «الآمال في بناء وطن مشترك لا تموت، مهما كانت التحديات».
السؤال الأهم هو: هل ينجح قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع في تنفيذ رؤيته التي أبلغ بها وفداً من أبناء الطائفة الدرزية، عندما قال: إن عقلية الدولة ستكون هي الحاضرة بدلاً من عقلية المعارضة. وضرورة وجود عقد اجتماعي بين الدولة وجميع الطوائف لضمان العدالة الاجتماعية.