03:15 م
الأحد 17 نوفمبر 2024
المنيا- جمال محمد:
منذ 300 سنة قبل الميلاد، كانت صحراء المنيا على موعد مع تدشين إحدى أكبر وأقدم سواقي المياه التي عُرفت في مصر، لتخدم الزراعة وتطهير الموتى، وعمليات التحنيط، إذ شُيدت تلك الساقية العملاقة في صحراء منطقة تونا الجبل “مدينة الموتى” والممتلئة بالكنوز الأثرية على الظهير الغربي جنوبي المنيا، لتختفي مع عوامل الزمان والجو، وتظهر مرة أخرى مع البعثات الأثرية في ثلاثينات القرن الماضي.
“الساقية الرومانية” تعد من أهم المزارات التي يحرص مئات السائحين على زيارتها في تونا الجبل بمركز ملوي فى المنيا، وبحسب الدراسات فإنه جرى إنشائها تقريبًا في عام 340 قبل الميلاد في العصر الروماني، وقام باكتشافها الدكتور سامي جبره عالم الآثار المصرية الكبير في عام 1931 أثناء حفائر جامعة القاهرة.
وكان من الغريب أنه رغم قدم تلك الساقية التي مر عليها عشرات القرون، أن تعود للعمل مرة أخرى، إذ نجح الدكتور سامي جبره وفريق عمله في ترميم الساقية وتشغيلها وشهد عملية التشغيل الملك فاروق خلال زيارته للمنطقة في عام 1937 خلال احتفالية كبيرة، بحضور العشرات من مسئولي الآثار المصريين والأجانب.
وأطلق “جبره” على بئر تلك الساقية اسم البئر العجيب، إذ يتكون ذلك البئر من طابقين، وعمق الطابق الأول 15 مترًا، وينتهى ببئر أصغر منه على عمق أكبر، وجرى حفره بدقة كبيرة ومثيرة للوصول إلى المياه الجوفية.
كما تم بناء تلك الساقية بالطوب الأحمر، إذ يُعد ذلك الطوب من أقدم الطوب الأحمر الذي عرفته مصر، وكان الرومان أول من استخدموه في مصر، ومعروف عنه التأقلم مع عوامل الزمان والصمود طويلًا.
وبحسب مفتشو الآثار بالمنيا، فإن الساقية لعبت دورًا كبيرًا في سحب المياه من على عمق 70 مترًا تقريبًا تحت الأرض، من خلال بئر كبير يتم النزول إليه بسلم حلزوني، ثم تقوم الساقية بضخ المياه للاستخدامات المتعددة، خاصة في تطهير الموتى والطيور المقدسة قديما وخاصة طائر “الأيبس”، الذي كان له حديقة كبيرة حول الساقية قديمًا ليتغذى على أشجاره أولًا بأول، وبعد الموت يتم دفنه في المنطقة عقب عمليات التحنيط.
وتقع تلك الساقية العملاقة على بعد أمتار قليلة من مقبرة بيتوزيرس وبجوار معبد جحوتي “ميدان الحجيج”، وأكدت البعثة الألمانية خلال عملها في المنطقة سابقًا أن المنطقة يرجح أن يكون فيها العديد من السواقي الأخرى التي لم تكتشف بعد.
أحدث الترميمات التي جرت على الساقية الرومانية بالمنيا كانت منذ عامين تقريبًا، ومنذ ذلك الحين وتشهد المنطقة توافد أعداد كبيرة من السائحين، لزياراتها وكذلك زيارة الآثار المجاورة لها خاصة مقبرة إيزادورا “شهيدة الحب” وسراديب الغموض، ومقبرة بيتوزيريس.
اقرأ أيضًا:
مدينة تحت الأرض.. حكاية سراديب الغموض والإثارة فى المنيا – صور