يبدو أن قسما وازناً من الأميركيين لا ينتصر لمبادئ حقوق الإنسان والديموقراطية، ومايعني هؤلاء هو مصالحهم الخاصة على حساب الشعوب الأخرى، ومنها الشعبالفلسطيني الذي يعاني من الاضطهاد والاحتلال الذي يستمد قوّته من الإدارات الأميركيةالمتعاقبة، من الجمهوريين والديموقراطيين.
ويمكن تفسير ذلك عبر مراقبة المشاهد، من إعادة انتخاب الرؤساء الأميركيين، وسياسةالإدارات الأميركية، إلى عدم احترام معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان والدفاع عنها،والمساومة ومقايضة حقوق الإنسان بالمصالح السياسية والأمنية والاقتصادية، كحالةولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، وقضية الصحافية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة، وازدواجية المعايير كما هو الحال في حالة الحرب على أوكرانيا.
على رغم أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن رفعت العقوبات التي فرضتها إدارة سابقهالرئيس دونالد ترامب على قضاة المحكمة الجنائية الدولية، والمدعية العامة للمحكمة فاتوبنسودا بشأن فتح تحقيق في اتهامات للجيش الإسرائيلي، حول جرائم حرب وغيرها منالانتهاكات الخطيرة التي ارتكبت في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفتح تحقيقضد قوات أميركية ارتكبت جرائم حرب. ومع ذلك كررت الإدارة الأميركية معارضة المحكمةالتحقيق في جرائم متعلقة بإسرائيل، وأفغانستان، ولم تتقدم المحكمة بتحقيق جديوحقيقي ضد إسرائيل برغم الشكاوى والقضايا التي تقدمت بها السلطة الفلسطينية،ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية.
في حين أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تحرك مباشرة للتحقيق فيجرائم مزعومة من قبل القوات الروسية في أوكرانيا، ويظهر ذلك موازين القوى واستجابةالمحكمة للضغط الأميركي والأوروبي.
ولم يتوقف الرئيس الأميركي جو بايدن عن الترويج والوعظ لتعميم الديمقراطية واحترامالحريات، وملاحقة الأنظمة الديكتاتورية، وجعلها منبوذة كما في حالة السعودية، إلا أنهفي خضم الأزمة الاقتصادية العالمية بخاصة أزمة النفط، هرع بايدن لزيارة السعوديةوالاجتماع مع ولي العهد محمد بن سلمان، وداس على مزاعمه باحترام حقوق الإنسانوحماية الشعوب من الديكتاتوريين.
وفيما وجه بايدن والديمقراطيون من خلفه، النقد اللاذع لسياسات سلفه ترامب المتصالحمع الديكتاتوريين من الزعماء العرب، ها هو الرئيس الحالي يعزز علاقاته بهم من أجلمصالح بلاده.
مع تولي ترامب الحكم تنفس الزعماء العرب الصعداء واعتبروه مدافعاً عنهم، بينمااعتبروا بايدن معادياً، بخاصة بعد تصريحاته بمعاقبة الزعماء العرب الذين لا يحترمونحقوق الإنسان، مثله مثل الرئيس السابق باراك أوباما الذي لا يحبه الزعماء العرب، لاسيما أنه دعم الربيع العربي وضغط على بعض الرؤساء للاستقالة كما حدث مع الرئيسالمصري حسني مبارك، في حين أبقى على الرئيس السوري.
عودة بايدن إلى المنطقة العربية، لا تأتي من باب تحقيق مصلحة الشعوب العربية فيالحرية وتعميم الديمقراطية وتخلصها من الديكتاتوريين، بل هي خطوة تمنح أولئكالزعماء أوسمة الاستبداد، وتشرعن قمع الحريات، إلى المزيد من التغول في نهب شعوبهم. ومقايضة بايدن المصالح الاقتصادية والأمنية بالحقوق والقيم الأخلاقية والإنسانية، نهجأميركي قديم، والشواهد كثيرة بخاصة في ما يتعلق بحقوق الفلسطينيين وقضيتهم.
ومع تولي باراك أوباما الحكم، تزامن صدور تقرير ريتشارد غولدستون عام 2009،للتحقيق في جرائم حرب ارتكبتها قوات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وأوباما حاولفتح مسار تفاوضي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، واشترط تأجيل إصدار تقريرغولدستون لمنح فرصة للمفاوضات. وتمت مقايضة الحقوق والتنكر لمعاناة الشعبالفلسطيني، ومعاقبة المجرمين، ومقابل مفاوضات لم تسفر عن شيء، استجابت السلطةالفلسطينية بسحب مشروع القرار لطرح التقرير الذي أدان إسرائيل بارتكاب جرائم حربفي قطاع غزة.
هذا إضافة إلى التقارير الدولية والإسرائيلية الصادرة عن منظمات حقوقية لها وزنها،حول سياسة الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والمطالبة بمساءلة إسرائيل. وكان الموقف الأميركي واضحاً برفض تلك التقارير وآخرها تقرير منظمة العفو الدولية“أمنستي”، والدفاع عن إسرائيل وحقها في الوجود بوصفها الدولة اليهودية الوحيدة فيالعالم ويجب ضمان عدم تطبيق معايير مزدوجة تجاهها.
وتبقى الحقيقة الثابتة بعد زيارة الرئيس الأميركي المنطقة، أن الأخير أسوة بالإداراتالأميركية المتعاقبة، جميعهم لا يقيمون وزناً لمبادئ حقوق الإنسان العالمية، وعند الحديثعن حقوق الشعب الفلسطيني يتم التعامل مع قضيته وحقه في الحرية كحالة إنسانيةاقتصادية، في مقابل توفير الدعم والحماية لإسرائيل.
هذا يعني استمرار سياسة التمسك بالمصالح وضمان تدفق النفط العربي من أجل رفاهيةالشعب الأميركي والشعوب “البيضاء”، على حساب الشعوب العربية المضطهدة التيتدفع الثمن من حياتها وأمنها الغذائي، في ظل الفقر والجوع والبطالة والمشكلاتالاجتماعية…
مصالحة قادة الأنظمة العربية المستبدة، ستمنحهم القوة للتغول أكثر ضد الشعوبالعربية، كما ستتغول إسرائيل بشراهة ضد الفلسطينيين، وحقوقهم وستعمّق الاحتلالوترسخه بالمستوطنات والجرائم اليومية.