عندما انطلقت مشاريع التسوية و لا أقول السلام في العام ١٩٩١ بعد عراق محاصر و اتحاد سوفياتي منهار.
الأردن و سوريا الفلسطينيين من جهة و بين (إسرائيل) من الجهة الاخرى، كان الاساس لتلك المفاوضات هو حل الدولتين، منذ البداية انتزع الطرف الاسرائيلي اعترافا من ياسر عرفات بما يعرف بدولة اسرائيل، و وأصبح عرفات الزائر الاكثر ترددا على البيت الأبيض بعد ان تغيير دستور منظمة التحرير، اخذ المشروع زخما في بداياته و برز صوت يسار اسرائيلي يدعو الى تفكيك المستوطنات و عودة اللاجئين، و من ضمن اصوات ذلك اليسار المنتمي لمعسكر السلام المحامي يوسي بيلن الذي كانت دراساته القانونية و السياسية المتفاعلة مع بيوت الخبرة الامريكية و الاوروبية تحظى بالتسويق، دخلت تلك المفاوضات في تيه و دوامة، حال فيها نتانياهو ثم شارون ثم نتانياهو مجددا دون قيام تلك الدولة الفلسطينية المجموعة الأوصال القابلة للحياة ، انتهت الأمور في عام ٢٠٠٤ بسلطة حكم ذاتي مقطع الاوصال يتخلله أرخبيل من المستوطنات تتوسع و تتكاثر كلما طال الزمن، و توفي ابو عمار محاصرا في المقاطعة و متهما بعد ما يزيد على عشرين عام من المفاوصات بانه لا يصلح كشريك للسلام.
على الصعيد السوري احتفظت الدبلوماسية السورية بورقة و حدة المسارين السوري و اللبناني، و لم تسقط من اليد السورية ورقة دعم المقاومة، رغم كل الضغوط .
صعد اليمين المتشدد الاسرائلي و تأججت جذوته و اختفت اصوات اليسار و تفكك معسكر السلام الاسرائلي و تتوج تسييد اليمين بتحالف نتانياهو الذي تلاحقه تهم الفساد مع ترامب تولد عن ذلك الحلف (المقدس) نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس ثم الغاء حق العودة و تسويق مشروع صفقة القرن كبديل وحيد عن حل الدولتين العتيد، و تبجح بمطالبته بقطع الرواتب عن المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، سقط نتانياهو في الانتخابات و سيواجه تهمه دون درع رئاسته لمجلس الوزراء و لن تشفع له انجازاته، كما يتوقع نفس المصير لشريكه ترامب.
غياب الشريكان عن الساحة الآن و تراجع مشروع صفقة القرن، و تماسك مشروع المقاومة العربية الاسلامية سمح لليسار الإسرائيلي بالعودة للساحة مجددا من خلال مشروع جديد قدمه المحامي يوسي بيلن ايضا بعد ان اسكت ذلك اليسار لما يقارب العشرين عاما.
تدعو مبادرة بيلن الى فيدرالية فلسطينية إسرائيلية، لكن كما يقال دائما فالشيطان يكمن بالتفاصيل.
لست مع رفض أي مبادرة جديدة من اليسار و معسكر السلام لمجرد الرفض، بل أرى ان يكون التفاعل إيجابا مع هذه المبادرات لسببين، الأول: لأن معسكر السلام يستحق ان يجد اذنا صاغيا تثبت اقدامه في مواجهة اليمين الذي بدأ بالتهاوي بعد رحيل نتانياهو الملقب بآخر ملوك بني اسرائيل.
و الثاني: لأن أصول السياسة و التفاوض تقول ان لا عرض يرفض منذ البدء الى بعد الدراسة و بقدر ما يتفاعل الاطراف معه بطريقة، عرض و عرض مقابل.
رغم أنني و بعد ثلاثين عاما و نييف من المفاوضات لا أرى دولة فلسطينية مستقرة كحصيلة للمفاوضات، لكنني أرى ان تلك الدولة قابلة للتحقيق لا كثمرة للمفاوضات لكن بسبب تغيير المزاج الدولي الذي كان داعما لإسرائيل في السابق، لكننا اليوم نشهد هزائم متتالية للديبلوماسية الاسرائيلية في المحافل و المنظمات الدولية.
جملة القول: حتى ينجح مشروع التسوية، على إسرائيل التخلص من عقلية القلعة، فإذا كان اليسار الإسرائيلي سينزل إسرائيل من تلك العقلية فلماذا لا نعطيه فرصة؟
كاتب من الأردن