سوء التغذية يهدد 90% من أطفال قطاع غزة

تعرض أطفال قطاع غزة لكثير من المخاطر والتحديات الناتجة من استمرار العدوان الإسرائيلي، ويتسبب إغلاق المعابر منذ بداية العدوان ومنع دخول الاحتياجات الأساسية والمواد الغذائية في ضعف مناعة الأطفال الذين يعيشون في بيئة غير صحية بفعل التكدس الكبير داخل مراكز ومدارس وخيام النزوح، والتي تفتقر إلى أدنى درجات الراحة أو الخصوصية أو الرعاية.

وأصاب سوء التغذية أكثر من 50 ألف طفل في قطاع غزة، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، التي أوضحت أن 9 من كل 10 أطفال في غزة يفتقرون إلى العناصر الغذائية اللازمة لضمان نموهم الصحي، كذلك فإنّ الارتفاع الحاد في معدلات سوء التغذية بين الأطفال يشكل خطورة على حياتهم.

ويؤثر النقص الشديد في المساعدات الإنسانية والإغاثية سلباً في الصحة العامة للأطفال، خصوصاً في ظل انعدام سبل النظافة، ونقص مياه الاستخدام اليومي، ومواد التنظيف، بالتزامن مع الطفح المتواصل لمياه الصرف الصحي، وإشعال النيران بين الخيام وداخلها للتدفئة والطهي.

تقف الفلسطينية رباب أبو سويلم في طابور طويل لأمهات مع أطفالهن أمام نقطة طبية غربي مدينة دير البلح. وتقول إنها اصطحبت طفلها أحمد (8 سنوات) لفحصه، إذ يعاني من هزال وكسل منذ عدة أيام، وقد عرضته على مختص في صيدلية قريبة من مكان نزوح أسرتها، ونصحها بمراجعة طبيب لكتابة الأدوية اللازمة أو بدائلها المتوافرة نتيجة النقص الحاد في الدواء.

9 من كل 10 أطفال في غزة يفتقرون للتغذية اللازمة للنمو الصحي
تضيف أبو سويلم لـ”العربي الجديد”: “تعرض طفلي لهذه الحالة نتيجة النقص الحاد في المواد الغذائية. رغم شح الأغذية الغنية بالعناصر البروتينية، وغلاء أسعارها منذ بداية الحرب، إلا أنني كنت أحرص على توفيرها لأبنائي، إلى أن اختفت من الأسواق نتيجة إغلاق المعابر. لم يتعرض أي من أبنائي لأي من مظاهر سوء التغذية قبل الحرب، إذ كنت حريصة على تغذيتهم جيداً، إلى جانب الاهتمام بالنظافة الشخصية، وكلها أمور تأثرت من جراء تداعيات العدوان الذي تسبب بنقص في كل شيء”.

إلى جوارها تنتظر رنا حسونة، التي تقول إن طفلتها غنى (11 سنة) تعاني من سعال متواصل وضيق في التنفس ومشاكل في الصدر منذ ثلاثة أسابيع بسبب إشعال النار المتكرر نتيجة نقص غاز الطهي، واضطرار زوجها إلى تجهيز الطعام أمام خيمتهم ذات التهوية السيئة، وإن زوجها اشترى دواءً مخصصاً لالتهابات الصدر، وآخر للحساسية، لكن حالة طفلتها لم تتحسن، ما استدعى عرضها على الطبيب الذي وصف أدوية أخرى، فيما عاودت زيارة النقطة الطبية لظهور علامات الهزال على الطفلة.

وتوضح حسونة لـ “العربي الجديد”، قائلة: “لا أتمكن من تنويع الأغذية التي من شأنها تقوية مناعة طفلتي المريضة وباقي أبنائي الأربعة كما كنت أفعل قبل الحرب، وذلك جراء النقص الحاد في جميع الأنواع، والارتفاع الشديد في الأسعار في ظل معاناة الأسرة من أوضاع مادية صعبة من جراء فقدان مصدر دخلنا الوحيد، والشح الشديد في المساعدات الإنسانية والإغاثية والصحية”.

بدوره، يلفت الفلسطيني زهدي الأشقر إلى أنه بات يعتمد على المعلبات غير الصحية في تجهيز طعام أطفاله من جراء عدم تمكنه من شراء اللحوم الحمراء أو البيضاء أو البيض والألبان والخضروات والفواكه، فجميعها على حد قوله اختفت من الأسواق نتيجة طول إغلاق المعابر وتشديد الحصار على القطاع، وحين توافر بعض الأصناف المحدودة كالخيار والباذنجان والفلفل، لا يمكنها تجهيز وجبة متكاملة بها لعدم توافر بقية الأصناف المطلوبة.

يتابع الأشقر لـ”العربي الجديد”: “ملامح سوء التغذية الناتجة من عدم تنويع الأطعمة بدأت تظهر على الأطفال، والذين تقلصت حركتهم، وتراجعت طبيعة لعبهم وضحكهم وشقاوتهم المعتادة. كانوا يلعبون على مدار الوقت إلى أن يغالبهم التعب وينامون، أما الآن، فهم كسالى وينامون كثيراً، وأشعر بأن حرمانهم الأكلات التي يحبونها يسبب حالة من المزاج السيئ”.

وتلفت طبيبة الأطفال غادة نصار إلى أنّ العدوان الإسرائيلي أثر سلباً في الأمان الغذائي، وأدى إلى نقص المواد الغذائية الغنية بالفيتامينات والعناصر المعدنية التي من شأنها تقوية مناعة الأطفال، مؤكدة لـ”العربي الجديد”، افتقار جميع النازحين إلى العادات الغذائية الصحية نتيجة عدم توافر المواد الغذائية المفيدة، وتوافر سلع غير صحية كالمعلبات الغنية بالمواد المصنعة، التي تقوم على مبدأ سد الجوع من دون وجود أي قيمة غذائية، أو توافر بعض المواد الغذائية بأسعار تصل إلى ما يزيد على 30 ضعف سعرها الطبيعي.

وتشير نصار إلى أنّ “غياب أصناف الطعام الأساسية، والاعتماد على أطعمة غير مفيدة ساهما بانتشار عدد من الأمراض، إلى جانب تسجيل حالات تسمم، علاوة على انتشار ملامح سوء التغذية وفقر الدم بين فئات مختلفة، على رأسها الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل”.