سورية في السياق العربي.. –

يرجع جانب كبير من الخوف على مستقبل سورية حين تتم مقارنتها بتجارب التغيير العربية بصورها المدنية والمسلحة، والتي عرفت إخفاقات متنوعة.

ومع ذلك، فإن أهم ما يميز التجربة السورية هو تراجع الاستقطاب المدني – الإسلامي الذي عرفته معظم البلاد العربية، وخاصة مصر وتونس، أمام بشاعة ديكتاتورية النظام السوري وطائفيته، التي لا يمكن مقارنتها بكثير من الدول العربية التي تعاني من غياب الديمقراطية ودولة القانون.
إن حكم الرئيس الراحل حسني مبارك يمكن اعتباره ليبرالياً إذا قارناه بحكم بشار الأسد، وهذا ما جعل هناك تياراً يُعتد به من الشعب المصري أيد أن يكون رحيله عبر آلية دستورية بانتهاء مدة ولايته في أيلول ٢٠١١، وهو ما لو تم، لربما شهدت مصر مسارات مختلفة عما شهدته بعدها.
بل إن النظام القديم نجح أن يقدم وزيراً من حكومته كمنافس لمرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي، وهو الفريق أحمد شفيق الذي كان وزيراً للطيران، بما يعني أن النظام الذي ثار عليه قطاع من الشعب ظل له حاضنة شعبية بلغت ما يقرب من نصف عدد أصوات الناخبين الذين صوتوا لشفيق.
ولو كان البلد في ظروف طبيعية، كان من المستحيل أن يخسر أمام مرشح الإخوان المسلمين.
هذا المشهد من الصعب تصوره مع النظام الساقط في سورية، بأن يتخيل الناس أن يكون أحد كبار قادته العسكريين منافساً مقبولاً لأي مرشح رئاسي في سورية المستقبل أو يصلح أن يقود المرحلة الانتقالية، وهي فرصة لاحت لنظام بشار منذ أكثر من ١٠ سنوات حين طُرح وزير الخارجية الأسبق فاروق الشرع كبديل آمن من داخل النظام، لكن بشار رفضه وفرض عليه الإقامة الجبرية.
نظام بشار اعتقل حوالى ٤٠٠ ألف شخص وقتل حوالى ٥٣ ألفاً آخرين، ولم يمتلك أي حاضنة شعبية تُذكر، وارتكب قادة جيشه وأجهزته الأمنية في مجملهم جرائم مخزية تمثل وصمة عار في جبين سورية والعرب والإنسانية، وهو أمر لا يمكن مقارنته بأي نظام عربي آخر مهما كانت درجة استبداده.
ومن هنا، وبسبب بشاعة هذه الجرائم التي حدثت، لم تمتلك سورية ترف الانقسام المدني – الإسلامي الذي عرفته بلدان عربية أخرى، ولذا لم يكن غريباً أن نجد أشد التيارات العلمانية قد تقبلت وقدرت قيام الفصائل الإسلامية بتخليص البلاد من نظام بشار.
ومع ذلك، تبقى هناك تحديات كبيرة تواجه النظام الجديد تتعلق بالحفاظ على السلم الأهلي، ومواجهة الطائفية والتدخلات الخارجية، وأيضاً إعادة بناء مؤسسات دولة في ظل وجود فصائل مسلحة تسعى لرفع حصتها داخل هذه المؤسسات، وهي تجربة تعثرت في السودان مع أحزاب مدنية وليس مع فصائل مسلحة.
سيبقى الرهان على الشعب السوري الذي دفع ثمناً باهظاً من أجل إسقاط هذا النظام، وسيبذل قصارى جهده لمواجهة كل هذه الأخطار.