سياسة إسرائيلية معجّلة وردود عربية مؤجّلة..

سياسة إسرائيلية معجّلة وردود عربية مؤجّلة..

2024 Oct,14

إذا كان على العقلاء أن يصدّقوا المثل القائل: «خذوا العبرة من أفواه المجانين»، أو على الأقلّ، توخّي الحذر إزاءه، فإنّ على العرب ألا يتجاهلوا تصريح وزير المالية الفاشي بتسلئيل سموتريتش الذي أدلى به لموقع «إكس»، وقال فيه: «إنّهم يريدون دولة يهودية تضمّ الأردن، والعربية السعودية، ومصر، والعراق، وسورية ولبنان». 

يتحدّث سموتريتش اليوم من موقعه كوزير في الحكومة الفاشية التي تحظى بسلطة القرار والفعل، بينما لم ينتبه الكثيرون لأبعاد ومضامين تصريحه حين كان عضو كنيست، خارج سلطة القرار التنفيذي العام 2016.
تصريح سموتريتش يتجاوز فلسطين باعتبارها من وجهة نظره تحصيل حاصل وأمرا مبتوتا فيه، لكونه يتطابق مع السياسة الرسمية التي يقودها بنيامين نتنياهو وائتلافه الحكومي الفاشي، تلك السياسة التي تعمل على حسم الصراع، وضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، وتجريف الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني.
يندرج هذا التصريح في السياق العام الذي يتحدّث عنه نتنياهو، والذي يسعى إلى تغيير خارطة الشرق الأوسط، كهدف رئيس للحرب الدموية والتدميرية الجارية ويعتقد أنّه بدأ فعلياً بتحقيق ذلك.
من يفحص بعقل سويّ، وموضوعيّ، أبعاد الصراع الجاري منذ أكثر من عام، يصل إلى استخلاص مهمّ، يتعلّق بالدوافع.
صحيح أنّ خسارة الدولة العبرية هذه الحرب، أو فشلها في تحقيق أهدافها من وجهة نظرها، من شأنّها أن تنهي الحياة السياسية لنتنياهو، وتدخله السجن.
كثيرون يعتقدون أنّ إصرار نتنياهو على مواصلة وتوسيع الحرب، يعود إلى أسباب سياسية ذاتية. غير أنّ هذا الأمر، يفتقر إلى الشمولية والدقّة.
نتنياهو يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، فهو إمّا أن يوقف الحرب، من خلال المسار السياسي أو الحربي، من دون أن يحقّق أهدافها فيكون قد حصد هزيمة تاريخية للدولة العبرية ومشروعها الاستعماري وإدراج نفسه كزعيم فاشل عرّض الدولة للانهيار والزوال.
أما وأن لا يفعل ذلك، فإنّ عليه أن يخوض مغامرة دفع الصراع نحو نهايات مفتوحة على توسيع المشروع الاستعماري، وضمان إطالة عمر الدولة العبرية، فيكون بطلاً قومياً تاريخياً، يتقدم على بن غوريون.
المؤشّرات الواقعية تؤكّد على أنّ نتنياهو قد اتخذ قراره وفق الخيار الثاني، طالما بقيت الولايات المتحدة إلى جانبه، من موقع إدراكها لما يسعى إليه، ويندرج في إطار إستراتيجياتها للمنطقة والمتغيرات الكونية.
لا خلاف بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية إلّا فيما يتعلق بكيفية تحقيق ذلك، لكنها في كلّ مرة وفي النهاية تجد نفسها في موقع الشريك الكامل، تلحق بنتنياهو أينما أراد وذهب.
خلف دولة الاحتلال تجاوزت الإدارة الأميركية الكثير من الملفّات الصعبة أوّلها، تجاوز القوانين الدولية، وقوانين ومنظومات حقوق الإنسان وكلّ ما يتعلّق بالقرارات الدولية، ودور المؤسّسات الدولية.
ثاني هذه الملفات، إقصاء مؤسّسات الأمم المتحدة، وحصر دورها، في إصدار البيانات، والمطالبات، والتنديد، من دون أن تتمكن من اتخاذ أي خطوة عملية ذات قيمة وأثر في الصراع.
نلاحظ أنّ كلّ البيانات التي تصدر عن دول أو مؤسّسات، أو مجموعات إقليمية أو دولية، تتجه لمطالبة المجتمع الدولي، ليظهر أنّ المقصود بالمجتمع الدولي، الولايات المتحدة حصرياً.
ثالث هذه الملفات، ما يتعلق بالجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال في فلسطين وتكرّرها في لبنان، وعنوانها الرئيس، جرائم حرب الإبادة الجماعية، وجرائم استخدام أسلحة محرّمة دوليا، وجرائم استهداف المدنيين، والبنى التحتية، وقطاع الدفاع المدني، والمستشفيات والمراكز الطبية.. إلخ.
لقد أصبح الحديث عن كلّ هذه الجرائم، وجرائم أخرى لها علاقة، بالاستيطان غير الشرعي وغير القانوني، والقوانين التي لها علاقة، بالتعامل مع الأسرى، والأطفال، والإعدامات الميدانية، قد أصبح هذا الحديث مكروراً وممجوجاً، تتعامل معه دولة الاحتلال والولايات المتحدة، بتجاهلٍ كامل.
ويبدو أنّ ملفّ تفعيل مؤسسات العدالة الدولية، وملاحقة من يرتكب هذه الجرائم، هو الآخر قيد الإقفال، أو أنّه تمّ إقفاله عملياً.
ثلاثة أوامر صدرت عن محكمة العدل الدولية، بالإضافة إلى الرأي الاستشاري الذي حصل على تأييدٍ واسع من الجمعية العامة للأمم المتحدة، قوبلت بالازدراء، والاتهامات للمحكمة وقضاتها، وللمصوّتين على رأيها الاستشاري.
وفي الطريق تمارس دولة الاحتلال ضغوطاً هائلة، وتتوعّد قضاة المحكمة الجنائية الدولية، لمنعها من ممارسة صلاحياتها، ما يفسّر التباطؤ، والتأخير الظاهر للعيان، لتفعيل المحكمة واتخاذ قرار من القضاة بإصدار مذكّرات جلب للمتهمين.
الولايات المتحدة، باعتبارها التي تجسّد فعلياً المجتمع الدولي كانت وهي موجودة هناك إلى جانب دولة الاحتلال وعلى نحوٍ علني.
رابع هذه الملفات، ما يتعلّق بأيّ مراهنة عملية على تغيير المواقف والسياسات التي اتخذتها المجموعة العربية بالجملة والمفرّق، وكذا منظمة العمل الإسلامي.
لقد تمّ تحييد كلّ هذه القوى والجماعات وتصغير دورها في الصراع، وبعضها منخرط بشكل أو بآخر ضمن الرؤية الأميركية الإسرائيلية، رغم علمهم جميعاً بأهداف وأبعاد هذه الحرب.
خامس هذه الملفات التي تجري على قدمٍ وساق عملية تحييدها تتعلّق بإغلاق ملفات الوساطة سواء كان ما يتعلق منها بوقف الحرب الإجرامية على غزّة عَبر عملية تبادل، أو ما يتعلق منها، بما يجري على الساحة اللبنانية.
يقول وزير خارجية إيران، إنّ وقف الحرب على لبنان أولوية، وإنّ بلاده تعمل على تجنّب توسيع الحرب، ويعلن لبنان الرسمي استعداده ومطالبته بتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، ولا يعارض «حزب الله» اللبناني، ولكن دولة الاحتلال تناور وتعمل على إغلاق هذا الطريق الذي تتظاهر واشنطن بأنها تعمل عليه. إن قصف مقرّات «اليونيفيل» وإصابة بعض أفرادها، وأيضاً قصف مواقع للجيش اللبناني، مؤشّر عملي قوي على أنّ الدولة العبرية ترفض أيّ مسار دبلوماسي، وهي حين تطالب «اليونيفيل» بإخلاء مواقعه لمسافة 5 كم، إنّما تستهدف نسف أساس القرار 1701، بما يفتح الطريق أمام حربها البرّية.
الكلّ يدرك أبعاد السياسة الاحتلالية، بما في ذلك وأساساً أطراف الصراع من الحزب، إلى حلفاء «المحور» والمقاومة الفلسطينية، فضلاً عن كلّ الفاعلين الآخرين. فإسرائيل تشنّ الحرب على كل لبنان وليس على الحزب فقط، وفي اتجاه الإقدام على مغامرات، لفتح مدار الحرب الهمجية المتوسّعة.