بينما يتواصل العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين، وسط تقديرات بعدم نجاحه في وقف تمدد المقاومة، تم رصد سلسلة من الشهادات الإسرائيلية التي تكشف الإحباط واليأس من القدرة على القضاء على المقاومة.
يوحاي عوفر الخبير العسكري الإسرائيلي بصحيفة مكور ريشون زعم أن “جنين ما زالت عاصمة الهجمات المسلحة، لأن العمليات الأخيرة ذكّرت أجهزة الأمن كم أن هذه المدينة والمخيم قابلة للانفجار وخطرة، وجعلها تتحول إلى أحد الأهداف الأكثر سخونة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ورغم كل التعزيزات الأمنية فقد نجحت المقاومة في كل مرة من الإفلات من قبضة الجيش الإسرائيلي، زاعما أننا ما زلنا في بداية الطريق، ولم ننته بعد من مهمة القضاء على هذه الخلايا المسلحة”.
وأوضح أنه “فيما تواصل القوات الإسرائيلية عمليات الملاحقة، فإن الهجوم الحالي يثبت مجددا أن جنين من أخطر البؤر المعادية للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهي مصنع الإنتاج على الدوام للخلايا العسكرية منذ الانتفاضة الثانية، من خلال الهجمات الانتحارية والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، التي تحولت مع مرور الوقت لأحداث عادية لدى الإسرائيليين، ما أوقع في صفوفهم خسائر بشرية كبيرة”.
يوآف زيتون الخبير العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت، كشف أن “أوساطا إسرائيلية أبدت خشيتها من عودة مشاهد الانتفاضة الثانية في جنين لأول مرة منذ 20 عاما، لأن ما حصل في جنين في الآونة الأخيرة يطرح تساؤلات أمام المركبات المضادة للرصاص المتنقلة في شوارع الضفة الغربية، خاصة مع زيادة خطر المتفجرات، مما يعيد لأذهان جيش الاحتلال ما واجهه في عدة مدن بالضفة الغربية منذ عشرين عامًا، ولا تزال قيادة الجيش تتحدث عن عملية عسكرية أكثر أهمية في جنين، باعتبار أن الثمن في الخسائر البشرية يعد مسألة مركزية”.
وأضاف أن هذا التخوف الإسرائيلي من تطورات الوضع في جنين يتزامن مع دعوات جديدة أطلقها قادة اليمين الذين زعموا أن الدولة بحاجة لعملية مكثفة، ليس فقط في جنين، بل في كل الضفة، لأن الوضع يزداد سوءًا، وهناك المزيد والمزيد من الهجمات، مدّعيا أن معجزة فقط تمنع وقوع قتلى إسرائيليين كل يوم، حتى تحولوا على طرق الضفة الغربية “مثل البط في ميدان الرماية”.
أمير بوخبوط المراسل العسكري لموقع ويللا، اعترف أنه “رغم ما تبذله قوات الاحتلال من عمليات ملاحقة مكثفة على مدار الساعة للخلايا المسلحة في الضفة، لكنها لم تنجح حتى الآن في كبح جماح هجماتها، لكن التركيز الإسرائيلي بدا لافتا على مخيم جنين، الذي شهد نشوء العديد من الخلايا التي تتمتع بدعم الشارع الفلسطيني، وأصبحت مؤخرا أكثر تنظيما ومؤسسية، وتجمع حولها عددًا من المسلحين الذين ينفذون هجمات عسكرية ضد المستوطنين والجنود، وتسعى لإحباط أي نية للجيش لاقتحامه”.
وأضاف أن “عددا من الساسة الإسرائيليين انتقدوا أداء الجيش في جنين، ودعوه لعملية سور واقي 2 لإعادة الهدوء، لكن التخوف يكمن من الجرأة الفلسطينية لتنفيذ هجمات معقدة، رغم التقدير الإسرائيلي أن عمليات الجيش ليست رادعة، لأن المسلحين يعيدون تشكيل الواقع في جنين انطلاقا من مخيم يضم حاليا مئات المسلحين، يقسمون أنفسهم إلى فرق ذات أدوار مختلفة، وبين حين وآخر يقيمون مسيرات واستعراضا للقوة في ساحة المخيم، أو نادي الأسرى، أو الصالة الرياضية، ومن التوثيق الميداني يتضح أن لديهم أجهزة اتصال بعيدة المدى، والكثير من الذخيرة لأنواع مختلفة من البنادق، ومسدسات، ومعدات الرؤية الليلية”.
وكشف عن “وجود تخوف حقيقي دائم لدى جيش الاحتلال من تنفيذ عملية واسعة النطاق في قلب مخيم اللاجئين، قبل تنفيذها فجر اليوم الاثنين، واكتفائه بعمليات سريعة، بزعم أن أي عملية من هذا القبيل تنتهي بقتل وجرح عدد كبير من المسلحين قد يؤدي لدخول أوسع نطاقًا من عدد كبير آخر من المسلحين الذين سيضرمون النار مباشرة في كل أنحاء الضفة، وقد يمتد الأمر لغزة، وقد يهز السلطة الفلسطينية بشكل يتعارض مع المصلحة الأمنية الإسرائيلية”.
يوني بن مناحيم الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، كشف أن “الوصف الأكثر رواجا بين المحافل الأمنية الإسرائيلية لمدينة جنين ومخيمها أنها “عش الدبابير”، وتثير قلقا كبيرا لدى المسؤولين الأمنيين، لأنها أصبحت “عاصمة المقاومة” في الأراضي الفلسطينية، وباتت تمثل القصة الساخنة في المناطق الفلسطينية اليوم، لأنها تتصدر الأخبار هذه الأيام، ولا تخفي الفصائل الفلسطينية نواياها لنقل نموذج جنين إلى مختلف مدن الضفة الغربية في ظل ما تملكه من بنية تحتية”.
وأضاف في مقال على موقع زمن إسرائيل، أن “المستوى السياسي الإسرائيلي قرر غالباً تفضيل أسلوب العمليات الدقيقة الموضعية في جنين، ضمن ما يسميها الجيش سياسة “جز العشب”، وهي سياسة ثبت فشلها على المدى البعيد، رغم أنها توقف الهجمات، وتحبطها، مؤقتاً، ليس أكثر”.
يوسي يهوشاع الخبير العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر أن “الأوساط العسكرية الإسرائيلية تعتقد أن مخيم جنين أصبح نموذجا للمعاقل المحصنة، مما يفرض على جيش الاحتلال تحديا جديدا، ولا يتوانى ضباطه بإطلاق الأوصاف على المخيم، وآخرها أنه تحول إلى “حصن للمقاومة”، بعد أن توّجت جنين كعاصمة للمقاومة منذ انتفاضة الأقصى، لكنه بات يكتسب بالفعل لقب “قلعة الرعب”، ففي كل ليلة تقريبا تقوم قوات الاحتلال باعتقال فلسطينيين، حيث تواجه بإطلاق النار من قبل المقاومين، وهو طقس أصبح شبه منتظم، وانتشر لمدن وقرى أخرى بالضفة الغربية”.
وأضاف ” أن “مخيم جنين سجّل علامة فارقة أخرى في التصعيد الزاحف، ويتمثل لأول مرة باستخدام عبوات ناسفة ضد قوات الجيش، صحيح أنها مرتجلة، لكنها تعكس ما أصبح عليه المخيم في الأسابيع الأخيرة؛ فقد بات محصّنا ومحاطا بحواجز أمنية، ومحملا بكاميرات أمنية نصبها الفلسطينيون، ومليئا بالمراقبة التي يضعونها للتحذير من دخول الجنود، مع التقييم بأن الجيش قد يغزو في أي لحظة، حتى في أثناء النهار، علانية أو سرا”.
وأوضح أن “المشاهد المألوفة في المخيم باتت ترمز للتصدي لأي عملية ليلية للاحتلال، مما دفعه لنشر القناصين على الأسطح، وتفعيل التكنولوجيا الجديدة للجمع بين المراقبة الجوية والطائرات بدون طيار، وقريبا تزويدها بقنابل تسقط بسرعة قاتلة على المسلحين، خاصة إذا اختبأوا على أسطح المباني المزدحمة بين أزقته”.
تكشف هذه الشهادات الإسرائيلية أنه في غياب حلّ لدى الاحتلال لموجة العمليات الفدائية، وفي ظل عدم قدرته على كبح جماحها في الضفة الغربية، فإن تخوفه يكمن في إمكانية انتشار نموذج هذا المخيم كقرية محصنة أيضا إلى تجمعات فلسطينية أخرى، مما سيعيق عمل جيش الاحتلال فيها، ويفرض عليه تحديا من نوع جديد.
عربي21