شهادة السنوار ونصر الله.. مقتل قائد لواء 401 وضرب بيت نتنياهو.. هذه البداية فقط..

كتب د. حامد أبو العز:

إن مقتل قائد اللواء 401 التابع للجيش الإسرائيلي في شمال غزة البارحة، وهو أكبر قائد صهيوني يُقتل منذ اندلاع الصراع الحالي، يؤكد التحولات الاستراتيجية التي تحدث في طبيعة المقاومة. هذا الفعل ليس مجرد انتصار رمزي؛ بل إنه يوضح مرونة حركات المقاومة وقدرتها على التكيف، والتي لا تعتمد فقط على القيادة العليا ولكنها تتمتع بهياكل قيادية لامركزية. في الواقع، تتميز طبيعة هذه الحركات، وخاصة كتائب القسام التابعة لحماس، بالقدرة على مواصلة عملياتها العسكرية من خلال قادة على مستوى الأرض يشاركون بشكل مباشر في المعارك، تمامًا كما هو معروف عن شخصيات مثل الشهيد يحيى السنوار. إن هذه اللامركزية في القيادة هي مفتاح نجاحها الاستراتيجي، مما يجعل المقاومة أقل عرضة للاضطرابات في القيادة وأكثر مرونة في الاشتباكات المطولة.
لقد أظهرت كتيبة معسكر جباليا التابعة لكتائب القسام قدرة عسكرية استثنائية وتحمل. بعد مرور عام على الحرب، تواصل الكتيبة إلحاق أضرار جسيمة بالقوات الإسرائيلية. إن نطاق وحجم العمليات العسكرية التي يقومون بها يشيران إلى قوة منظمة وقادرة للغاية. وقد أظهرت الكتيبة القدرة على تنفيذ عمليات دفاعية معقدة في مخيم جباليا بغزة. إن قدرتها على الصمود في وجه القصف المكثف ومستوى عالٍ من الخسائر البشرية والمادية، توضح براعتها في حرب المدن وقدرتها على التكيف مع التكتيكات العسكرية الإسرائيلية.
أظهر حزب الله أيضًا مستويات جديدة من التطور الاستراتيجي. وكان الهجوم الأخير بطائرات بدون طيار على منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي تطورًا ملحوظًا في قدراته العملياتية. في أعقاب اغتيال الشهيد نصر الله، تحرك حزب الله بسرعة لإثبات أن براعته التكنولوجية والاستراتيجية لا تتأثر باستشهاد القادة. إن الضربة بطائرة بدون طيار، والتي شملت طائرة بدون طيار حلقت لأكثر من 70 كيلومترًا وتضرب هدفها بدقة، تُظهِر خبرة حزب الله المتنامية في الحرب بدون طيار. إن دقة الهجوم، جنبًا إلى جنب مع هدفه الكبير، تعمل على تضخيم الضغط النفسي على إسرائيل. وعلاوة على ذلك، يسلط الرد الإسرائيلي الانتقامي، عبر شن 12 غارة جوية على منشآت مدنية في الضاحية الجنوبية، الضوء على الإحباط والغضب داخل القيادة الإسرائيلية إزاء الجرأة المتزايدة وفعالية التكتيكات العسكرية للمقاومة. ويشير هذا النوع من الانتقام، الذي يستهدف البنية الأساسية المدنية، أيضا إلى جهد أوسع نطاقا من جانب إسرائيل للضغط على غير المقاتلين، وإن كان هذا التكتيك قد يأتي بنتائج عكسية في كثير من الأحيان من خلال حشد المزيد من الدعم لحركات المقاومة.

وكان دور إيران في الصراع بالغ الأهمية أيضا، وخاصة من خلال قدراتها السيبرانية. وتمثل الهجمات السيبرانية الناجحة على أنظمة الدفاع الإسرائيلية، بما في ذلك تلك التي صممتها فاير آي ورافائيل، نقطة تحول مهمة في الصراع. فعملية الوعد الصادق 2 جاء عبرأن إيران عطلت خلاله نظام الدفاع “القبة الحديدية” باستخدام بيانات مخترقة من شركة رافائيل، هو مثال رئيسي على الطبيعة الهجينة للحرب الحديثة. لقد أصبحت الحرب السيبرانية جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية العسكرية، وقدرة إيران على اختراق واحدة من أكثر شبكات الدفاع تطوراً في العالم ــ القبة الحديدية ــ لم توفر مزايا تكتيكية فورية من خلال السماح للصواريخ بضرب أهدافها فحسب، بل وجهت أيضاً ضربة نفسية لشعور إسرائيل بالحصانة. فمن خلال تعطيل الرادارات وقاذفات الصواريخ من خلال هجوم سيبراني مواز على فاير آي، تمكنت إيران من ضمان وصول أكثر من 90% من صواريخها إلى وجهاتها المقصودة، وهو مستوى من الدقة والتأثير غير مسبوق في الصراعات السابقة بين الجانبين.
إن أهمية هذه الحملة الحربية الإلكترونية تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد النجاح العسكري. فهي تسلط الضوء على نقاط الضعف حتى في أكثر البنى التحتية العسكرية تقدماً والأهمية المتزايدة للدفاع الإلكتروني في الصراعات الحديثة. وعلاوة على ذلك، أظهرت العملية التي أعقبت ذلك ــ حيث تسللوا إلى أنظمة الرسائل النصية في إسرائيل وأرسلوا رسائل مزيفة إلى المدنيين، معلنين انتهاء الهجوم ــ قدرتهم على شن حرب نفسية فعّالة. ومن خلال زرع الارتباك وتقويض مصداقية الاتصالات الرسمية، عملت إيران على إضعاف ثقة إسرائيل المحلية في أنظمتها الدفاعية وقيادات حكومتها.
إن قدرة المقاومة على تحقيق هذه النجاحات تشير إلى حدود وتراجع القوة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة. لقد كشفت الحرب الجارية عن حقيقة مفادها أن الجهاز العسكري الإسرائيلي عالي التقنية، على الرغم من قوته الهائلة، ليس محصنًا ضد الثغرات. وتشير قدرة حركات المقاومة مثل حماس وحزب الله وإيران على استغلال هذه النقاط الضعيفة إلى تحول في ميزان القوى، أو على الأقل إعادة معايرة الديناميكيات العسكرية في المنطقة.
وعلاوة على ذلك، فإن هذه التطورات لها آثار أوسع على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. وقد تشجع نضالات شعوب أخرى لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وتشير القدرات العسكرية المتنامية لحزب الله واستعداد إيران المتزايد للانخراط في مواجهات سيبرانية وعسكرية مباشرة مع إسرائيل إلى أن محور المقاومة الأوسع نطاقا ينمو في القوة والتماسك. إن هذا قد يكون له آثار عميقة على الصراعات المستقبلية، حيث تجد إسرائيل نفسها محاطة بشكل متزايد بخصوم منظمين جيدًا وذوي قدرات تكنولوجية.
لقد أظهرت التطورات في الحرب الحالية أيضًا حدود الاستراتيجيات العسكرية التقليدية في التعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكومية. إن الطبيعة اللامركزية لحركات مثل حماس وحزب الله تجعل من الصعب على إسرائيل توجيه ضربة حاسمة، حيث لا تعتمد هذه المنظمات على زعيم واحد أو هيكل قيادي واحد. بدلاً من ذلك، فإن قدرتها على التكيف مع فقدان الشخصيات البارزة، كما يتضح من القدرة التشغيلية المستمرة بعد اغتيال الشهيد نصر الله، تُظهر مرونة يصعب مواجهتها بالتكتيكات العسكرية التقليدية.
وفي الختام، تشير التطورات الأخيرة في الحرب بين إسرائيل وحركات المقاومة في غزة ولبنان إلى تحول في توازن القوى. إن مقتل كبار القادة الإسرائيليين، وصعود الحرب السيبرانية كساحة معركة رئيسية، والقدرات المتنامية لحركات مثل حماس وحزب الله، كلها تشير إلى أن المقاومة ليست فقط على قيد الحياة بل إنها تتطور وتصبح أقوى. لقد تكيفت هذه الحركات مع حقائق الحرب الحديثة، باستخدام مزيج من التكتيكات التقليدية والسيبرانية لتحدي التفوق العسكري الإسرائيلي. ومع استمرار الصراع، فمن المرجح أن تشتد هذه الاتجاهات، مع ما يترتب على ذلك من عواقب بعيدة المدى على مستقبل إسرائيل والنصر النهائي ضدها.
 باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية
كاتب فلسطيني