شهادة شاهد عيان: إسرائيل ستُهاجِم حزب الله! هل عُمقها وجيشها يتحملّان جبهتيْن؟

في حزيران (يونيو) من العام 1949، رفع كاتبٌ إنجليزيٌّ اسمه جورج أورويل في روايةٍ ديستوبيّةٍ (أيْ التي تُنذِر بالنهاية)، صدرت له بعنوان (1984)، الشعارات الآتية: “الحرب هي السلام، الحريّة هي العبوديّة، الجهل هو القوّة”، اليوم، بعد مرور حوالي 75 عامًا على إصدار الرواية، التي تُرجمت إلى لغاتٍ عديدةٍ، يُمكِن القول، ربّما بحذرٍ شديدٍ، أنّ الكاتب استشرف آنذاك سياسة قوى الاستكبار والاستعمار في العالم، بقيادة زعيمة الإرهاب العالميّ، الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، وما يُسّمى بالعالم الغربيّ الحُرّ، والربيبة إسرائيل، التي زُرِعَت في فلسطين بقوّة السلاح، في المحاولات الحثيثة والخبيثة للسيطرة على العالم، وتحديدًا على الوطن العربيّ، الذي يعيش أزمةً مستعصيةً، حيثُ تُقدَّم فلسطين، من أغلبية الأنظمة العربيّة والإسلاميّة الشموليّة، قربانًا على مذبح التطبيع مع دولة الاحتلال، إرضاءً لواشنطن.
***
ونعتقد أنّه هنا المكان وهذا هو الزمان لتذكير مَنْ خانتهم الذاكرة أوْ أصحاب الذاكرة الانتقائيّة، بمقولة القائد العربيّ الراحِل، جمال عبد الناصر، “إذا وجدتم أمريكا راضيةً عنّي، فاعلموا أنّني على خطأ”، ولكنْ الأنظمة العربيّة بسوادها الأعظم بات تدور في فلك أكبر عدوٍّ للأمّة العربيّة من المُحيط إلى الخليج، أي الولايات المُتحدّة، وتأتمِر بأوامرها، وتسمح لها بإقامة القواعد العسكريّة على أراضيها، الأمر الذي يصُبّ في مصلحة دولة الاحتلال تكتيكيًا وإستراتيجيًا، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولا يتسِّع المجال هنا لذكرها، ولكن يكفينا الإشارة إلى أنّه في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الفائِت، استضافت الرياضُ قمَّةً عربيّة-إسلاميّة غيرُ عاديّةٍ لمناقشة العدوان الإسرائيليّ على غزّة بعد أكثرَ من شهرٍ على بدئه، ورغم أنَّ الدافع لجمع القمتَيْن العربيّة والإسلاميّة، كان توحيد الجهود بهذا الخصوص، إلّا أنَّ بنود القرار الختاميّ للقمّة كانت أبعد ما تكون عن الفعل والتّأثير. كما أنّ مخرجات القمّة غلبت عليها الصياغاتُ الكلاميّة والخطابيّة، مثل المطالبات والمناشدات والتأكيدات والدعوات وإعلان الدعم، في غيابٍ شبه كاملٍ لأيّ خطواتٍ عمليّةٍ يفترض أنْ تضطلع بها القمة التي جمعت قيادات 57 دولة عربيّة وإسلاميّة، ومنذ عقد القمّة واتخاذ القرارات، التي لا تُساوي الحبر الذي كُتبت فيه، زادت إسرائيل من وتيرة العدوان الهمجيّ والبربريّ على قطاع غزّة، دون أنْ ينبّس أيّ زعيمٍ عربيٍّ ببنت شفة إزّاء الإبادة الجماعيّة التي يرتكبها جيش الاحتلال ضدّ الشعب العربيّ-الفلسطينيّ.

ad

***
ولم تكتفِ هذه الدول بحالة الذُلّ والهوان، وواصلت التعبير عن الامتعاض والشجب والاستنكار، الذي لا يُسمِن ولا يُغني عن جوع، حتى تقدّمت دولة جنوب إفريقيا بدعوى لمحكمة العدل الدوليّة في لاهاي ضدّ إسرائيل متهمةً إيّاها بارتكاب فظائع في قطاع غزّة ترتقي إلى جريمة الإبادة الجماعيّة، وبقدرة قادرٍ تذكّرت سلطة رام الله بقيادة محمود عبّاس بالانضمام للدعوى، عوضًا عن تقديمها من قبل جنوب إفريقيا، ولكنّها في الوقت عينه امتنعت عن مناشدة العالم بالانضمام إليها، كما أنّ تركيّا والأردن أعلنتا انضمامهما للدعوى.
***
ما نريد تأكيده في هذه العُجالة هو أنّه لولا انتصار جنوب إفريقيا لفلسطين وشعبها وللإنسانيّة، لما كانت دولة الاحتلال تصِل إلى لاهاي كمتهمةٍ بارتكاب أخطر جريمة حربٍ، فلماذا لم تُقدّم الدعوى من قبل العرب والمُسلمين، الذي يُهرولون لاجتماعات القمم الاستثنائيّة-الإنشائيّة، تمامًا كما يهرولون للتطبيع مع إسرائيل؟ ومُضافًا للسؤال: شعب فلسطين لا يُطالِب الأنظمة العربيّة بإرسال جيوشها للدفاع عنه في ساحة المعركة، بلْ من حقِّنا وواجبنا إلّا نتورّع عن السؤال: هل الخشية من غضب أمريكا وإسرائيل تجعلهم يلتزمون صمت أهل الكهف في المحافل الدوليّة؟ وكيف يشعرون عندما تستخدِم أمريكا حقّ النقض (الفيتو) لإفشال قراراتٍ ضدّ إسرائيل؟ وَكَمْ فلسطينيًا يتعيَّن على دولة الاحتلال قتلهم حتى يتحرّك النظام العربيّ والإسلاميّ لوقف المأساة؟
***
ما لا تعرفه القيادات بالوطن العربيّ أنّ الحرب التي شنّها الاحتلال ضدّ قطاع غزّة كانت وما زالت وستبقى حرب ثأرٍ وانتقامٍ، كما قال رئيس جهاز الأمن العّام (شاباك) الأسبق، كارمي غيلون، للقناة الـ 12 بالتلفزيون الإسرائيليّ، ونحن إذْ نتفِّق جزئيًا مع طرحه نرى من المُناسِب التأكيد لكلّ عربيٍّ على وجه هذه البسيطة أنّ الكيان تغيَّر بعد السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر)، بسبب هجوم (حماس)، المُباغِت، حيثُ وُصِفَتْ عملية (طوفان الأقصى) بأنّها “أكبر عملية خداعٍ إستراتيجيٍّ للجيش الإسرائيليّ”، و”بالفشل الاستخباراتيّ الإسرائيليّ”، تغيَّر وبات يمينيًا للغاية، وسيطرت عليه القوى المُتزمتة والمُتطرّفة جدًا، والتي تؤمن بضرورة تنقية (أرض إسرائيل الكبرى)، أيْ فلسطين التاريخيّة، من العرب، بمعنى استخدام التهجير الطوعيّ والقسريّ لتنفيذ هذا المُخطط، واللافت أنّ الحديث عن (الترانسفير) والقيام بتنفيذ نكبةٍ ثانيّةٍ بحقّ الفلسطينيين، بات موضوعًا شرعيًا للنقاش في وسائل الإعلام الإسرائيليّة على مختلف مشاربها، علاوة على اختفاء ما يُسّمى بـ “اليسار الصهيونيّ” عن الأجندة.
***
وفي الخلاصة نميل للترجيح، مع الإيمان بأنْ نكون على خطأ، بأنّ إسرائيل اليوم، وبعد غوصها في وحل غزّة، قد تُقدِم على فتح الجبهة الشماليّة ضدّ حزب الله اللبنانيّ، الذي لم يتوقّف يومًا منذ الثامن من تشرين الأوّل (أكتوبر) عن قصف شمال دولة الاحتلال، الأمر الذي أجبر السلطات على إخلاء السُكّان، الذين يرفضون العودة، طالما بقي الحزب على الحدود، وبما أنّ حزب الله، بحسب المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة يُعتبر تهديدًا إستراتيجيًا فإنّ التخلّص منه بات مهمّةً عاجلةً لحُكّام الكيان العنصريين والمُتطرّفين، ولكن قوّة الحزب تُعادِل أضعاف قوّة المقاومة الفلسطينيّة، فهل الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة قادرةٌ على تحمّل الخسائر الجسيمة المُتوقعّة، كما يُحذِّر قادتها؟ وهل جيش الاحتلال يملك القدرة على الحرب في جبهتيْن بآنٍ واحدٍ؟
ملاحظة: كُتِبت هذا الكلمات على وقع أصوات المدافع والقذائف المُتبادلة بين الجيش الإسرائيليّ وحزب الله والتي لا تتوقّف، إذْ أنّ بلدتي، تبعد عن الحدود مع بلاد الأرز حوالي 10 كيلومترات.
كاتبٌ ومُحلِّلٌ سياسيٌّ من قرية ترشيحا، شمال فلسطين.