في الماضي غيرُ البعيد كانت إسرائيل تتكلّم قليلاً وتفعل كثيرًا، ولكن في السنوات الأخيرة انقلب الساحر على السحر، فقد باتت دولة الاحتلال تُطلِق التهديدات يمينًا وشمالاً، ولكنّها لا تُخرِج ذلك إلى حيّز التنفيّذ، وفي هذا الوقت، تُواصِل ماكينة الدعاية الإسرائيليّة، داخل الكيان وخارجه، حملتها المسعورة والشرسة لشيطنة حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس) وتستأسد على قائدها في قطاع غزّة، يحيى السنوار، الذي أقرّت أجهزة الأمن في تل أبيب أنّه حتى اللحظة لا تعرف أين يختبئ وفي أيّ نفقٍ.
كما أنّ المصادر الأمنيّة الرفيعة في دولة الاحتلال، اعترفت الليلة الاثنين في القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ، اعترفت أنّه على الرغم من القصف المُكثّف أرضًا وبحرًا وجوًا، فإنّ السنوار والمحيطين به ما زالوا يعيشون حالة النصر، الذي حققوه في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، عندما اقتحم مقاتلو الحركة جنوب الدولة العبريّة في عمليّةٍ نوعيّةٍ لم يشهدها التاريخ العسكريّ، وألحقوا بإسرائيل هزيمةً لم تعرف مثلها منذ إقامتها في العام 1948.
وخلال النقاش الذي دار في الاستوديو أكّد المستشرق إيهود بن حيمو، الذي يعمل محللاً للشؤون الفلسطينيّة بالقناة الـ 12 العبريّة، أكّد أنّ مَنْ يُعوِّل على استسلام السنوار والمُحيطين به يعيش في عالمٍ آخر، لافتًا إلى أنّ الحديث يجري عن شخصيةٍ أخرى وعن حركةٍ مختلفةٍ، وأضاف: “السنوار ليس ياسر عرفات، وحماس ليست حركة (فتح)، التي وافقت على مغادرة لبنان في العام 1982 لإنهاء حرب لبنان الأولى، كما أنّ السنوار، الذي قضى 23 عامًا في السجون الإسرائيليّة، لن يعود بأيّ حالٍ من الأحوال إلى السجن، فهو يُفضِّل الاستشهاد على قضاء يومٍ واحدٍ في سجنٍ إسرائيليٍّ”، طبقًا للمحلل بن حيمو.
علاوة على ذلك، أكّد بن حيمو، الذي اعتمد على مصادر أمنيّةٍ واسعة الاطلاع في تل أبيب، أنّ قائد حركة حماس في غزّة لن يمنح الإسرائيليين متعة رؤيته برفقة قادة آخرين يُغادِرون قطاع غزّة وهم يحملون الرايات البيضاء تأكيدًا لاستسلامهم، فالشهادة بالنسبة لهم هي أمرٌ محسومٌ، على حدّ تعبيره.
من ناحيته قال المحلل شلومي إلدار في مقالٍ نشره بصحيفة (هآرتس) العبريّة: أنا متأسّف لأنّني سأكون نبيّ الغضب، ولكن يجِب قول الحقيقة بأنّ الجيش الإسرائيليّ لم يُنجِز حتى اللحظة ربع المهام التي ألقيت عليه، وما زال حيّ الشجاعيّة أمامه.. لمَنْ نسيَ، فقبل حوالي العقد من الزمن خاض الجيش الإسرائيليّ هناك معارك ضارية كجزءٍ من عملية (الجرف الصامد)، وقد قُتل ستّة جنود كانوا في الدبابة، وحتى اليوم ما زال الجنديين هدار غولدين وشاؤول أورون في إسر (حماس)، وحينها، كما اليوم، معروف للجميع بأنّ الهجوم على الشجاعيّة غير معقولٍ”، على حدّ تعبيره.
على صلةٍ بما سلف، أعلن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، أنّ إسرائيل ستلاحق قادة حركة (حماس) في قطر وتركيا ولبنان، حتى لو استغرق الأمر سنوات.
وقال بار في تسجيل أذاعته هيئة البث العامة الإسرائيلية يوم الأحد: “حدّدّ لنا مجلس الوزراء هدفًا وهو القضاء على (حماس). هذه ميونخ الخاصة بنا. سنفعل ذلك في كلّ مكانٍ، في غزة، في الضفة الغربية، في لبنان، في تركيا، في قطر. (ربما) يستغرق الأمر بضع سنوات لكننا مصممون على تنفيذه”، على حدّ تعبيره.
وبذكره ميونخ، كان بار يشير إلى رد فعل إسرائيل على مقتل 11 من أعضاء الفريق الأولمبي الإسرائيلي عام 1972 عندما شن مسلحون من منظمة (أيلول الأسود) الفلسطينية هجومًا على دورة الألعاب الأولمبية في ميونخ.
وردّت إسرائيل بتنفيذ حملة اغتيالات مستهدفةً نشطاء وأعضاء المنظمة على مدى عدة سنوات وفي عدة دول حتى نالت منهم جميعًا وأغلقت الملف.
وأفادت صحيفة (وول ستريت جورنال) في وقتٍ سابقٍ، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، إنّ أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تستعد لمطاردة وقتل قادة حركة (حماس) في جميع أنحاء العالم لا سيما قطر ولبنان وتركيا.
وقال المسؤولون الإسرائيليون إنّه بأمرٍ من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، تعمل الاستخبارات على تطوير خطط لملاحقة قادة (حماس)، وخاصة في لبنان وتركيا وقطر.
إلى ذلك، أكدت حركة (حماس) أنّ تهديدات الاحتلال الإسرائيليّ، باستهداف قادتها داخل فلسطين وخارجها، تعكس المأزق الذي يعيشه الاحتلال، وتمثل انتهاكا لسيادة الدول الشقيقة التي يوجد فيها أبناء وقادة الحركة.
وقال المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي طاهر النونو في بيان صحفي إنّ تهديدات الاحتلال تعكس المأزق السياسي والميداني الذي يعيشه العدوّ بفعل صمود شعبنا البطل ومقاومته الباسلة، على حدّ تعبيره.
وأكّد النونو أنّ هذه التهديدات لا تخيف أحدًا من قادة الحركة الذين “امتزجت دماؤهم ودماء عوائلهم بدماء أبناء الشعب الفلسطيني الصابر”.
وشدّدّ على أنّ “هذه التهديدات تمثل انتهاكًا صارخًا لسيادة الدول الشقيقة التي ذكرها قادة العدو الإسرائيليّ ومساسًا مباشرًا بأمنها ما يستدعي ملاحقة العدو ومحاسبته على تطاوله وغروره”، طبقًا لأقوال النونو.