بالرغم من أنني قرأت كثيراً في علم النفس والصحة النفسية قبل أن ألتحق بالتعليم الجامعي بسنوات كثيرة، وأذكر أن أول كتاب في الصحة النفسية قرأته كان من مكتبة الوالد -رحمه الله- ولم أكن بلغت الخامسة عشر من العمر آنذاك، وبالرغم من أنني قرأت كثيرا عن حالات الاكتئاب التي تصيب الحيوانات، كما شاهدت كثير من الأفلام بالخصوص، الا أن ما شاهدته على أرض الواقع أثار صدمتي.
فبالرغم من أنني لا أسمح بتربية الحيوانات الأليفة داخل المنزل بحال من الأحوال، الا أنني سمحت بوجود العديد من القطط في حديقة المنزل، بعضها كان يأتي زائراً للحديقة وبعضها كان مقيماً بشكل دائم بحيث لم يقل عددها عن خمسة قطط تتواجد بشكل شبه دائم.
ولقد دفعني وجود هذه القطط لشراء بعض الطعام بشكل يومي لها، ولذلك كانت هذه القطط تنتظر عودتي من العمل فبمجرد سماع أو رؤية السيارة كانت تندفع نحو السيارة من مسافة عشرات الأمتار، ولقد أسفر ذلك عن ارتطام أحد هذه القطط بالسيارة أثناء دخولي للمنزل ما أدى الى موته.
وبالرغم من كل الألم الذي أصابني الا أنه هالني منظر القطط التي وقفت مذهولة حول القط المصاب قبل أن يفارق الحياة، حيث طلبت من ابن شقيقي إخراجه من الحديقة. وبعد برهة خرجت الى الحديقة فلم أجد الا قطاً واحداً، فبدأت أبحث عن باقي القطط فوجدت قطاً أخر (شقيق القط الميت) جلس في ركن مليء بالأعشاب وقد بدأت عليه ملامح الحزن الشديد، وظهرت عليه علامات الاكتئاب الشديدة حيث جلس منكسراً فلم أسمع له صوت، ورغم أنني حاولت معاكسته الا أنه لم يستجيب لي، أما القط الأخر وهو من أشقاء القط الذي تعرض للحادث فقد تبعه أثناء إخراجنا له من المنزل ولم يعود منذ ذلك الحين، بينما امتنعت القطط عن الاقتراب من السيارة أثناء خروجي وعودتي للمنزل.
ورغم مضي أكثر من ثلاثة أيام على ذلك الحادث الأليم الا أنني أفتقد حركة تلك القطط وغياب أحدها المستمر، وعدم اقترابها مني حتى أثناء إحضار الطعام لها.
لقد أيقنت أن الاكتئاب الذي يصيب الملايين من البشر الذين يتعرضون للقتل على أيدي الاحتلال أو الظلمة والمعتدين، أو ممن يتعرضون لضائقات إقتصادية تدقع أحدهم للعمل يومياً بأقل من دولار واحد أو ما يعادل شيقلين فقط هو ذاته الإكتئاب الذي يصيب الحيوانات التي تتعرض لحوادث بشعة كفقدان أحد أفراد أسرتها.
ويحضرني في هذا المقام حالة الإكتئاب الشديدة التي تحولت الى حالة من الجنون والهيجان والإضراب عن الطعام التي تعرض لها الأسد سلطان الذي تسبب في مقتل مدربه في مصر، والتي دفعته الى التهام ذراعه التي ضرب بها مدربة.
ترى…هل نرى “لن نقول جميع القتلة والمعتدين بل بعضهم ممن يقتلون يومياً أبرياء من أبناء شعبنا وممن يحولون حياة شعبنا إلى جحيم لا يطاق وقد أصابهم الإكتئاب الذي أصاب القطط أو أصاب سلطان… أشك في ذلك بعد مضي عقود من الزمان على ممارساتهم…وكان الله في عون شعبنا.