إسرائيل اليوم – بقلم: أيال زيسر “باريس كالدوامة. الرئيس إيمانويل ماكرون وبخ رئيس الوزراء نفتالي بينيت عقب تقرير جاء فيه أن أجهزة الاستخبارات المغربية استعانت ببرنامج بيغاسوس من إنتاج شركة السايبر الإسرائيلية NSO كي تلاحقه وتلاحق مسؤولين كباراً آخرين في فرنسا. وانتفض الاتحاد الأوروبي ووصف القضية كأمر لا يقبله العقل، بينما شبه بعضٌ من أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة بيع البرنامج ببيع المسدسات للمافيا، بل ودعوا إلى إدخال الشركة الإسرائيلية إلى القائمة السوداء التي يحظر الاتجار معها.
يعزى للبرنامج الإسرائيلي الآن تصفية الصحافي السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول مثلما يعزى له ملاحقة صحافيين وسياسيين ونشطاء اجتماعيين في هنغاريا والخليج وغيرهما.
ولما كان الحديث يدور عن شركة إسرائيلية تحتاج إلى تصاريح تصدير من وزارة الدفاع، ولما زعم أن حكومة إسرائيل أتاحت بل وشجعت بيع هذا البرنامج وغيره لسلسلة من الدول، كجزء من مساعيها للدفع بالعلاقات معها إلى الأمام – فإن النقد في معظمه موجه لدولة إسرائيل وليس للشركة نفسها.
القلق في فرنسا، وبالمناسبة في واشنطن أيضاً، يلمس شغاف القلب، ولكن فيه الكثير من الازدواجية: التجسس يمس بخصوصية الإنسان بشدة، ولكن – وهذه لكن كبيرة – لا يقتل. وبالمقابل، فإن السلاح وغيره من الوسائل القتالية يقتل بل ويقتل. وهذا يبيعه الفرنسيون، وبالمناسبة الأمريكيون أيضاً بحجوم هائلة لكل العالم.
فرنسا مثلاً، هي مصدرة السلاح الثالثة في حجمها عالمياً، بعد الولايات المتحدة وروسيا. في السنتين الأخيرتين صدرت سلاحا بحجم نحو ملياري دولار. أما إسرائيل فباعت في السنة الماضية سلاحاً بـ 345 مليون دولار فقط. نحو 10 في المئة من مبيعات السلاح الفرنسي. وتقف الولايات المتحدة على رأس الدول المصدرة للسلاح مع مبيعات بقرابة عشرة مليارات دولار في السنة، وروسيا والصين فالبيان في غنى عن ذكرهما.
ولكن حين لم يكن الحديث يدور عن خرق حقوق الإنسان أو ملاحقة رجال الإعلام والنشطاء المدنيين، بل عن سلاح يقتل البشر، فإن بيع السلاح هذا يقلق أقل بكثير.
ولكن لا يدور الحديث فقط عن بيع السلاح التقليدي. فالجميع يذكر دور فرنسا في إقامة المفاعل الذري “أسيراك” في العراق، قبل نحو أربعة عقود. فقد وفرت فرنسا التكنولوجيا لإقامة المفاعل وتعهدت بنقل اليورانيوم المخصب للعراقيين لتشغيله، وكل ذلك مقابل توريد النفط من العراق.
من الصعب معرفة من أين ينبع الغضب على إسرائيل. فالسلاح يبيعه الجميع، والكل يتجسس على الكل. قد يكون منبع الغضب هو نجاح إسرائيل في الدخول إلى نادي “الكبار”، فتنافس صناعات السلاح والتكنولوجيا في العالم؛ وقد تكون محاولة لجعل إسرائيل كيس ضربات للقوى التقدمية في العالم.
من الجدير تشكيل رقابة على صناعة السلاح والسايبر في إسرائيل، ولكن ينبغي مواصلة تعزيزها، إذ إنها محرك نمو الاقتصاد الإسرائيلي في السنوات الأخيرة. وفي كل الأحوال، فإن محاولة لتعليق مشاكل العالم لسلاح أو منتج تكنولوجي إسرائيلي هو أمر فيه الكثير من الازدواجية الأخلاقية.