هآرتس – بقلم: ينيف كوفوفيتش “إسرائيل حولت للولايات المتحدة ملفاً استخبارياً تم تعديله بأثر رجعي حول الهجوم على برج “الجلاء” في غزة في عملية “حارس الأسوار”، هذا ما قالته للصحيفة مصادر إسرائيلية مطلعة على الأمر. هذا، حسب قول المصادر، في محاولة لتعزيز الادعاء بوجود مبرر لقصف المبنى الذي فيه مكاتب لوسائل إعلام أجنبية، وبعد أن تبين بأن المعلومات التي بحوزة الجيش الإسرائيلي غير مؤكدة بما فيه الكفاية.
حُوّل التقرير إلى شخصيات أمريكية رفيعة بعد أن طلب الرئيس الأمريكي، بايدن، من رئيس حكومة إسرائيل السابق نتنياهو تفسيراً للقصف. شخصيات إسرائيلية رفيعة عبرت عن تخوفها من أن يضر التقرير بالثقة بين الدولتين، حتى في مواضيع أمنية ذات أهمية استراتيجية لإسرائيل.
على الفور، بعد عملية القصف، توجهت شخصيات أمريكية لجهاز الأمن الإسرائيلي وطلبت الحصول على بينات بأن حماس قد عملت في المكان بصورة تبرر القصف. في اليوم التالي، حول الجيش الإسرائيلي للولايات المتحدة معلومات استخبارية عن المبنى، وبعد ذلك أعلن وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، بأنه لم يتم بعد عرض معلومات تثبت ضرورة القصف. في ذاك اليوم، أجرى بايدن محادثة قاسية مع نتنياهو، وأظهر عدم الرضى عن العملية، وطلب الحصول على معلومات أخرى أدت إلى اتخاذ قرار بتدمير المبنى. أكد بلينكن أن تم الحصول على المعلومات بالفعل، لكنه قال إنه محظور عليه التطرق إليها.
مثلما نشرت الصحيفة مؤخراً، فإن التحقيقات التي أجراها الجيش الإسرائيلي أظهرت أن شعبة الاستخبارات لم تكن تعرف بوجود مكاتب لقناة “الجزيرة” وقناة “إي.بي” داخل المبنى حتى تنفيذ إجراء “اطرق على السطح” الذي استهدف إبعاد السكان المدنيين عن المكان قبل الهجوم، خلافاً لادعاء الجيش الذي يقول إن هذا الأمر كان معروفاً له قبل بضعة أيام من ذلك. منذ بدأت العملية، نقلت وسائل إعلام دولية عدة مرات معلومات عن مكان مكاتبها في القطاع لجهات في الجيش الإسرائيلي. ولكن هذه المكاتب لم يتم تأشيرها على اعتبار أنها أهداف حساسة. ولغياب التنسيق، لم تُنقل المعلومات إلى الاستخبارات العسكرية وسلاح الجو وإدارة الأهداف في الجيش الإسرائيلي، ولم تظهر في ملف الهدف للمبنى عند اتخاذ قرار القصف.
عندما تبين أن المبنى المستهدف يضم أجهزة لوسائل إعلام، قام رئيس الأركان افيف كوخافي، بعقد جلسة مستعجلة حول الموضوع بمشاركة عدد من الضباط. وحسب أقوال مصادر مطلعة على النقاش، كان كوخافي مصمماً على مواصلة القصف. وتم حسم النقاش عندما صادق النائب العسكري الرئيس السابق، الجنرال شارون أوفيك، بأن القصف لا يخالف القانون الدولي. هذا رغم أن عدداً من كبار الضباط في جهاز الأمن حذروا من الضرر المعنوي الذي ستتسبب به العملية.
مصادر في الجيش والمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي السابق، هيدي زلبرمان، قالوا إن أجهزة الأمن لم تدرك تداعيات القصف إلا بعد تنفيذه. “لقد أصدروا أفلام فيديو قصيرة عن قصف المبنى وصوراً قبل القصف وبعده”، قال شخص ضليع بالتفاصيل. “خلال ساعة كان العالم كله قد صور المبنى ببث مباشر وهو ينهار، وهذا لم يجعل الضباط الكبار يدركون إلى أي حدث تدخل إسرائيل هنا”. وحسب أقوال هذا الشخص: “هذا حدثٌ قلب الأمور رأساً على عقب. حتى إسقاط المبنى كان الجيش الإسرائيلي يتمتع بشرعية واسعة للعمل ضد حماس، التي جاءت حتى من العالم العربي. أدى انهيار المبنى إلى إنهائها وإن لم يعترف جهاز الأمن بذلك علناً. كانت لحظة أدركت فيها إسرائيل بأنه يجب التوقف في القريب”.
حسب شخصيات رفيعة في جهاز الأمن، فإنه عقب الانتقاد الدولي ومطالبة أمريكا، بدأ الجيش بفحص المعلومات التي كانت بحوزته قبل عملية القصف. أشار الفحص إلى وجود فجوة استخبارية في الموضوع، وأدرك الجيش أنه لن يكون بالإمكان عرض معلومات تبرر العملية. يتبين من خلال المعلومات التي وصلت للصحيفة أن ضباطاً كباراً في الجيش بدأوا في حينه بالانشغال بـ “جمع المعلومات” بهدف تضخيم بأثر رجعي ملف المبنى.
تركزت الجهود على تعزيز البينات عن نشاطات حماس في المبنى. وبعد بضعة أيام على الهجوم، بدأ الجيش الإسرائيلي بالنشر بين مراسلين إسرائيليين وأجانب بأن المكان كان يضم عمل رجال منظومة السايبر لحماس في محاولة لحرف صواريخ القبة الحديدية وسلاح الجو عن مسارها. المتحدث باسم الجيش زلبرمان، قال في حينه:”قمنا بفحص أنفسنا وتأكدنا أن مصادرنا كانت موثوقة، ونعرف 100 في المئة بأن المبنى يضم وسائل قتالية مهمة لحماس”. وقد انضم لهذا الادعاء دبلوماسيون إسرائيليون. السفير السابق في واشنطن، رون ديرمر، قال عن الهجوم في مقابلة مع “سي.ان.ان”: “الحديث يدور عن موقع عملت فيه مخابرات حماس في المبنى، التي عملت بنشاطات حسب معرفتي، كانت ستقوض قدرتنا على المهاجمة بصورة فعالة وتقويض قدرتنا على اعتراض الصواريخ التي تأتي إلى أراضينا”، قال ديرمر، وأضاف: “لقد تم نقل إثباتات على ذلك لرجال المخابرات الأمريكية”. وفي حزيران قال سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، جلعاد اردان، بأن وحدة تابعة لحماس كانت تعمل في المبنى للتشويش على عمل منظومة القبة الحديدية.
هذه المعلومات لم تقنع الأمريكيين؛ لأن إسرائيل لم تأت بدليل على أنه في الأيام التي سبقت القصف، حاولت حماس تشويش عمل القبة الحديدية أو الهجمات الجوية. وأكد مصدر أمني رفيع أن الوحدة التي عملت في المبنى لم تمس بمنظومة الدفاع الجوي للجيش الإسرائيلي. ويعترف الجيش الآن بأن أعضاء حماس عملوا في حينه فقط محاولة أولى لإنشاء منظومة سايبر، وأنه لم تكن لديهم القدرة التنفيذية للتشويش على نشاطات إسرائيل. وحسب أقوال مصدر رفيع في جهاز الأمن، فإنه لم يكن يجب الانتظار والسماح لهذه القدرة بالتطور، وكان من الصحيح مهاجمة المبنى.
بعد العملية، أجرى الجيش تحقيقاً قاده الجنرال السابق نيتسان الون، وتحقيقاً آخر فحص نشاطات الإعلام الإسرائيلية. وتطرق هذان التحقيقان إلى قصف برج الجلاء. وكتب فيهما أن الفائدة العملياتية للقصف لا تقارن مع الضرر المعنوي الذي كان يمكن توقعه مسبقاً. وأشار التحقيقان أيضاً إلى عدم التنسيق بين الحكومة والجيش، وبين المتحدث بلسان الجيش والوحدات المقاتلة، الذي سحب من إسرائيل إنجازات معنوية مهمة.
ورداً على ذلك، قال المتحدث بلسان الجيش: “المعلومات عن وجود وكالات إعلام في المبنى كانت معروفة قبل تنفيذ القصف. كان في المبنى أجهزة مخابرات عسكرية لحماس، من بينها وحدات بحث وتطوير ومراكز معلومات ومعدات تكنولوجية لها أهمية كبيرة جداً لمنظمة حماس الإرهابية، والتي استخدمت ضد إسرائيل. بعد قصف المبنى، تم تحويل ملف استخباري للإدارة الأمريكية. هذا الملف تضمن تجريم المبنى ومعلومات كبيرة ارتكزت على معلومات موجودة قبل القصف. اُتّخذ قرار القصف في ضوء صورة الوضع الاستخباري وطبقاً لتقدير الوضع خلال القتال، وتبين أن القيمة الكبيرة للهجوم تبرر تنفيذه. وحسب نتائج التحقيقات التي أجريت بعد العملية فإن قصف المبنى أدى حقاً إلى إضرار كبير بقدرات حماس. وحسب معرفتنا، لم يكن هناك أي مصابين جراء القصف. برج الجلاء مثال آخر على طريقة عمل حماس التي تضع البنى التحتية الإرهابية داخل التجمعات السكنية لاستخدام مواطنيها كدرع بشري وخرق القانون الدولي”.
نتنياهو رفض الرد على هذه الأقوال.