لا زالت احتجاجات الفلسطينيين في صحراء النقب تثير المزيد من المخاوف الإسرائيلية، باعتبارها دليلا جديدا على تمسكهم بفلسطينيتهم، رغم مخططات التهويد التي نفذتها دولة الاحتلال بحقهم طيلة أكثر من سبعة عقود متواصلة.
تتزايد مستويات القلق الإسرائيلي حين يرون أن الفلسطينيين في صحراء النقب يتبنون الرواية الوطنية عن جوهر الصراع مع الاحتلال، ويشرعون في ممارسة “الجهاد السلمي”، مما يشكل إفلاسا في الرواية الإسرائيلية، التي توجه انتقادات حادة إلى الغفلة التي أصيبت بها أجهزة الأمن الإسرائيلية عن الواقع المتكون في صحراء النقب، دون رؤيته عن كثب.
نداف شرغاي الكاتب في صحيفة إسرائيل اليوم، زعم في مقاله أن “هناك رابطا أساسيا بين الفلسطينية منى الكرد من حي الشيخ جراح بالقدس، والشباب الفلسطينيين في النقب، وبعد تحول الكرد إلى أيقونة فلسطينية، تقود حملة عالمية مناهضة لإسرائيل، مع 1.2 مليون متابع على إنستغرام، فقد واصلت حملتها نحو الشباب في النقب”.
وأضاف أن “شباب النقب، وكثير منهم من الجيل الثاني يعتبرون أنفسهم أولا وقبل كل شيء، بأنهم فلسطينيون، ويرفضون أن يسموا “عرب إسرائيل”، بل فلسطينيون، وفي هذه الحالة يمكن تفسير أسباب اندلاع أعمال الاحتجاجات هناك، تماما كما حدث في المدن الفلسطينية المختلطة في أيار/ مايو، خاصة يافا وحيفا وعكا واللد والرملة، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من فلسطين”.
لم يعد سرا أن حكومة الاحتلال تخشى ما تسميها “انتفاضة العشائر البدوية في النقب”، أكثر من خوفها من تهديدات الأحزاب العربية داخل الكنيست، رغم أن بعض أعضاء الكنيست العرب وصفوا أجهزة الأمن الإسرائيلية في النقب بأنها “قوات الإبادة”، وتركوا المصطلحات المخففة، وأرسلوا التهاني للشباب والمعتقلين الأبطال، بل امتدحوهم على “النصر” الذي حققوه، وبعضهم سارع للمحكمة لدعم والتعاطف مع المعتقلين.
توقف الإسرائيليون عند تصريحات رئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح بقوله إننا “سنعيش على أرض النقب، سنبني بيتنا فيها، وندفن موتانا هناك، ولن نطرد من النقب”، أما نائبه كمال الخطيب فقد وعد “بعدم التخلي عن النقب، لأن ما كان في 48 لن يتكرر اليوم، النقب جزء لا يتجزأ من فلسطين”، وكل ذلك يؤكد أن الفلسطينيين طووا صفحة نكبة 1948، ويعتبرون إجراءات الاحتلال اليوم في النقب “استمرارا لتلك النكبة”.
لعل ما يزيد قلق الأوساط الأمنية الإسرائيلية أن أحداث النقب لم تعد مجرد مسألة حقوق مدنية وامتيازات معيشية، بل “مشكلة أكبر لحقوق القومية الجماعية”، وأهلها يريدونها “فلسطينية”، ولذلك يندلع النضال البدوي في النقب، القصة هي فلسطين وإسرائيل، وهذه قناعة يحافظ عليها الفلسطينيون المنتشرون في الجليل والمثلث والنقب والكرمل ومدن عكا وحيفا واللد والرملة، ويحافظون على حق العودة، باعتبار أن الكبار والمسنين منهم ماتوا، لكنهم علموا أبناءهم أن هذه فلسطين، وورثوهم المفتاح والكوشان وحب الوطن”.
عربي 21