أشعلت الحرب الروسية الأوكرانية الأضواء الحمراء في دوائر صنع القرار الإسرائيلي بسبب ما اعتبروه تراجع الثقة الإسرائيلية في الولايات المتحدة كحليف يمكن الاعتماد عليه، بعد أن تُركت أوكرانيا وحيدة مع بوتين، وإيران تفعل ما يحلو لها، والمشاهد المهينة من انسحاب أفغانستان، مما يطرح السؤال الإسرائيلي: “هل في زمن الحرب يمكن لإسرائيل أن تثق في الولايات المتحدة، في ضوء أنها تضعف وتتغير؟”.
في الوقت ذاته، يناقش الخبراء الإسرائيليون طبيعة الدور الذي ستقوم به الولايات المتحدة في حال اندلاع حرب كبرى مع “إسرائيل”، تشمل استهداف مناطق مأهولة فيها، وإلحاق أضرار بمنشآتها الاستراتيجية، وتدمير مئات المباني، وعدد كبير من الجرحى والقتلى، جنبًا إلى جنب مع الفوضى الداخلية، وانتفاضات لفلسطينيي48، بحيث ستُنظر إلى أحداث أيار/ مايو 2021 على أنها لعبة أطفال، لأن السؤال الحقيقي في مثل هذه الحالة: “هل لا تزال الولايات المتحدة حليفًا يمكن لإسرائيل أن تثق به، وإلى أي مدى، وهل اتفاق الدفاع معها لا يزال ذو صلة؟”.
صحيفة “إسرائيل اليوم” طرحت هذه الأسئلة الحساسة على عدد من كبار الخبراء الأمنيين، من خلال مقابلات ، ذكر فيها البروفيسور إيتان غلبوع، الخبير المخضرم في شؤون الولايات المتحدة والعلاقات الدولية بجامعة بار إيلان، الذي أكد أن “الغزو الروسي لأوكرانيا بدأ الحديث بخصوصه في عهد أوباما، ثم استمر خلال عهد ترامب، وتكثف في عهد بايدن، وقد أكد أوباما حينها بوضوح أن أمريكا لا تستطيع، ولا تريد، أن تظل شرطي العالم”.
وأضاف أن “الولايات المتحدة تتغير، والجمهور الأمريكي بأكمله، بما فيه اليهود، أقل التزاما بإسرائيل، حتى الإنجيليين ليسوا كما اعتادوا أن يكونوا، وبالتالي فإن سلوك الولايات المتحدة على مدى عقود بات يظهر تدريجيا نقاط ضعف كبيرة، لأن ترامب ذاته ذهب ضد الناتو والاتحاد الأوروبي، وقبل أيام قليلة قال إن بوتين عبقري، وسمحت الولايات المتحدة في عهده للأتراك بالتمركز في شمال سوريا، وتخلت عن أصدقائها الأكراد”.
وأوضح أن “إسرائيل ليست بحاجة لجنود أمريكيين، بل لأسلحتهم، ونحن لا نتلقى حتى اليوم كل الأسلحة التي نحتاجها، فالأمريكيون يؤخرون تزويد الطائرات بالوقود في الجو، خشية أن يشجعنا ذلك على التحرك ضد إيران، ولا يزودوننا بقنابل اختراق الأعماق القادرة على تكسير وتدمير المخابئ، رغم أننا طلبناه منهم، ولذلك فإن أن اتفاقية الدفاع المشترك لا تستحق الورقة التي كتب عليها، فإذا كان هناك اتفاق، ولم يرغبوا في المساعدة، فلن يساعدوا، وإذا كانت هناك حاجة ملحة لمساعدتهم، ويريدون المساعدة، فسيساعدون حتى بدون اتفاق”.
وأشار إلى أن “إسرائيل محظوظة لأنها لا تمتلك تحالفا دفاعيا مع الولايات المتحدة أو حلف الناتو، لأنه يضيف عليها تعهدات ليست بحاجة لها، وقد يقيدنا في الجولان أو غزة، تخيل أن مناحيم بيغن كان مطالبا بالتشاور مع الولايات المتحدة، والحصول على إذن منها قبل قصف المفاعل في العراق، كما أن الأمريكيين يطمحون لاستعبادنا بالكامل خدمة لمصالحهم، فهم لا يسمحون لنا بالبناء الاستيطاني في شرقي القدس والضفة الغربية، رغم أنها مناطق أمنية حيوية للأمن الإسرائيلي”.
الجنرال غرشون هاكوهين الباحث في معهد القدس للاستراتيجية والأمن قال إن “الولايات المتحدة اليوم هي جدار متأرجح، فهي في حرب 48 لم تساعدنا، وفي حرب سيناء 56 أجبرونا على الانسحاب دون شروط، مما أدى بنا في النهاية إلى حرب 67، في حرب 73 كان بإمكاننا تحقيق المزيد، لو لم يتدخل كيسنجر، في عهد نتنياهو، حاولوا سحبنا من معظم مناطق الضفة الغربية، ووضع قوات غربية في غور الأردن، واليوم تركتنا الولايات المتحدة وحيدين تمامًا في الحملة ضد التواجد العسكري الإيراني في سوريا، ورغم ذلك كله فلا يجب التقليل من مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.
وأضاف أن “الولايات المتحدة لا تزال أقوى دولة في العالم، تنقل إلينا مليارات الدولارات كل عام، وهي الدولة الأجنبية صاحبة أكبر نفوذ في الشرق الأوسط، ورغم عدم وجود تحالف دفاعي معها، إلا أننا في مجال الاستخبارات نتعاون، ونكسر الحدود، لا يوجد العديد من البلدان في العالم التي تشارك الولايات المتحدة معها في الأبحاث والتقنيات والصناعات العسكرية كإسرائيل، وفي حالة الطوارئ، يمكننا بسهولة استخدام المستودع الاحتياطي الأمريكي من الذخيرة، مع التأكد أنها ليست قديمة، لكن الاتجاه العام الذي تقرأه إسرائيل في الولايات المتحدة هو تراجع الرغبة باستخدام قوتها”.
الجنرال يعكوب عميدرور رئيس مجلس الأمن القومي السابق، أكد أن “إسرائيل ليست جزءً من أوروبا أو الناتو، ورغم علاقتنا الخاصة مع الولايات المتحدة فيجب أن نحافظ عليها، ونرتقي بها، ولكن ليس إلى مستوى اتفاقيات الدفاع المشترك، لأننا سنكون أقل استقلالية في صنع القرار والعمليات، كما ان الولايات المتحدة تتصرف وفقًا لمصالحها الأمنية والسياسية، وتأخذ في الاعتبار، إلى حد ما، مصالح حلفائها وأصدقائها.
وأشار إلى أن “الولايات المتحدة أبرمت اتفاقية مع إسرائيل عام 1999 لتأسيس مجموعة التخطيط الاستراتيجي، ولكن عندما لا ترغب الولايات المتحدة في التصرف، فإنها لا تتحرك، والمثال اليوم هو أوكرانيا، التي وقعت مذكرة تفاهم من بودابست في 1994، تعهدت فيها بمساعدتها إذا تعرضت للهجوم، بعد أن تخلت عن مخزوناتها من الأسلحة النووية، ولكن عندما جاء يوم الاختبار، تُركت أوكرانيا وحيدة”.
الجنرال يوسي كوبرفاسر، رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، ووكيل وزارة الشؤون الإستراتيجية، أوضح أن “إحدى المشاكل الرئيسية في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية أنه في الماضي كان هناك تفاهم غير مكتوب بينهما مفاده بأن إسرائيل ستتعامل مع التهديدات قصيرة المدى من الدول المجاورة، بينما ستعمل الولايات المتحدة على تحييد التهديدات الكبيرة، ولكن في الوقت الحالي لا يبدو أن الأمريكيين يلعبون دورهم المتفق عليه، لأنه في خارطة التهديدات التي تواجه إسرائيل، ووجود إيران وسوريا ولبنان والعراق، وإلى حد ما في غزة، فقد أصبح التمييز بين التهديدات البعيدة والقريبة معقدًا جدا”.
وأضاف أنه “حتى في الوقت الذي كانت الخلافات أكثر وضوحا، لم يأخذ الأمريكيون على عاتقهم دائما التعامل مع التهديدات البعيدة التي تواجه إسرائيل، ولذلك كان عليها أن تدمر المفاعل في العراق، لأن الأمريكيين لم يهتموا به، واليوم فإن التهديد الأكثر أهمية بعيد المدى هو إيران، صحيح أنهم يعلنون أنهم لن يقبلوا ببرنامجها النووي، لكن ليس من الواضح ما الذي يعنيه ذلك عملياً، رغم أن الولايات المتحدة هي أفضل صديق لنا على المستوى الأمني”.
عربي 21