أحاول أن أكتب عن العدوان الإسرائيلي المتجدد على قطاع غزة، والجريمة البشعة التي استهدفت ثلاثة من قادة حركة الجهاد الإسلامي العسكريين، الذين قصفت منازلهم بصواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية، في استهتار صارخ بأرواح المدنيين، ما أدى إلى قتل 13 فلسطينياً، بينهم 4 نساء و4 أطفال.
انهال القصف على 4 شقق سكنية، سقطت على رؤوس قاطنيها، كما قُتل طبيب أسنان، ونقيب أطباء الأسنان السابق ورئيس جمعية دار الوفاء لرعاية المسنين وزوجته وابنه البكر.
أدمن الفلسطينيون الانتظار، انتظار الحرب أو العدوان الإسرائيلي التالي، بدلاً من انتظار الأمل وتحقيق الأحلام، التي أضحت من المستحيلات، لا سيما أن العدوان بالنسبة إليهم مسألة وقت فقط حتى يستنزف إنسانيتهم وقواهم.
مرة أخرى تنفّذ إسرائيل جريمة باغتيال الآباء والأمهات والأطفال، مرة تلو الأخرى، تُشنّ عملية عسكرية للقضاء على قيادات عسكرية، وتُطلق الصواريخ الدقيقة ، التي ليست عشوائية، ما يعني أنّ هناك تعمّداً في قتل الأطفال والنساء في عملية منظمة لكيّ وعي الفلسطينيين.
اليوم، تُقتل مرة أخرى النساء والأطفال وتدمّر منازل الفلسطينيين، ومرة أخرى
يُهجّرون من منازلهم ويدفعون نحو لجوء جديد يتزامن مع الذكرى الٰـ 75 للنكبة الفلسطينية.
لم أستوعب ما قالته أم أنس المصري، من بلدة بيت لاهيا، التي دمّر الاحتلال منزلها، وهي تعتذر لجيرانها عن تضرر منازلهم جراء تدميره من قوات الاحتلال، نحن أمام فلاحة تتضامن مع جيرانها وتعتذر منهم، علماً أن من تسبّب بالأضرار هم العسكر والطيارون “دعاة الديمقراطية”.
هي مشاهد تتكرر، يهتف بعدها أنصار الحكومة اليمينية العنصرية بمختلف ألوانها ضد الفلسطينيين، وتتسابق أطراف المعارضة الإسرائيليّة بالاصطفاف خلف الحكومة لتهلل بهجةً بقتل الفلسطينيين والرقص على الدم، وضرورة دعم الجيش والهتاف لعدوّهم اللدود بنيامين نتنياهو ووزير أمنه.
هذه المعارضة تتذرّع بالحفاظ على هوية إسرائيل الديمقراطية الليبرالية، وتقاوم قرار حكومة اليمين بإضعاف الجهاز القضائي، للمطالبة بالحفاظ على الأمن للإسرائيليين.
أكثر دعاة الموت حماقة ووقاحة في إسرائيل لن يفهموا أن هؤلاء “القتلة” لا يمتلكون القدرة على القضاء على المقاومة الفلسطينية ، طالما استمر الاحتلال وما ينتجه من قهر واضطهاد، ونزف للدم الفلسطيني.
الانتقام من إصرار الفلسطينيين على السعي نحو حريتهم والعيش الكريم وحقهم في الوجود والمطالبة بحريتهم، نهجٌ يشتدّ في إسرائيل واليمين المتصاعد فيها.
بعد ثلاثة أيام من القتل وارتكاب جرائم ترقى الى جرائم الحرب، يكرر محللون عسكريون إسرائيليون القول إنه من الأفضل وقف هذه العملية العسكرية التي لم تحقق الردع، وهو من أهداف العملية العسكرية ضد حركة الجهاد الإسلامي. وحسب ما ذكر المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، فإن تنظيماً صغيراً شلّ الحياة في إسرائيل لمدة 48 ساعة وأوقفها على “نصف رجل”، وضرب في تل أبيب، فأي ردع تحقق؟!
الحديث المتكرر عن دعم الجيش الإسرائيلي وتعزيز القوات الأمنية للعملية ضد الجهاد في غزة، بات يثير السخرية، فأي جنود أولئك وكأن ما يجري في غزة هو معركة على الأرض، وكأن جنود الجيش الإسرائيلي قاتلوا وجهاً لوجه مع المقاتلين الفلسطينيين في حواري الشجاعية في مدينة غزة؟!
الجيش الإسرائيلي يقصف سكاناً مدنيين بأحدث الوسائل التقنية، ويتمتع بالحماية الكاملة. الجيش الإسرائيلي يقاتل من الجو، ومهمة الطيارين والمدربين تدريباً عاليا تقتضي أن يعمد الواحد منهم، وبكبسة زر، الى إلقاء قنبلة وزنها يبلغ طناً، وبهذا هم بارعون في قتل الفلسطينيين وسفك دماء الأطفال والنساء، فما الذي يجعله جيشاً ناجحاً غير إراقة دماء الفلسطينيين؟
مقارنة ظالمة وغير إنسانية وتعكس خدعة أخلاقية، خصوصاً أمام قدرة الجيش الإسرائيلي والطيارين العسكريين المدربين على ضرب الأهداف بدقة، لكن المفارقة، أن هؤلاء الطيارين من جنود الاحتياط ، هم أنفسهم من دعاة الديمقراطية وقادة الاحتجاجات والتظاهرات الأسبوعية ضد حكومة نتنياهو.
هم الذين دمروا منازل المواطنين، وهم مسؤولون عن ترحيل السكان الذين يتعرضون للخطر في لحظة، وليست لديهم ملاجئ وأماكن للحماية من القصف. أولئك الطيارون الديمقراطيون تلقوا الأوامر من نتنياهو، الذي وافق على عملية الاغتيال وسقوط الضحايا، وهم يتمتعون بالحماية الكاملة.
خلال عقد ونصف العقد من الزمن، لا تزال الكتابة تكراراً لمشاهد جديدة – قديمة من القتل والدمار والنزوح وفقدان الآباء والأمهات والأطفال، والأحوال الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية القاسية في قطاع غزة، والحروب ودورات العدوان الإجرامية، الكتابة في هذا السياق رسائل إنسانية عن زيادة أعداد الضحايا الأرامل والأيتام والمشردين، ونسب الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي.
إمعان النظر يكشف عن المقارنات الظالمة، بين ما تمتلكه الفصائل الفلسطينية والترسانة الإسرائيليّة العسكريّة والتجسسية، وحقيقة الأسئلة واللوم الموجّه الى فصائل المقاومة، لعدم قدرتها على الاختباء والتخفّي من الاستهداف والاغتيال والقتل بصواريخ الاحتلال.
الجيش الإسرائيلي يتابع كل أنفاس الفلسطينيين، فكيف الحال مع المقاتلين الفلسطينيين؟ فإسرائيل التي تنتج وتبيع أجهزة التجسس والمراقبة، وتمتلك أنظمة التعرف على الوجه المتطورة، تقصف بعشوائيّة، وبحجة الحفاظ على الأمن، تقتل الأطفال والنساء من المدنيين، فهل بالأصل تصحّ المقارنة؟!
لم نعد نمتلك القدرة والإسهاب في الحديث عن المفهوم غير الإنساني لقتل النساء والأطفال باعتباره مدخلاً لحماية الإسرائيليين وتحقيق الأمن الشخصي لهم. ولا أعرف كيف ستستمر إسرائيل بذلك وهي تمارس القتل والتنكر لحقوق الفلسطينيين وتعميق مأساتهم.