أجمع محللون وباحثون إسرائيليون على أن إطلاق النار من قطاع غزة صوب السياج الأمني وسقوط قذيفتين صاروخيتين أطلقتا من القطاع قبالة سواحل تل أبيب يثبت هشاشة “التهدئة” على جبهة غزة التي تم التوصل إليها بوساطة مصرية عقب معركة “أسوار القدس”.
وينظر المحللون إلى إطلاق القذيفتين الصاروخيتين وسقوطهما قبالة سواحل تل أبيب، واستهداف المقاومة الطيران الحربي الإسرائيلي بصاروخين من نوع “سام 7” المضاد للطيران، على أنها إشارة أخرى أو تهديد أو إنذار من حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وتعبّر حماس -من خلال إطلاق نيران قنص وإصابة إسرائيليين عند السياج الأمني وإطلاق صواريخ باتجاه سواحل تل أبيب- عن انسداد أفق محادثات تثبيت “التهدئة” عبر الوسيط المصري، لتكثف جهودها لتعاظم القوة العسكرية لفصائل المقاومة من خلال المناورات المشتركة وتكثيف التجارب للأسلحة وإدخال معدات وآليات للخدمة العسكرية، كمكون آخر في إستراتيجية عمل الفصائل المسلحة وتحضيراتها للمواجهة المقبلة.
وتكمن خطورة صواريخ “سام 7” -وهي صواريخ محمولة على الكتف ومضادة للطائرات الحربية- في أنها ذات تأثير مزدوج، وذلك بسبب سهولها التنقل بها وحملها على الكتف، إلى جانب قدرتها على مفاجأة الطائرات الحربية المعادية التي تحلق على ارتفاعات منخفضة من 500 إلى 1500 متر، حيث بالإمكان إطلاق هذه الصواريخ خلال ثوان معدودة، من دون أن تتمكن أي وسيلة استطلاع جوي من رصدها أو اعتراضها.
وتستخدم كثير من الدول والتنظيمات والفصائل المسلحة حول العالم صواريخ “سام 7” التي تم إنتاجها لأول مرة في الاتحاد السوفياتي عام 1968، حيث تحمل هذه الصواريخ أيضا اسما سوفياتيا وهو “ستريلا 2″، الذي يعني “السهم 2”.
وتجبر صواريخ “سام 7” الطائرات الحربية على اختيار أحد أمرين، إما أن تحلق على ارتفاعات منخفضة لتصيب أهدافها بدقة، وفي هذه الحالة تكون في دائرة استهداف هذه الصواريخ المضادة ويتم ضربها وإسقاطها، أو أن تحلق على ارتفاعات عالية لتكون خارج نطاق استهداف الصواريخ.
يحمل استهداف الطيران المروحي الإسرائيلي بصاروخين من نوع “سام 7” -وفقا للمراسل العسكري للقناة 13 الإسرائيلية، أور هيلر- رسالة من وحدات الدفاع الجوي بالمقاومة إلى الجيش الإسرائيلي مفادها أن بحوزتها هذه الصواريخ المضادة للطائرات الحربية.
وأوضح هيلر أن فصائل المقاومة امتنعت عن الرد وقصف العمق الإسرائيلي، لكنها بإطلاق صواريخ “سام 7” أظهرت أنه بمقدورها أن تعمل شيئا لمواجهة الغارات الإسرائيلية، واستهدفت بصاروخين طائرات الأباتشي من دون أن تصيبها، في مؤشر أن بمقدورها إصابتها مستقبلا.
مخاوف إسرائيل
وبشأن الرد العسكري الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ الأخير، يقول الباحث في مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيلي (التابع لجامعة تل أبيب) كوبي ميخائيل إن “مخاوف إسرائيل من التصعيد والسعي إلى اتفاق واسع النطاق في قطاع غزة يقودانها إلى بناء أطروحتها على التحسين الاقتصادي، إلى جانب جهود الوساطة المصرية، ليكونا وسيلة للتوصل إلى اتفاق تسوية”.
وقد يحدث هذا وقد لا يحدث، بحسب الباحث في مركز أبحاث الأمن القومي الذي يستدرك قائلا: “لكن لدى حماس مجموعة مختلفة تماما من الاعتبارات والمنطق. فعلى الرغم من أن حماس تريد تحسين الواقع الإنساني والاقتصادي في قطاع غزة، فإن همها أيضا ينصب على ترسيخ شرعيتها وشعبيتها وتطوير قدراتها العسكرية في غزة والضفة الغربية لمواصلة الصراع مع إسرائيل”.
وإطلاق المقاومة صواريخ “سام 7” تجاه الطائرات الحربية الإسرائيلية التي شنت سلسلة غارات على مواقع بغزة يشير إلى أن حماس لم تغير مبادئها وقناعاتها ولا ميثاقها، ولن يكون من الصواب -وفقا لميخائيل- “أن تخطئ إسرائيل في مثل هذا الوهم”.
ويعتقد المتحدث ذاته أن حماس ترى نفسها رأس الحربة للمقاومة المسلحة التي تعبر عن النضال الوطني الفلسطيني للتحرر والاستقلال، وعليه من المفترض أن “حماس ستستمر في النضال من أجل مواجهة عنيفة مع إسرائيل وستختار القيام بذلك في الوقت الذي يناسبها. وعليه، فإن إسرائيل مطالبة بعدم السماح لحماس بإملاء قواعد اللعبة وتوقيت الجولة المقبلة”، حسب الباحث الإسرائيلي.
تحديات إضافية
وفضلا عن صواريخ “سام 7” يجد الجيش الإسرائيلي ذاته قبالة تحديات أخرى تتعلق بترسانة فصائل المقاومة، يقول مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت” للشؤون العسكرية، يؤاف زيتون، إنه “في المواجهة العسكرية المقبلة، ستكون مهمة القيادة الجنوبية في الجيش و’فرقة غزة‘ تعقب ورصد قاذفات الهاون”.
ووفقا لتقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، فإن بحوزة فصائل المقاومة بغزة -وفقا لزيتون- “ما مجموعه حوالي 200 قاذفة هاون قابلة لإعادة الاستخدام بالمواجهة المقبلة، حيث يتوقع أن يتم إطلاق آلاف القذائف صوب الجنود المنتشرين على طول السياج الأمني”.
ليس هذا وحسب، يقول مراسل الشؤون العسكرية “لدى الفصائل المسلحة صواريخ ثقيلة وزنها 400-200 كيلوغرام، ويمكن أن تستخدمها بوصفها سلاحا مفاجئا، إذ لم تتمكن الفصائل بإطلاقها بشكل مكثف خلال عملية ’حارس الأسوار‘ مايو/أيار الماضي”.
موازين المعركة
ويعتقد الباحث في الشؤون العسكري والأمنية، الجنرال احتياط يوفال بزاك، أنه نظرا لتغير الحقائق والتحديات على مر السنين على جبهة غزة، يجب تحديث الأدوات العسكرية والتحقق إذا ما كانت المفاهيم والعقائد ووثائق التوجيه الإستراتيجي تتلاءم وتطورات الطرف الآخر والحقائق والتحديات التي تفرضها الفصائل المسلحة.
وبشأن تسلح المقاومة وتحديث أسلحتها وإدخال المزيد من الترسانة والصواريخ والقذائف للخدمة، وإذا ما كان ذلك سيغير موازين أي معركة مقبلة، يقول بزاك “الحرب القادمة ستكون مختلفة؛ قد تؤدي اتجاهات التطور بالتسلح للفصائل إلى سيناريوهات وتهديدات مختلفة عن تلك التي اتسمت بها حرب لبنان الثانية و’الجرف الصامد‘ وحارس الأسوار”.
وأضاف بزاك -الباحث في معهد “يروشاليم” للدراسات الإستراتيجية والأمنية- أنه “لا يمكن اعتماد نتائج عملية حارس الأسوار مرجعا لكيفية الاستعداد للحرب القادمة، حيث لم يواجه الجيش الإسرائيلي بعض التحديات المطروحة بهذه المرحلة على جبهة غزة على وجه الخصوص منذ ما يقرب من 5 عقود، والجزء الآخر من التحديات لم يواجهه أبدا”.
سلاح الجو
يتساءل بزاك “إذن، ما التحديات التي من شأنها أن تتفاقم مستقبلا ومدى تأثيرها على الحسم وتحقيق الانتصار من وجهة النظر الإسرائيلية؟” ويجيب قائلا: “لعل أبرز التحديات هو تهديد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي، الذي يتمتع منذ عام 1982 بحرية كاملة في تنفيذ الغارات والقصف وجمع المعلومات الاستخبارية، وهذه القدرات ضرورية للحسم”.
وأضاف بزاك “لكن حرية عمل القوات الجوية والطيران الحربي قد تتعرض للتحدي. فعلى الجبهة الشمالية يقوم حزب الله ببناء قدرات دفاع جوي من المتوقع أن تشكل تحديا للطائرات والغارات الجوية، وهو ما يمكن أن تطوره الفصائل في غزة وإن كان بوسائل دفاعية تقليدية”.
وفي تناقض صارخ، يقول الباحث بالشؤون العسكرية والأمنية “يلاحظ ضعف ذراع القوات البرية، وتضاؤل استخدامه في العمليات والحملات العسكرية، وفي المقابل عمّق الجيش الإسرائيلي اعتماده على قدرات سلاح الجو والاستخبارات، وقد لا تكون هذه كافية في مواجهة التحديات التي تفرضها ساحة المعركة المستقبلية”.