زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية والوفد المرافق له إلى طهران في اليوم التالي للقرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بدد جميع الشكوك التي أثارها البعض حول دور ايران في المعركة الحالية بين اسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية.
هناك من لم يكتف بإثارة الشكوك والتساؤلات حول دور إيران في المعركة بل قال، إن ايران وأصدقائها وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني يشاركون في مخطط القضاء على حماس، من خلال دفعها الى تنفيذ عملية طوفان الأقصى على أن يلتحقوا بها وشنوا هجماتهم الواسعة ضد إسرائيل، ومن ثم تركها لوحدها في الساحة لتلقي مصيرها أمام آلة الحرب الاسرائيلية.
واستدلوا على رأيهم هذا بأن ايران لم تطلق رصاصة واحدة ضد اسرائيل خلال هذه المعركة على الرغم من الشعارات التي ترفعها بأنها تتمنى سحقها وشطبها من الخارطة، وربما ستسنح لي الفرصة للاجابة بالتفصيل عن هذا السؤال وعن أسباب عدم اشتباك إيران مع إسرائيل، خلال معركة طوفان الأقصى، ولكن زيارة هنية لطهران بددت بالكامل مقولة ان ايران غير مهتمة وغير عابئة بما يجري، بل برهنت أن لإيران دور فعال ورئيسي في هذه المعركة ولو لم يكن كذلك لما زارها هنية مباشرة بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي.
ما أنا في صدده في هذا المقال هو تسليط الضوء على سياسة ايران في الحفاظ وتحصين جميع الفصائل الصديقة لها وعدم السماح لأية قوة بالقضاء عليها أو حتى إضعافها، وربما يفسر البعض ذلك بإن إيران تريد توسيع نفوذها في دول المنطقة والعالم بينما القضية لا تعود الى توسيع نفوذ بقدر تجميع وتوحيد الجهود وصبها في هدف مشترك للجميع.
الهدف المشترك هو الدفاع عن القضية الفلسطينية والدفاع عنها والتصدي لاسرائيل والجرائم والحرب التي تشنها على هذه القضية، وهذا هو الدافع الرئيس لدخول ايران الساحة السورية والدفاع عن النظام الحاكم ومقاتلة الجماعات الارهابية، فقد رأت طهران ان سقوط الحكومة السورية سيوجه ضربة قاصمة لمشروع وسياسة الدفاع عن القضية الفلسطينية، إذ تعد دمشق احدى الأعمدة الرئيسية في الدفاع عن القضية الفلسطينية والتصدي للاحتلال ومشاريعه.
وعلى أساس هذه القاعدة والهدف المشترك بنت ايران علاقاتها مع الدول والأحزاب في المنطقة، وكلما كانت أولوية الأحزاب والدول القضية الفلسطينية فان طهران تسعى الى توطيد العلاقة معها.
وقد دفعت إيران أثمان باهضة لهذه السياسة وتعرضت لأنواع الضغوط والتهديدات ولكنها لم تتراجع عن ذلك بتاتا، بل أن هذه السياسة حققت الكثير من التقدم والمكاسب سواء لإيران أو لأصدقائها، ولا نبالغ اذا قلنا أن ايران ومحورها يعدون التهديد الأول والرئيس لإسرائيل، وبما أن هذه السياسة حققت المكاسب لإيران وأصدقائها فهل من المعقول أن تتخلى طهران عن ذلك، خاصة وانها قطعت شوطا كبيرا في هذا الاطار؟
حتى الآن حققت حماس وسائر الفصائل الفلسطينية المقاومة وعموم الفلسطينيين في غزة انجازا باهرا بالصمود أمام العدوان الإسرائيلي بل أن صمود الفلسطينيين أذهل إسرائيل وحلفائها وهذا الصمود صدّع حتى التحالف الحكومي الاسرائيلي كما تصاعدت صيحات الحلفاء بضرورة ايقاف الحرب، فضلا عن انتفاضة شعوب العالم ضد العدوان.
وهنا تجدر الاشارة الى أن اسرائيل حتى لو كانت قد نجحت في القضاء على حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة فان هذه النجاح سيكون مؤقتا، وقد برهنت تجربة الضفة الغربية التي تصاعدت فيها العمليات العسكرية للفضائل الفلسطينية في السنوات الأخيرة بأنه لا يمكن القضاء على المقاومة الفلسطينية بأي شكل من الأشكال.
أحد الأسباب الرئيسية لفشل السياسة الاسرائيلية في القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس هي وقوف ايران الى جانبها ودعمها بكل وسائل وأدوات القوة والبقاء، ولهذا فان اسرائيل وأصدقائها والذين يرعونها يصبون جام غضبهم على ايران وكل يوم يعلنون عن عقوبة ضدها.
زيارة هنية والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة لطهران برهن أيضا على عمق وقوة العلاقة بين ايران وفصائل المقاومة الفلسطينية، ووجهت رسالة بأن الطرفين لن يفرطا بهذه العلاقة مهما كانت الضغوط والتهديدات.
*باحث في الشأن الإيراني