ظهور الملائكة في سماء اوكرانيا و”شبح كييف” يسقط ست طائرات روسية…

هل تتذكرون ادعائات ظهور الملائكة في معارك سوريا بين الجماعات المسلحة والجيش العربي السوري؟ وهل تذكرون كثيرا من القصص التي صدقها العالم على مدى سنوات من المعارك الطاحنة التي لم تبق ولم تذر؟
 لم يكن ينتظر الاوكرانيين سوى بعض البطولات الاسطورية حتى يتم ضخ المزيد من الحماس في صدروهم لاتمام المعارك في شوارع واحياء مدنهم ويستبسلون فيها حتى الموت. هذا ما قاله الغرب لاوكرانيا والاوكرانيين, لكي تصنعوا تاريخكم يجب ان تموتوا وتستبسلوا. بينما كان خطاب بوتين ناصحا الجنود الاوكرانيين وغيرهم ان لا تموتوا من اجل بلدكم بل ابقوا احياء من اجله عوضا عن الموت.
 سواء اتفقنا مع ما قاله بوتين او اختلفنا معه في شان تضحية المواطنين باوراحهم لحماية اوطانهم بدل التفرج على المحتل, يبقى الاستشهاد والتضحية من اجل الوطن قيمة لا تضاهي قيم اخرى او بدائل لها. الا ان هناك مسالة اكبر من ذلك ومن تخيير المواطنين. هناك من يحاول ان يعزز هذه الروح المعنوية باختلاق القصص الكاذبة كي يشعر المواطنين ان ما يقومون به هو تضحية وتستحق بلاده هذه التضحيات. لهذا بداء الغرب بمعزوفة “ضرورة حتمية التضحية” على الشعب الاوكراني بينما الغرب يتفرج على موتهم.
هذا امر لا اخلاقية فيه مطلقا رغم ان تضحيات الاوكرانيين بارواحهم من اجل بلادهم لا شك ان له قيمة انسانية عالية بغض النظر ان اتفقنا مع الاوكرانيين او اختلفنا.
نعم فشلت كل الدول الغربية والمؤسسات الدوليه ان توقف هذه الحرب التي بدأت منذ اكثر من ثمان سنوات. ولم يستطيع الغرب ايضا ان يضمن سلامة اوكرانيا ولا تقديم ضمانات لمخاوف روسيا الامنية من تطور الاوضاع على حدودها باعتبار انها هي من حشد الجيوش وساهم في خلق هذه الاوضاع خلال الشهرين الماضيين.
بعد ان انتهت الجولة الدبلوماسية والمساعي السلمية التي ادعى الغرب انه حاول من خلالها اقناع روسيا بعدم الغزو والتحرك نحو اوكرانيا, كان لا بد من الروس ان يحسموا المسالة بيدهم بعيدا عن تدخلات الدول الغربية وخاصة دول حلف الناتو.
كما ان فشل المساعي والجهود الدولية والتطمينات التي اعطتها معظم دول العالم لاوكرانيا لم تجدي نفعا لاوكرانيا في حربها الدائرة حاليا. وها هي اوكرانيا تركت وحيدة في ساحة المعركة في ظل استمرار الدعم الدولي الكلامي القوي لها والوعود بفرض عقوبات قاسية وغير عاديه على النظام الروسي ومجاميعه من هيئات دولية ومؤسسات وشركات وبنوك وافراد وقدرات مالية مخزنة في شتى انحاء العالم.
وفي خضم هذه الاستعراضات العالمية بالدعم لاوكرانيا يبدو ان الاوكرانيين ادركوا انه قد اسقط في ايديهم ووجدوا انفسم وحيدين في ساح القتال والجميع اما متفرج متحمس لهم او شامت بهم او ينهال عليهم باللوم.
لكن ما حيلة الغرب ان يفعل لاوكرانيا وسط تهديد غير مسبوق من الرئيس بوتين بان من ستسول له نفسه التدخل فيما يجري في اوكرانيا لا يلومن الا نفسه ولسوف يلقى عقابا صارما لم يسبق له مثيل. ولعله كان يقصد بان اي سلاح تمتلكه روسيا يمكن ان يستخدم ضد من سيتدخل في هذه المعركة.
لذا وقف الغرب مكتوف الايدي الا من دعم قوي لاوكرانيا اعلاميا ونفسيا ووعود بتقديم الدعم العسكري الذي لا يعرف من اين يمكن ان يصل لاوكرانيا في ظل التدمير الذي حصل لمئات من المنشأت العسكرية والتسهيلات التي تستخدمها من مطارات ومقار حيث جرى تدمير اكثر من 70% منها في اول يومين من الحرب.
“شبح كييف الاسطوري”
الا ان الغرب استطاع ان يخلق وسيلة دعم معنوية جديدة للاوكرانيين. اذ قام الاعلام الغربي بنشر اسطورة اشبه بالخيال يمكن ان ترفع معنوياتهم. وهي ان طيارا بطلا يدعون ان اسمه “شبح كييف” استطاع ان يحلق في سماء اوكرانيا وبداء بالقتال ضد الطائرات الروسية واستطاع ان يسقط ست طائرات منها واختفى من سماء اوكرانيا. وعلى رغم وجود الملائكة التي ادعت الجماعات المسلحة في سوريا انها كانت معها في المعارك خسرت الجبهة التي كانت تحارب معها الملائكة. وهل يعقل ان تخسر معركة كان فيها الملائكة جنود؟ حتما ستربح الملائكة المعركة مع الجنود لا شك في ذلك. الا ان كانت هذه ادعائات كاذبة ولا وجود لملائكة, ساعتئذ لا يهم من يربح او يخسر.
وهكذا ظهر ملاك كييف الطيار غير المعروف من اين انطلقت طائرته وكيف استطاع ان يحقق هذا العمل البطولي من غير سابق انذار.
ووفقا لتغريدة واحدة نشرتها صحيفة “مترو” البريطانية في لندن تمت مشاركتها على نطاق واسع و لم يتم التحقق منها، فقد أخرج الطيار شبح كييف طائرتين روسيتين من طراز سوخوي 35 وطائرة سوخوي 27 وطائرة ميغ 29 وطائرتين سوخوي 25 اس. ومن المتعارف عليه في قواعد القتال الحربي الجوي في حال استطاع طيار تدمير خمس طائرات حربية للعدو يعطوه لقب “الاس” نظرا لانجازاتها غير العادية في المعركة. اضافة الى ذلك صاحب التقارير الصحفية المنشورة والتغريدات وما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي صور عن هذه الطائرات تحلق في سماء كييف وتظهر فيها لقطات يزعم انها مطاردة للطيار “الاس” للطائرات الروسية.
وانتشرت القصة كالهشيم في صحف العالم ابتداء من صحيفة مترو البريطانية الى صحف يونانية وصحف اميركية واوروبية يكررون قصة شبح كييف الذي حطم اسطورة الروس في اوكرانيا. وانتشرت القصة بشكل اوسع على واسائل التواصل الاجتماعي وكان رد فعل الاوكرانيين عليها ايجابيا وبطوليا عمت فيها الفرحة لوصول هذا البطل الاسطوري من حيث لا يدري احد وبداء بتدمير الالة الحربية الروسية على امل ان يقوم بعدة جولات اخرى قريبا.
ولم تكتف الصحف الغربية بهذه القصة البطوليه بل اظهرت بطولات اسطورية لرجال القوات المسلحة الاوكرانية الذين وقفوا بوجه المد الروسي وقدرتهم على تدمير عدد كبير من الدبابات الروسية في مناطق لم يصلها بعد الجيش الروسي. او تفجير الجسور التي يمكن ان تعبر عليها الدبابات الروسية الى الجهة الشرقية من البلاد لمنع الروس من التقدم. كما بثت شبكة سي ان ان تقريرا عن رجال عسكريين انهم من رجال المقاومة الاوكرانية مستعدون للقتال ووسط التقرير يسقط مخزن رصاص الرشاش للجندي الذي بدا وكانه لا يعرف كيف يضع مخزن الطلقات في السلاح حيث سقط من يده واعاده اليه جندي يظهر في التقرير.
كما بداء الغرب يتحدث عن اسقاط حاملات للجنود الروس وقتل المئات منهم. وبثت مشاهد على انها لجنود روس يتوسلون الطعام من الشعب الاوكراني وبدا الاوكرانيون يشعرون بالاسى تجاههم ويقدمون لهم الطعام لانهم سيموتون جوعا في اوكرانيا.
وبثت تقارير عن توقف الاليات العسكرية الروسية في كثير من الطرقات لانها تفتقر الى الوقود وعدم قدرتها اكمال طريقها في مهامها العسكرية وكما انها لن تستطيع الانسحاب من ارض المعركة.
اضف الى ذلك ان الصحف الغربية بدأت تتحدث عن مقتل اكثر من خمس الاف جندي سيلقون حتفهم في اوكرانيا نتيجة زج بوتين بهم الى ارض المعركة لكي يضحي بهم. ويوم امس افادت مصادر مستشار الرئيس الاوكراني ان نحو 3500 جندي روسي قد قتلوا وفي يوم 27 الجاري ان عدد قتلى الجنود الروس المفقودين قد وصل الى 4500 جندي.
وسط كل هذه الدعايات والقصص الخيالية والاسطورية والتي لا تخلو منها المعارك احيانا بتضحية الكثير من الجنود بارواحهم في سبيل بلدانهم وهذا امر يجب ان يصدق لا محالة.
الا ان عرض الجبهة العسكرية بهذا الشكل واظهار البطولات للاوكرانيين فيما استطاع الروس الوصول الى نصف البلاد خلال يومين وتصفهم الصحف الغربية بالجيش المنهار والمقبل على الهزيمة. لا بد ان الامر يستحق الوقوف عنده والتساؤل كيف يمكن لهذا الجيش ان يصل لهذه المرحلة خلال يومين فقط من عمليات القتال.  و الجيش الاوكراني الذي خسر معظم قدراته العسكرية واللوجستية خلال 24 ساعة استطاع ان يحقق كل هذا بمعجزة غير عادية وغير مسجلة في التاريخ العسكري للمعارك.
 وفوق ذلك كله يظهر لنا “شبح كييف” الملاك الذي استطاع ان يسقط ست طائرات روسية متقدمة ويختفي عن سماء كييف ولا يظهر في اليومين التاليين؟
من قتل شبح كييف الملاك ؟
ولكي تكتمل قصة “شبح كييف” الذي بث الروح المعنوية في وسائل التواصل الاجتماعي الاوكراني ومصداقيتها فقد قامت احدى الصحفى بنشر تقرير بعد حوالي ثمان ساعات من انتشار اسطورة الشبح, مفادها ان شبح كييف قد توفي وتضمن التقرير نعي له لبطولاته الذي حققها على الروس. وهكذا تولد من رحم الاعلام الغربي اسطورة بطل جندي مجهول عند الاوكرانيين على غرار ابطال مثل كابتن اميركا وستار تريك وثور المعروف بكابتن هامر صاحب المطرقة العظيمة وغيرهم من الابطال الاسطوريين.
اضف الى ذلك ان صحيفة الصن البريطانية نشرت مؤخرا على صفحتها الرئيسية صورة عجوز يطفو على وجهها الدماء وهي من ضحايا الحرب في اوكرانيا تبين انها توفت في جبهات اخرى من الالم في العام 2018. كما ادعت شبكة سي ان ان وفاة اول اميركي في اوكرانيا تبين لاحقا انه الصحفي بارني غوريز الذي توفي منذ سنوات في افغانستان ولا ندري ان كان سيحيا مجددا كي يتوفوه في مكان اخر او حرب اخرى.
هلا فعلا تحول الغرب لمسخرة في الدعم اللوجستي مما دفعه بالانتقال الى الدعم المعنوي وخلق الاساطير الكاذبة كي يقنع الاوكرانيين بالثبات وان القدرة الالهية تقف معهم بعد ان خذلتهم القدرة البشرية التي وعدتهم بالنصر والدعم؟
الهذا الحد يمكن ان يتسلل الغرب في الدعاية الكاذبة كي يرفع من معنويات الجنود كي يتحملوا المزيد من التضحيات لانقاذ بلادهم فيما هم يتفرجون عليهم وسط وعود لا زالوا يحتارون كيف يمكن ان تنفذ ومتى واين ؟
الهذه الدرجة يمكن ان يصدق الاوكرانيون والعالم هذه الروايات حتى يعيدوا الاطمئنان لنفوسهم تجاه اخوتهم الاوروبيين الذين وعودهم بالنصر والعسل والبطولات والدعم العسكري والدولي وهزيمة الروس؟
ام ان الغرب فعلا لم يستطيع ان يقدم لاوكرانيا ما وعدها به ولم يتبقى له من حفظ ماء وجهه الا تقديم اساطير يمكن ان تنفع الاوكرانيين وتقنعهم ان فقط تضحياتهم هي التي يمكن ان تنقذ بلادهم من الزحف الروسي ويكون لهم فيها المثل الاعلى “شبح كييف”؟
الى ان يتم تثبت اساطير الغرب والبطولات الدونكيشوتية للاوكرانيين, يبقى علينا ان نتنبه لما يحاك لنا من المزيد من هذه الاعيب و الاساطير التي يمكن ان تنفع احيانا وقد لا تنفع في ظل ظروف لا يمكن للرواية الاسطورية ان تاخذ حيزها خصوصا بعد ان تبين ان تسجيلات الفيديو التي تدعي انها لملاحقة “شبح كييف” للطائرات الروسية في سماء اوكرانيا او كييف كما ادعى البعض, تبين انها كانت من تدريبات اجراها سلاح الطيران الروسي في مطار توشينو في موسكو استعددا لعروض جوية اقيمت في العام 2020. ووما يثبت ذلك ان تشكيل السرب كان منظما في اطار لا يمكن نكران انه تشكيل عرض عسكري وليس مطارده لطائرة تلاحق خمس طائرات متلاصقة بشكل لا يمكن ان يوحي بانها في حالة مطاردة من طائرة حربية اخرى.
والى اسطورة غربية جديده ودعايات مفبركة وملائكة مزيفون اترك لكم الخيار بالتصديق او عدمه بما يقوم به الغرب من مساع حثيثة وصادقة لتقديم العون لاوكرانيا التي تتلقى السياط وحدها والصراخ من اوجاعها وحدها, التي المتها من الغرب اكثر من الروس بعد ان تم الايقاع بها وايهامها بانه ليست الوحيدة في المعركة ووجدت نفسها دون معين من الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا واوروبا التي على ما يبدو انها غير مستعدة للدخول في معركة لاجل عيون رئيس ممثل مهرج قضى على شعبة وبرلمانه في مسلسلة السينمائي الاسطوري قبل ان يظهر له “شبح كييف” الاكثر تصديقا منه.
هل فعلا لا زال الاوكرانيون يصدقون رئيسهم المهرج والغرب الذي وعدهم بالنصر بينما يحقق الهزائم على جبهات واسعة من دول العالم التي دمروها كما ستدمر اوكرانيا بالوعود الغربية؟
كاتب واكاديمي لبناني