عام من الفشل على رئاسة بايدن لأميركا..محمد ياغي

قبل أسبوع مضى عام كامل على استلام الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لمهامه من رئيس سابق كان الأكثر وضوحا في عدائه وحتى «احتقاره» للعرب، وانحيازه لإسرائيل، وفي عدم احترامه للقانون الدولي والديمقراطية الأميركية نفسها، وفي توتيره للعلاقات الدولية مع غالبية دول العالم بما في ذلك حلفاء أميركا في أوروبا وكندا والمكسيك.
فوز بايدن على ترامب العام الماضي لم يكن بسبب شخصيته الكاريزمية (مثل أوباما) أو لبرنامجه السياسي الذي هو في المحصلة نتاج صراعات ومساومات بين عدد من التيارات داخل الحزب الديمقراطي. ولكن بسبب وجود غالبية رفضت إعطاء ترامب ولاية ثانية لانحيازاته العنصرية داخل أميركا نفسها، لعدائه للديمقراطية التي أوصلته للرئاسة، ولما سببه الرجل من إساءة لسمعة بلده بسبب ضحالة ثقافته السياسية وسلوكياته الشخصية التي اعتمدت الكذب والتضليل واللغة «الوقحة» في مواجهة خصومه.
كمرشح للحزب الديمقراطي، لم يكن بايدن هو الأفضل بين منافسيه، ولكنه الشخص الذي أجمعت عليه القوى المعارضة لمرشح التيار التقدمي داخل الحزب، بيرني ساندرز.
الأخير فاز على غالبية خصومه في الحزب في بداية الانتخابات التمهيدية، وكان من الواضح أنه سيكون مرشح الحزب إن لم تتحد القوى المعارضة له، وهو ما حدث.
رغم أن بايدن لم يعد خلال حملته الانتخابية بإلغاء جميع قرارات سلفه ترامب المتعارضة مع السياسة التقليدية للولايات المتحدة، إلا انه وعد بتحقيق ثلاثة أهداف: إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس العربية ومكتب المنظمة في واشنطن، عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران واستخدامه منطلقا لتحقيق اتفاق أقوى معها بشأن دورها الإقليمي وبرنامجها الصاروخي، ووقف الحرب في اليمن.
جردة سريعة لحساب السنة الأولى من ولايته تقول إنه فشل في تحقيق أي من أهدافه التي أعلنها، رغم أنها جميعا لا تحتاج إلى الكثير من العناء الدبلوماسي وإنما فقط إلى إرادة سياسية لا يمتلكها.
بايدن لم يتمكن إلى يومنا هذا من إعادة فتح القنصلية أو مكتب المنظمة، لأنه ببساطة ينتظر موافقة إسرائيل على ذلك رغم أن المسألتين هما شأن سيادي أميركي.
تبريرات الفشل كثيرة لكن أهمها أن إدارة بايدن لا تريد بسياساتها التأثير على الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل والذي تنظر إليه على أنه أقل معارضة لسياساتها تجاه إيران من ائتلاف يترأسه نتنياهو الذي لم يتوان عن «التدخل الصريح في السياسات الأميركية الداخلية» عندما توجه للكونغرس في نهاية ولاية أوباما لتحريض النواب الأميركيين على الاتفاق النووي.
بمهادنة ائتلاف بينيت – لابيد، وهو ائتلاف لا يقل سوءا بالنسبة للفلسطينيين عن ائتلاف نتنياهو، يرسل بايدن إشارة صريحة للفلسطينيين بأنه على طريق ترامب في كل ما يتعلق بقضيتهم، خصوصا أن رسائل «العرب» للأميركيين لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية التي أصبحت موضع مساومة ومرتبطة بملفات أخرى مثل إيران، وحقوق الإنسان، ودعم الاستبداد مقابل علاقات أفضل مع دولة الاحتلال.
وفي الملف النووي الإيراني، انتظرت منه أوروبا والصين وروسيا والعديد من دول العالم أن يعلن بعد فوزه عودته للاتفاق النووي مع إيران ورفعه للعقوبات التي اتخذتها إدارة ترامب عنها وجميعها كانت بقرارات تنفيذية ودون الرجوع للكونغرس.
بمعنى قدرته على «عكسها» بقرارات تنفيذية مماثلة. إلا أنه فضل إعادة التفاوض مع إيران على من يعود أولا للاتفاق: دولته التي تنصلت منه أم إيران التي خرقت القرارات بعد فشل أوروبا في تعويضها عن خسائرها الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأميركية.
اليوم تقول إدارة بايدن إن الفرصة تضيق للعودة للاتفاق لأن فوائده لم تعد كما كانت بادعاء اقتراب وصول إيران من العتبة النووية «القدرة الذاتية على إنتاج قنبلة نووية».
وهو ما يعني أن بايدن قد يفضل أخيراً بقاء أميركا خارج الاتفاق النووي واستمرار عقوبات ترامب عليها، وزيادتها أيضا.
أما بخصوص اليمن فالرجل لم يفعل شيئا مهما لإيقاف الحرب فيها. كل ما قام به هو تعيين مبعوث سلام لتمثيل إدارته، إلغاء تسليم بعض أنواع الصواريخ للعربية السعودية، وإزالة اسم الحوثيين من لوائح الإرهاب بعد أن وضعها ترامب على اللائحة قبل مغادرته البيت الأبيض بأيام قليلة.
لكن وقف الحرب في اليمن لا يحتاج لكل ما قام به لأنه غير ذي علاقة بالصراع في اليمن.
وقف الحرب يتطلب رؤية سياسية جديدة لا تقوم على قرار مجلس الأمن رقم ٢٢١٦ الذي يطالب الحوثيين بتسليم أسلحتهم والعودة لمحافظة صعدة حيث كانوا.
وقف الحرب يتطلب فهم التغيرات التي حدثت على الأرض منذ اندلاع الحرب العام ٢٠١٥ وتقديم رؤية لشراكة سياسية بين مكونات المجتمع اليمني، وضمانات بإعادة الإعمار، وأخرى لأمن العربية السعودية وتحديداً أمن حدودها الجنوبية.
هذه الأشياء لم تقم بها إدارة بايدن التي ما زالت متمسكة بضرورة التفاوض بين الأطراف اليمنية على أرضية القرار الدولي المذكور سابقا، والذي يعني للحوثيين الاستسلام في وقت هم فيه يسيطرون على معظم المحافظات اليمنية الشمالية.
تأييد بايدن شبه المطلق لإسرائيل معروف تاريخيا فهو الرجل الذي أيد الحرب على العراق خدمة لإسرائيل، وهو من قال: «لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا إيجادها لما تمثله من حماية للمصالح الأميركية».
وهذه أكذوبة بالطبع لأن إسرائيل التي تحتل أراضي ثلاث دول عربية والتي تؤمن بأن بقاء أنظمة استبدادية في العالم العربي يخدم مصالحها أكثر من أنظمة تختارها شعوبها، هي عبء سياسي وأمني كبير على أميركا التي تريد أن تسوق نفسها في المنطقة كدولة ديمقراطية، لكنها وبسبب رغبتها في حماية إسرائيل مضطرة للتضحية بجنودها (كما حدث في العراق مثلاً) وفي دعم أنظمة لم تعد على الأقل تخدم مصالحها.
لكن هنالك ما هو أكثر من ذلك، فالرجل الذي لم يذكره أحد أثناء خدمته كنائب للرئيس أوباما طيلة ثماني سنوات، لا يريد أن يظهر كما لو أنه ظل لأوباما حتى بعد أن أصبح رئيساً.
وهو بالتالي يريد تبني سياسات مغايرة لتلك التي تبناها أوباما، ربما لمرارة في نفسه ناتجه عن شعور بالنقص، خصوصا أنه لم ينجح بأن يكون مرشحاً للحزب الديمقراطي مرتين في السابق، قبل أن يحالفه الحظ أخيراً بعد الإجماع عليه في حزبه عداء للسيناتور ساندرز وليس قناعة به.