عبدالعزيز الهزاع.. منولوجست وسّع صدور الناس

لن يمر على مواليد الخمسينيات والستينيات الميلادية موسم من مواسم شهر رمضان، دون استعادة سيرة المنولوجست الراحل عبدالعزيز الهزاع، الذي كان يكتب أو يحوّر كلمات أغنية أو قصيدة؛ ليغنيها ويسلّط بها الضوء على بعض الظواهر السلبية الطارئة على المجتمع، في ظل ما يمر به من تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية، ونقد الحالات والظواهر دون تجريح؛ من خلال لحن رشيق وإيقاع سريع، وأداء غنائي تعبيري متقن صوتاً وحركة، وسرعان ما تألفه الأذن، وتردده الألسن؛ وتبلغ الفكرة مقصدها وغايتها.

ويعد الهزاع، المولود في عنيزة عام 1348هـ (1929)، أستاذ المونولوج الوصفي، والفكاهي، واعتنى به في سني شبابه من خلال الإصغاء لبرامج المذياع؛ والصحف والمجلات، وكان الفن مزدهراً في مصر، ثم التقط الهزاع الومضة، وبرع فيه وقدم حلقات في إذاعة الكويت، وسرعان ما عاد وقدمه من خلال الحفلات المدرسية، والعروض المسرحية؛ في الأندية الرياضية، واستثمر الهزاع الفرص لتقديم موهبته، وحظيت بقبول في الوسط الرسمي والشعبي.

وبافتتاح الإذاعة السعودية عام 1385هـ، كان (أبو سامي) عموداً من أعمدة برامجها؛ وتبعه التلفزيون؛ وكان رائداً مع رفيق دربه الراحل سعد التمامي، في تقديم المونولوج؛ ولكونه ماهراً في موهبة تقليد الأصوات، قدم العديد من المسلسلات الإذاعية، ومن أبرز أعماله مسلسل (وسّع صدرك) والأشهر (أم حديجان في رمضان)، الذي كانت عائلات بأكملها تتناول إفطارها الرمضاني وأسماعها وألبابهم مخطوفة، من أداء الفنان الذي أقنعهم بأن (أم حديجان) ليست فرداً واحداً بل عائلة بأكملها، وأحياناً قرية أو حيّ، تتفاعل أصواتهم في حواريات أسرية يومية، وتنتقل عبر الأثير لتبلغ الآفاق، فيذهب خيال الطفولة في رسم ملامح البيت الذي يسكنون؛ والثياب التي يلبسون، والسيارة التي يركبون، ويتمنى لو أن المذياع يتيح فرصة لمشاهدتهم وهم يؤدون أدوارهم.

أضحك الهزاع الملوك والأمراء؛ والغلابة والأثرياء؛ وكان أديباً في طرحه، ولغته؛ إذ سبق له أن عمل معلماً؛ وعُرف بلباقته؛ في انتقاء ألفاظه، وتهذيب مفرداته، ولم تسجل على أعماله أي ملاحظة، كونه مترفعاً عن الإسفاف؛ وما يخدش الحياء، أو يهبط بالذائقة، بل كان له دور التحفيز على التعليم للأولاد والبنات، وبث روح المنافسة الشريفة بين الإخوة والأخوات، وتمرير المعلومات؛ وغرس روح الانتماء للوطن، والإشادة بمنجزاته.

رحل الهزاع في التاسع من شهر شعبان الماضي، ولهجت ألسن في كافة أنحاء العالم بالترحم عليه، والعودة لليوتيوب للبحث عن حواراته وذكرياته مع تجربة قلّ نظيرها في خطف الأسماع قبل خطف (طاش ما طاش) الأنظار.