كتب د. أحمد يوسف:
هناك في المشهد السياسي والفكري الفلسطيني شخصيات تتجاوز تحليلاتهم النقد البنَّاء وتقطر أقلامهم بالحقد على حماس والإخوان المسلمين.. إنَّ دوافع بعضهم أيدولوجية، وأخرى لحساب أجندات محلية وإقليمية أو دوليه.
ما كتبه الأستاذ حسن عصفور في موقع (أمد الإخباري) بتاريخ 13 أغسطس الماضي، والموسوم “خالد مشعل الفتنة الوطنية.. والسلوك الحمساوي الأخير!”. كان مقالاً مليئاً بالتجني والتشكيك والتحريض لخلق فتنة، فيما كان اتهامه للأستاذ خالد مشعل هو بسبب “جملة عارضة” بخصوص دحلان، مُدَّعياً أنها كانت لإثارة الفتنة!!
حاول الأستاذ حسن عصفور؛ الوزير السابق، اللعب على ورقة المواجهة الأخيرة بين إخواننا في حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل، والإيحاء بأن حركة حماس وكتائب القسَّام قد تخلت عنهم في الميدان!! وهذا تحليل مُضلل ومغلوط؛ لأن ما جرى هو تقدير موقف، وقرار بقطع دابر المخطط الإسرائيلي الهادف لتدمير القطاع وتسويته بالأرض، وقد جرت نقاشات وحوارات بين الإخوة حول مشهد الميدان وطبيعة المواجهات، وأهداف العدو من ورائها، وقد تفهم إخواننا في حركة الجهاد ما كان عليه الاجتهاد، وإن وقعَ خطأ في إخراج الرواية إعلامياً بالذكاء المطلوب، مما سمح لإسرائيل وماكينتها الدعائية بتسويق رواية أن المعركة هي عمليةٌ ضد سرايا القدس، وأن المستهدف فقط هو حركة الجهاد الإسلامي، وظل يعزف على هذا اللحن ويدندن طوال أيام المواجهة الثلاثة، بغرض تشويه وتشويش وعي الشارع الفلسطيني، وإحداث شرخٍ بين إخوة الوطن الواحد من المقاومين.
للأسف، إنَّ ما يعرضه الأستاذ حسن في مقاله هو إعادة تدوير زوايا الرواية الإسرائيلية، وأنَّ حماس قد نكثت بعهدها ووعدها متخليةً عن التزامها بـ”وحدة سلاح المقاومة” من خلال الغرفة المشتركة.
إنَّ مما يثير السخرية في المقال كذلك، هو تشكيك الأستاذ حسن بتوقيت بث الحلقة ووضعه داخل حسبة التآمر؛ أي “أمرٌ بُيّت بليل”، رغم أن توقيت البث كان من المفترض أن يكون في اليوم الذي تفاجأنا فيه بالعدوان، مما عطَّل كلّ برامج الجزيرة لحساب تغطية ما يجري من حرب على قطاع غزة، وبالتالي تسقط فرضية المؤامرة التي حاول الأستاذ حسن البناء عليها.
كانت لغة الاتهام لمشعل وحماس بأنهم وراء التآمر على الرئيس ياسر عرفات (رحمه الله)، رغم ما ذكره الأستاذ خالد مشعل من كلام طيب عن الرئيس أبو عمار، ووقوفهم إلى جانبه عندما اشتمت حركة حماس أن هناك محاولةً للتخلص منه، وقد نشرت كتاباً باسم “ياسر عرفات.. ذاكرةٌ لن تغيب”، تضمن الكثير من الإشادات لشخصيات قيادية حمساوية بالزعيم الراحل، منها: الشيخ أحمد ياسين والأستاذ خالد مشعل والدكتور موسى أبو مرزوق والدكتور ناصر الشاعر وآخرون. وهذا ما يجعلنا نقول بحزم: “العب غيرها يا حسن”. أما ما أوردته من توجيه اتهامات للأستاذ مشعل بأنه وراء إجهاض عمل السلطة والموقف من هنية والرنتيسي، فهي تصلح لحكايا آخر الليل، من تلك التي ترويها لنا جداتنا كي نخلد إلى النوم، إذ ليس هناك داخل حماس شخصٌ مهما بلغت قيمته التاريخية أو النضالية فوقية أعلى من التنظيم، فالمؤسسات التنظيمية وِفق إطاراتها الشورية هي من ترفع وتضع وهي من تُعطي وتقطع، وهي في النهاية صاحبة القرار، والقرارات داخل الحركة تؤخذ بالأغلبية وأحياناً بالأجماع.
أما ما ذكرته يا أستاذ حسن عن د. الرنتيسي (رحمه الله) و(الوثيقة التاريخية- وثيقة آب)، فهذه مسألة فيها رأي آخر غير الذي ذهبت إليه بالتأكيد. ولو كان الشهيدان الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب (رحمهما الله) أحياءً، لقاما هما بالرد عليك؛ لأنهما شاهدا الحدث ومهندساه.
نعم؛ إن هناك الكثير مما يتوجب علينا أن نقفز عنه في تحليلك يا أستاذ حسن، فطريقتك في ربط الأحداث فيها الكثير من الغرابة والعجب، إذ تُظهرك وكأنك مفوَّضٌ في قراءة الغيب، ووضع نهايات استفزازية لرواياتك، وما تطرحه بغرض مشبوه عن حماس والإخوان المسلمين.
وفيما تضمنه المقال من أسئلةٍ للأستاذ حسن عصفور ساقها تحت بند “أسئلة تستحق التفكير”، واستعرض قراءاته التحليلية لأحداثها بطريقة أقرب لعجقة (سمك لبن تمر هندي)، متهماً مشعل بأنه وراء عدم مشاركة حماس في انتخابات 96.. والكل يعلم -وهو منهم- أن حركة حماس كانت تطالب أن تكون جزءاً من منظمة التحرير، وقد شاركت في لقاءات مع حركة فتح في اليمن والسودان أواخر الثمانينيات، ولكن لم يتوصل الطرفان إلى تفاهمات، وظلت مطالب حركة حماس قائمة بأن الانضمام لمنظمة التحرير هو أولوية لها، قبل أن تشارك في أية انتخابات تُعقد تحت لوائها. فهل يُعقل يا حسن.. يا أستاذ حسن، أن تقبلَ حماس بهامشٍ سياسي ضئيل لن يمنحها دوراً في صناعة القرار أو التأثير فيه، وهي التي تتطلع أن تكون صاحبة “دور فاعلٍ” وبقدرات كافية لتعطيل أي انهيارات سياسية كانت تلوح في الأفق. أما لماذا شاركت في انتخابات 2006 وتجاوزت موقفها السابق الرافض للمشاركة في أي انتخابات تحت مظلة أوسلو، فالسبب هو أنَّ كلَّ المؤشرات التي كانت تعطيها إيّاها نتائج انتخابات 2004 و2005 في النقابات والبلديات كانت إيجابية، وتبشر بفرص فوز كبير للتيار الإسلامي، الأمر الذي حسم نقاشات الحركة الداخلية تجاه هذه المسألة، وأسهم في تغيير القناعات وتبدلها، وأن الوقت قد حان لحصاد شعبي واسع، والتمكين لحركة حماس والتيار الإسلامي بقرب تصدر مشهد الحكم والسياسة.
كانت استطلاعات الرأي تعزز الثقة لدى الإسلاميين، بأن حماس لا يُخشى عليها، وبإمكانها مع فصائل اليسار تعطيل أي قرار، ومنع تمرير أية أجندات في المجلس التشريعي إذا ما كان هناك ما يهدد مستقبل القضية الفلسطينية.
أما القراءة المثيرة للاستهجان، فهي سؤال الأستاذ حسن بلغة “نظرية المؤامرة” عن كيفية وصول مشعل لقيادة المكتب السياسي لحماس، بعدما جرى اعتقال د. موسى أبو مرزوق في أمريكا عام 1995!!
وحيث إننا كنا شهود تلك المرحلة وقيادات فيها، فإن ما جرى كان أمراً طبيعياً وباتفاق شورى الحركة، ولكن ربما كانت الطريقة التي جرى فيها تحريج القرار انتابها شيء من العوار، ولم يفطن الإخوة لذلك، وغاب عنهم التفكر في عواقبه، كون أنَّ مكانة د. أبو مرزوق كرئيس للمكتب السياسي يمنحه “حصانة” قانونية أمام المحاكم الأمريكية، من حيث حظر تسليمه إلى إسرائيل؛ باعتباره سجيناً سياسياً.. وهي قضية جرى فيها -ـآنذاك- الكثير من اللغط والمراجعات، وانتهت بدروس وتفاهمات.
إن من المضحك أيضاً ذلك التساؤل الذي طرحه الأستاذ حسن حول العمليات الاستشهادية، من حيث توقيت انطلاقها وظروف توقفها، وهي مسألة تعود إلى قناعة كتائب القسام والشهيد يحيى عياش (رحمه الله) بالانتقام لشهداء مجزرة المسجد الإبراهيمي عام 1994، من خلال القيام بخمس عمليات أنجزها بجرأة ونجاح. ثم لاحقاً جرت تفاهمات مع الرئيس ياسر عرفات (رحمه الله) بالتخفيف منها شرط توقف إسرائيل عن قتل واستهداف المدنيين، والامتناع كذلك عن ممارسة اعتداءاتها وعقابها الجماعي للشعب الفلسطيني.. لا شكَّ بعد ذلك أن قيادات حماس في الداخل والخارج قد تلقت الكثير من النصائح من قيادات فلسطينية وإسلامية في الغرب، تحذرها من مغبة هذه العمليات وكلفتها العالية على القضية الفلسطينية، حيث إنها أصبحت باهظة الثمن أخلاقياً وأمنياً، وأيضاً على قيادات حماس بشكل خاص، إذ إن الاستمرار في مثل هذه العمليات سوف يُؤدي إلى إدراج أسمائهم على قوائم الإرهاب العالمي، وهذا ما استدعي قيادة الحركة اتخاذ قرار بوقفها، دون الإعلان عن ذلك عام 2004م.
أما قرار طرد الأستاذ مشعل وبعض إخوانه من الأردن عام 1999، فلا تحتاج إلى فصيح كي يفهمها، حيث إنها تمَّت بعد وفاة الملك حسين (رحمه الله)، وبإمكان الأستاذ حسن الطلب من الأردن رسمياً معرفة ذلك أو تصفح جرائد تلك الفترة؛ لأنه لم يكن هناك شيئاً خلف الكواليس، وكلُّ الوقائع جرت وتمت تغطيتها أمام شاشات التلفزة العربية.
وبخصوص ملف الخروج من سوريا، ومغادرة قيادة الحركة دمشق بعد اندلاع الثورة في كافة أرجاء القطر السوري والخيار الذي وضِعت فيه قيادة حماس: إما الوقوف إلى جانب النظام الحاكم أو البحث عن مثابة أخرى آمنة، فكان القرار الذي اتخذه مشعل مع إخوانه بعد رفض دور الوساطة التي حاولوا القيام بها، هو القيام بشكر النظام وتقدير مواقفه في دعم القضية الفلسطينية وحركة حماس، والاعتذار عن إمكانية القيام بفعل يتجاوز دور الوساطة، حيث إن عملية “الاصطفاف” ليست ضمن أدبيات الحركة وتوجهاتها الاستراتيجية، وخاصة أن الشعب السوري كان من أكثر الشعوب العربية والإسلامية وفاءً ودعماً للقضية الفلسطينية ولحركة حماس.. وهذا موقف سيشهد فيه التاريخ لحماس أنها اتخذت الخطوة الصائبة والقرار الحكيم.
أما عن التفسيرات التي يطليها حسن عصفور من مشعل حول تغير موقف السعودية من حماس، فأنا صراحة أترك ذلك لتحليلاته التآمرية، وأنا هنا يكفيني أن أرده لمراجعة مؤتمر الرياض عام 2017، وتفحص الكلمات التي تحدث بها الرئيس الأمريكي ترامب وغيره من الزعماء العرب والمسلمين، ومخرجات ذلك المؤتمر، لمعرفة السرِّ وكشف المستور.
أما ما جرى خلال زيارة مشعل لتهدئة الخواطر بين الفلسطينيين في صيدا، وعدم لقائه بسماحة السيد حسن نصرالله، فهذه مسألة يمكن تفهمها، ولا تحتاج لتغليفها بضبابيات الأستاذ حسن عصفور وقراءاته التآمرية، حيث إن زيارات شخصيات حماس القيادية إلى لبنان وإيران لم تنقطع، بل هي دائمة التواصل والتشاور والحوار.
أما التساؤل عن مشعل و”وثيقة يوسف” والزهار وجنيف، فهو في الحقيقة ليس أكثر من تخريف ما بعده تخريف. نعم؛ كانت هناك عدة سفريات رسمية إلى أكثر من بلد أوروبي؛ كسويسرا وبعد ذلك بريطانيا وفرنسا والسويد وإيرلندا، وحتى أنَّ الأمريكان تواصلوا أيضاً، وجرت بيننا أحاديث في السرِّ وعبر وسطاء وكذلك جهات من الاتحاد الأوروبي، وهذا بالطبع أثار حفيظة الرئيس عباس، حيث زادت هواجسه بدخول حماس على خط العلاقة مع الغرب، وهو ما ارتآه مهدداً لقبضته على سلطة المال والقرار، فخرج علينا بمصطلح “الدولة ذات الحدود المؤقتة”، وكأن حماس بهذه الورقة التي وصلتها من السويسريين كمبادرة لمشروع هدنة قد باعت القضية الفلسطينية، وأن مجرد اطِّلاع حماس عليها سيؤدي لهدم كلّ ما تمَّ إنجازه في أوسلو!! ومع تأكيدنا له أن هذه الورقة مجرد مقترح قدمته الخارجية السويسرية لنا، والأمر متروك لسيادته لاتخاذ الخطوة التي يراها مناسبة في هذا الاتجاه، إلا أنه لم ينم ليلته تلك.. والأستاذ حسن عصفور ربما كان شاهداً على ذلك.
وعما أثاره الأستاذ حسن عصفور في مقاله بأن الأستاذ خالد مشعل ادَّعى أن الرئيس عباس أخبره عن تذمره من تصرفات الأجهزة الأمنية قبل الأحداث المأساوية 2007، فهذه حقيقة وليس ادعاء، حيث إن الشكوى من تصرفات هذه الأجهزة كانت دائماً على أجندة اللقاء الشهري بين الأخ إسماعيل هنية؛ رئيس الوزراء، ووزير داخليته سعيد صيام خلال لقائهما الرئيس عباس، وقد حضرت وسمعت بعضاً منها.
في نهاية المقال طرح الأستاذ حسن عصفور سؤالاً عن عدم زيارة الأستاذ خالد مشعل لقطاع غزة.. وهذا سؤال بسيط ومشروع، ولكن ينطبق عليه قول القائل: “ليس المسؤول بأعلم من السائل”. وأنت يا حسن.. يا أستاذ حسن، تعرف أكثر من غيرك ترتيبات وإجراءات الدخول إلى قطاع غزة، كونك مقيم في القاهرة ومن المقربين (الأخيار)، ويلتقيك الكثير من أهل الشكوى من الفلسطينيين المقيمين في الخارج، فأنت أدرى لماذا يتعثر الكثير منهم وهم أناس عاديون وليس بموقع الأستاذ مشعل من الوصول إلى أرض الآباء والأجداد.
إنني أتفهم يا حسن.. يا أستاذ حسن، أن تنتقد موقفاً لم يعجبك، ولك فيه رأيٌ آخر، ولكن بموضوعية وأدب.. أما أن تحاكم حماس والإخوان بسبب “زلَّة لسان” تجاوزها أهلُ الشأن، فهذا بصراحةٍ استهداف مقصود منه الإساءة والتشهير بما يستفز جُلّ الإسلاميين، ويجعل من قلمك صاحب فتنة، إذ إنَّ ما قضيت به من أحكام واتهامات مكررة لا حجة لك فيها ولا دليل، وقد سبق لنا أن قلنا لك بلغة المحاججة (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، ولكنك يا حسن لم تتوقف -مع الأسف- عن إطلاق الأحكام جزافاً، بل تماديت أكثر في التضليل والاتهام، وبطريقة تخلو من النقد البنَّاء، بل تثير التوتر والاستفزاز.
إن “جملة عارضة” في حديث الأستاذ خالد مشعل عن النائب محمد دحلان لم تكن تستوجب كلَّ هذه “الفزعة” المفتعلة من التحليل، وفتح كلّ هذه الجبهات للتحريض والتشهير بالإخوان وحماس، من خلال ما طرحته من تساؤلات لا تخرج عن سياق التشكيك وليس هدفها توخي الحقيقة.
ونظراً لأنك تبحرت في كمِّ الأسئلة التي طرحت، حتى لم تُبقِ إسلامياً إلا وشعر بأنك تقصده بهذا التسطيح من الاتهامات، وربما هذا ما حدا بي للرد بشيء من الصرامة وإغلاظ القول على ما ذهبت إليه من تحريض وبهتان مبين لجماعة إسلامية وفصيل مجاهد بدرجة تجاوزت فيها كل ما عرفناه من حدود أدب الاختلاف.
يا حسن.. يا أستاذ حسن، أعرف أنك لست مراهقاً سياسياً، وإن كان لك ولفكرك نصيب في توقيع اتفاقية أوسلو اللعينة، وكنت ذراع الرئيس عباس في هندسة هذا الاتفاق المشؤوم، كحال نكبتنا الأولى عام 48، وهذا يكفيك في التاريخ مهانة واتهام.
يا حسن.. يا أستاذ حسن، لقد كانت حركة حماس قبل الانتخابات التشريعية في يناير 2006 دُرة النضالية الفلسطينية، والكلُّ يشهد لها بذلك، بدليل نتائج انتخابات الكتل الطلابية والنقابات العمالية واتحادات المهن الطبية والمهندسين والصيادلة والبلديات، إذ كانت نتائج فوزها تقطع دابر كل مكابر وحاقد وخصم على مستوى الدين والأيدولوجيا.
أستاذ حسن.. أنت شخص تنتمي لمدرسة اليسار والفكر الشيوعي، وهذا ليس ما نحاججك عليه، فهذا حقك في الاعتقاد وحريتك في اختياراتك وقناعاتك الفكرية (لكم دينكم ولي دين)، ولكن ما يهمنا الإشارة إليه هنا أنك تكرر نفس سقطات القول بمنطق “سنبرح عليه عاكفين”!!
إذ لا إمكانية للتغيير، طال معك الجدل والحوار أم قصر، فكل شيء -يا صديقي- عندك “عنزة ولو طارت”!! فقناعاتك لا تتغير ولا تتبدل ولا تلين، وهذا نسميه في أدبياتنا الدينية “ُطُيع على قلبه”!!
يا أستاذ حسن.. تعودنا القول: “رأيُ المرءِ على قدرِ تجربته”، وأنت يبدو أنك لم تختلط بالإسلاميين، ولم تسبر أعماق قلوبهم ومداخل أفكارهم، ولذلك يسهل عليك اتهامهم بكلِّ ما يمكن أن تأخذك إليه حميّة الخصومة والشنآن و”نظرية المؤامرة”. فالإخوان عندك مرة ًعملاء للإنجليز ومرةً للأمريكان، ولا تتورع في زعمك اتهامهم بأنهم دُمىً تعمل وفق أجندات إسرائيلية أو خارجية!!
لو كان هذا الذي تقول له شيء من المصداقية ما تكاثر الناس خلفهم وتسابقوا في التصويت لهم، مما جعلهم يفوزون في الانتخابات التشريعية بدرجة لم يُصدِّقوا هم نتائجها؛ لأنها كانت فوق كل التوقعات والحسابات الانتخابية.
تعلم يا حسن.. يا أستاذ حسن، كيف كان وقع نتائج تلك الانتخابات على الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وبعض دولنا العربية، وكيف تحركوا مجتمعين لسدِّ الطريق أمام تقدم سفينتها، وتعمدوا بكلِّ الطرق إعاقتها وإغراقها حتى قبل أن تباشر بنشر أشرعتها للإقلاع.
يا حسن.. يا أستاذ حسن، الإخوان ليسوا ملائكة مُطهرين، ولا بشراً من كلِّ عيبٍ مبرأين، فهناك منهم من تتمسح بهم تبركاً وهم في أخلاقهم آية، وهناك من هم دون ذلك، وهناك رجالٌ مغاوير يعرف قدراتهم ويخشاهم عدونا اللعين، كما أن هناك غلابةٌ (بهاليل) وعلى الفطرة ولكنهم طيبون، وهناك من لبعضهم حماقات وشطحات، ولكن باعهم في عمل الخير والدعوة طويل.
ومع ذلك أقول:
نعم؛ أنا أقر واعترف بأن بيننا (بهاليل) في السياسة، ولكن هناك أيضاً جهابذة وأساطين لا يُشقُّ لهم غبار، ولكن الظروف التي واجهوها كانت موجاتها عاتية، والتآمر على الحركة كان كبيراً، وأخذ من الحركة وقادتها وقتاً طويلاً لاستيعاب ما كان يُبيّت لهم وما يجري حولهم أو التعرف على قوانين اللعبة السياسة بكل ما فيها من قذارة ومهارة، وعدم صلاحية من تربوا على نهج الصدق والطهارة بخوض غمارها بمهارة، إلا من خبر فنونها وامتلك مهارة اللعب بالبيضة والحجر.. وهم وسط المشايخ ليسوا -آنذاك- بالعدد الكبير.
يا حسن.. يا أستاذ حسن؛ إنك لم تُبقِ للود قضية، فلقد خسرت الكثير ممن كانوا يحترمونك من قيادات حماس، حتى أصبحوا على قناعة أنك شخص متحامل وحاقد على كل ما هو إسلامي، حتى وإن كان كادراً مقاوماً، والمسألة عندك ليست حماس ولا الإخوان بل هو الإسلام، الذي يتناقض في جوهره مع ما تعتقده كشيوعي متعصب، إذ لم تتجرع التسليم بسقوط الشيوعية وإفلاسها كفكرة، وترى أن معول الإسلام هو من هدمها، وأن الإسلاميين المعاصرين وراء سقوطها المريع بعدما مرَّغوا أنف السوفييت في تراب أفغانستان وجبال الهندوكوش، وحطموا بذلك أسطورة الإمبراطورية التي كانت تخطط لحكم العالم، والانتشار والتوسع حتى في بلاد العرب والمسلمين.
يا حسن.. يا أستاذ حسن، إنَّ من أبجديات الحُكم والتحليل، ومن باب العدل والانصاف، عدم تحميل أخطاء البعض على الكلِّ، والاستشهاد بحوادث عارضة لشخص هنا أو هناك واتخاذها ممسكاً على الإخوان جميعهم، فالإخوان كفكرة ورؤية في الإصلاح والتغيير واستعادة وحدة الأمة ومكانتها، بهدف الخروج من صومعة التبعية والعبودية للمستعمر الغاصب وأذنابه إلى فضاء إنساني لا تحكمه قيود الطغاة والمستبدين، هي من أنبل الأفكار التي ظهرت في عشرينيات القرن الماضي، ووجدت من رجالات وأبناء هذه الأمة من يحملها وينشرها في العالمين، حتى أنك لا تجد مكاناً في قارات العالم الخمس إلا وفيه “إخوان مسلمين” أو من يمثلونهم على مستوى الرمزية الدينية والمؤسسات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني.
باختصار.. حنانيك يا حسن، فإن عقلاً بذكائك ينبغي ألا يكون بهذه السطحية وشدة العداء. فالإخوان وحماس هما أيقونة تاريخنا الإسلامي المعاصر المكتنز بالإنجاز والمفاخر، وإن كان واقعنا كأمة مع ذلك لا يخلو من انتكاسات ومعايب.
نتمنى لك الهداية، وأن تُسخِّر مدادَ قلمك لما فيه الخير لوطنك، بدل هذا الذي تُروِّج له من الحكايا والادعاءات، التي هي -واعذرني في ذلك- أشبه “بروث الشياطين”.
صديقي أبا علي.. يا أستاذ حسن، من قلبي العامر بالتمنيات لك بالهداية وحسن الخاتمة، وأن تكون من بين عباد الله الصالحين، أنصحك بما تُمليه علينا الصداقة من واجب إسداء النصيحة، وأقول لك: إنَّ البلاءَ موكلٌ بالمنطق، والأخلاق ملافظ الرجال، فحرام عليك الاستمرار في تسخير هذا القلم الذي بين يديك بهذا العبث من استهداف هؤلاء الطيبين من “سُراة القوم”، ومن هم معقودٌ بنواصيهم الخير، وهم أمل الأمة، “شاء من شاء وأبى من أبى” كما عودنا القول معشوقك الغالي وحبيبنا ياسر عرفات (رحمه الله).
إنَّ الأستاذ خالد مشعل هو زعيم وطني نعتز به وبقيادته، وله ولحركة حماس ما نفخر به في ساحة الوغى مع الاحتلال.. نتمنى أن تُراجع حساباتك في السياقين الوطني والأخلاقي، ورحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه فألزمها حدود الأدب، وأشغلها بما وجب.