أعاد استخدام الشيف التركي الشهير «نصرت» للذهب في بعض الأطعمة التي يقدمها في مطعمه الذي افتتحه حديثا بالرياض كثيرًا من الجدل حول مشروعية أكل الذهب، إضافة إلى مدى مأمونية تناوله صحيًا.
وخلص رصد أجرته «الوطن» تباينًا في آراء العلماء حول مشروعية أكل الذهب، ففي وقت أجازه البعض ما لم يكن فيه ضرر على صحة الإنسان، ذهب آخرون إلى تحريم أكله لأن فيه إسرافًا وتضييعًا للمال، وفيه كسر لقلوب الفقراء، بينما خلصت دراسة أكاديمية إلى أن الشريعة جاءت بدفع الضرر ورفعه.
والإكثار من أكل الذهب ثابت الضرر، ويُنهى عنه للرجال والنساء على حد سواء.
ويؤكل الذهب بعدة أشكال، منها الرقائق، والفتات المسحوق، وغيرها، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة، الأطباق الذهبية في كثير من مطاعم العالم مثل اللحوم المطلية بالذهب والسوشي والبوظة (الآيس كريم) والكيك المغطى بالذهب، ورغوة الكابتشينو، والشوكولا الفنزويلية الشهيرة، وبعض أنواع الحلويات المغطسة بورق الذهب، حيث إن الذهب من أثمن العناصر ويستخدم للزينة والحلي، ولا يتوقع أن يتناوله الإنسان، إلا أن أكله ليس أمرًا جديدًا، فقد تم أكله في العصور المصرية واليابانية والصينية القديمة، حيث كان يستخدم في الطعام، كدلالة على القوة والثراء الفاحش.
إجازة أكله
اختلف العلماء في إجازة أكل الذهب شرعًا من عدمه، ففي وقت أجاز فيه أستاذ الفقه، الشيخ الدكتور سعد الخثلان أكل الذهب والفضة مع الأطعمة، ما لم يكن في ذلك ضرر على صحة الإنسان، حرمت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في حكومة دبي تناول الطعام أو الشراب الذي توضع فيه بودرة الذهب، مثل ما يسمى حلوى الذهب وآيس كريم الذهب وشاي أو قهوة الذهب ونحوها، لأن فيه إسرافا وتضييعًا للمال، وفيه كسر لقلوب الفقراء، وقد نهى الشرع عن إضاعة المال وإن قلّ، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). رواه مسلم.
وأضافت الدائرة في فتواها «ويدخل في ذلك القدر اليسير وإن كان جناح بعوضة»، قال ابن حزم في المحلى (ج7/ص428): (والسرف حرام وهو النفقة فيما حرم الله تعالى قلّت أو كثرت، ولو أنها جزء من قدر جناح بعوضة، أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة مما لا يبقى للمنفق بعده غنى، أو إضاعة المال وإن قل برميه عبثًا).
دفع الضرر ورفعه
خلصت دراسة أعدتها الأستاذ المساعد في قسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الدكتورة مها بنت عبدالله العبودي تحت عنوان «أكل الذهب وصوره المعاصرة»، إلى أن الشريعة جاءت بدفع الضرر ورفعه، والإكثار من أكل الذهب ثابت الضرر، فينهى عنه لضرره على البدن، وبدن المرء ليس ملكه وإنما ملك لله وحده، فلا يجوز إيقاع الضرر به لهوى في النفس، أو البطر والخيلاء والكبر والتفاخر».
وذهبت الدكتور العبودي إلى أن «تزيين الأكل يمكن اعتباره من مكملات المقاصد التحسينية، وهو حاصل بغير الذهب، فلنا غنية بغيره، كما أن أكل الذهب لا يعدو أن يكون من الإسراف المذموم المنهي عنه، والعلل التي من أجلها حرّم الأكل بآنية الذهب والفضة متحققة بأكل الذهب نفسه».
يسير يعفى عنه
لفتت العبودي إلى أن أكل اليسير من الذهب وفي فترات متباعدة قد يُعفى عنه، وما حرم على الرجال حرم على النساء والعكس، إلا ما دل الدليل على تخصيص أحدهما به، وأن العقل الإنساني لقصوره وجهل صاحبه، ولما يحوطه من مؤثرات النفس والهوى، لا بد له من نور الوحي الإلهي في كل مستجد، وأن يعرض الأشياء عليه نافعها وضارها، وصالحها وفاسدها، وحسنها وقبيحها.
لا طعم
ليس لعنصر الذهب أي طعم، ويجب أن يكون من عيار 22ـ 24 قيراطا (تقريبًا ذهب خالص) حتى يتم استخدامه في الطعام، وهو عنصر خامل، لا يؤثر في جسم الإنسان عند مروره في المجاري الهضمية، حيث يتم هضمه، ولعل تصنيعه على شكل رقائق ومسحوق بودرة هو ما يمكّن الإنسان من تناوله.
وكانت مهمة تصنيع الذهب القابل للأكل صعبة جدًا، أما في العصر الحالي، ومن خلال التكنولوجيا والمهارات الحديثة فقد أصبح تصنيعه مهمة سلسة جدًا وبكميات كبيرة.
لا مضار للقليل
لم تؤكد الدراسات أي مضار للذهب على الجسم إذا ما تم تناوله بنسب قليلة، إلا أن تناول كميات كبيرة منه قد تؤثر سلبًا على الجسم، وتسبب له الضرر، وليست هناك أي فائدة يمكن أن تعود على الجسم حال تناول الذهب، فهو مجرد تعبير عن الرفاهية ليس أكثر.
وتأخذ بعض الدراسات منحى مختلفًا، حيث يشير بعضها إلى استعمالات عدة له، منها أنه يزيل الرائحة الكريهة من الفم ويعالج المنخوليا والصرع، والجذام والثعلبة والنقرس وعرق النسا والفالج وحرقة القلب واليرقان ويقوي العين، وينشط الجهاز العصبي والاكتئاب، كما تستخدم سحالة الذهب مع العسل كمرهم لعلاج الأمراض الجلدية.
وتوجد حاليًا أبحاث حول استعمال الذهب لعلاج السرطان، حيث يقوم العالم المصري الكبير مصطفى السيد بأبحاث عدة في هذا الجانب في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنه يوجد من الذهب مستحضرات للتجميل حيث نزلت في الأسواق محاليل ومستحضرات محتوية على الذهب السائل من عيار 24 قيراطًا وذلك لترطيب البشرة وبالأخص بشرة الوجه حيث يعمل على تغطية كافة مسام البشرة ويجعلها أكثر نعومة ونضارة.
متى يكون آمنا
مع التأكيد من جديد على أن الذهب عنصر خامل كيميائيًا، ما يعني أنه لا يتفاعل مع المواد والمركبات الكيميائية الأخرى بطرق خطيرة، فإن القول إنه سيمر من الجهاز الهضمي وكأنّ شيئًا لم يكن، محكوم بشروط من أهمها أن تكون الكميات التي يتناولها الشخص ضئيلة للغاية.
ويحدد المختصون الذهب الصالح للأكل بمعايير خاصة، إذ يجب أن يكون من عيار 22 إلى 24 قيراطًا، ما يعني أنه يجب ألا يقل عن 90% من الذهب الخالص، جنبًا إلى جنب مع 10% من معدن نقي آخر كالفضة، إذ يمكن أنّ تسبب هذه النسبة الضئيلة خطرًا في حال كانت من معادن خطيرة قابلة للهضم.
وصرح الاتحاد الأوروبي وأمريكا بذهب صالح للأكل كمادة مضافة للغذاء، حيث يستخدم في المطبخ الراقي في وجبات باهظة، لكنه يجب أن يستوفي المواصفات من معايير سلامة الأغذية المعمول بها، بحث يجب أن يكون نقيًا لتجنب أي نوع من أنواع العدوى أو الأخطار على الجسم، ويجب أن يصل الذهب إلى مقياس يبلغ حوالي 1/8000 من سمك المليمتر لكي يستخدم في تزيين الطعام.
ويخضع الذهب لإحدى هذه العمليات لكي يستخدم في تزيين الطعام، وهي تكوين مسحوق الذهب، والطرق والسحق ثم تكوين ورق الذهب.
وأجازت الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA) استخدام الذهب كمضافات غذائية في الطلاء الخارجي للحلويات، وزخرفة الشوكولاتة والمشروبات الكحولية، لكنها اشترطت أن تتضمن مواصفات الذهب متوسطًا محددًا لحجم الجسيمات وتوزيعًا خاصًا لحجم الجسيمات، وكذلك النسبة المئوية (في العدد) للجسيمات في المقياس النانوي (مع بعد واحد على الأقل أقل من 100 نانومتر)، الموجودة على شكل مسحوق من الذهب.
مخاوف جدية
على الرغم من كل الحديث عن الفوائد، فإن مختصين يشيرون كذلك إلى أن الذهب قد يسبب حساسية لدى بعض الأشخاص، تظهر على شكل طفح جلدي وهو ما يبدو جليًا عند ارتداء الذهب والمجوهرات، إلا أنها تعد نادرة نسبيًا مقارنة بالحساسية تجاه غيره من العناصر مثل النيكل.
كما لوحظت حالات شفاء كامل من التهاب الفم Stomatitis والتهاب الجلد Dermatitis عند التخلص من الأسنان المصنوعة من الذهب.
ويقول مختصون آخرون إن للذهب أضرارًا جانبية أخرى إذا استخدم داخليًا بكثرة حيث يضر بالمثانة.
استخدام منذ القدم
وفقًا لتقرير نشره موقع «science abc» فإنّ تاريخ تناول الذهب كطعام يعود إلى آلاف السنين، حيث اعتُبر كدليل على القوة والثروة، في التقاليد الصينية واليابانية والمصرية القديمة.
كما استمر أكله كذلك في العصور الوسطى، حيث كان بعض الملوك يضيفونه في كثير من الأحيان إلى أطباقهم لإظهار ثرواتهم.
كما أن النبلاء إذا ما أرادوا أن يربطوا أعيادهم بالفخامة، كانوا يجدون في الطعام الطريقة الأفضل لعرض ثرواتهم، حيث يستخدمون ألواح ورقائق الذهب على الأطعمة.
في مصر عرف قدماء المصريين أكل الذهب منذ 5000 عام، فاستخدمه الكيميائيون في الإسكندرية في عدد من الأدوية والإكسير بالذهب الصالح للشرب، واعتقدوا أن له آثارًا على تجديد الجسم وتجديد شبابه، وفي الهند والصين واليابان استخدم الذهب في الأدوية.
وفي عصر النهضة، قام باراسيلسوس (1493-1541) -الذي يُعد مؤسس علم الأدوية الحديث- بتطوير مجموعة متنوعة من الأدوية باستخدام كميات قليلة من الذهب الصالح للأكل على شكل أقراص أو مسحوق ذهب.
وخلال العصر الحديث -وحتى القرن العشرين- ارتبط الذهب بالأدوية، وكان شائعًا العثور على دواء يحوي قطعة من الذهب في عقاقير مفصلية ومكلفة، باستخدام حبوب صغيرة أو مسحوق داخل الدواء، أو كمكمل غذائي لإعادة ملء المعادن في جسم الإنسان.
تنتشر شركات تصنيع الذهب الصالح للأكل في أكثر من مكان حول العالم، ففي إيطاليا، تنتج شركة Giusto Manetti Battiloro S.p.A. أوراق الذهب والفضة لأغراض المطبخ والجمال.
وتضم بريطانيا أحد أكبر موردي الذهب والفضة الصالحين للأكل وهو Conneisseur Gold، فيما تعد CornucAupia إحدى الموزعين المشهورين في الولايات المتحدة، أما في آسيا فتعرف شركة Horikin Ltd بأنها رائدة صناعة ورق الذهب في اليابان، وفي ألمانيا هناك شركات عدة مثل Goldmarie وGold Gourmet وSwiss DeLafée.