بعد أن أمضى 20 عاماً ونصف عام من الاعتقال داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، خرج الأسير الأردني عبد الله نوح «أبو جابر» رغم تعرضه لأصناف عديدة من العذاب النفسي والجسدي أمام الماكينة الصهيونية وعنجهية الاحتلال، شجاعاً مرفوع الرأس.
عاد «أبو جابر» عميد الأسرى الأردنيين، إلى مسقط رأسه (مخيم البقعة) وسط حضور لجماهير غفيرة، في أجواء عرس فلسطيني، تقدر بالآلاف من عائلته ومحبيه وشخصيات وطنية.
عاصمة الشتات الفلسطيني (مخيم البقعة) للاجئين الفلسطينيين في الأردن، استقبلت «أبو جابر» وثنته عن حزنه، وحملته على الأكتاف، وهتفت بحياة وحرية الأسرى مع تعالي زغاريد النساء من نوافذ المخيم ونغمات الأغاني الوطنية من سماعة مكبرات الصوت والفرق الشعبية الوطنية التي استمرت على مدار ثلاثة أيام أكراماً للأسير وتقديراً لنضاله المشرف.
وكان الأسير الأردني عبد الله «أبو جابر» اعتقل في ديسمبر/كانون الأول 2000، وحكم عليه بالسجن المؤبد 20 عاماً بتهمة مقاومة الاحتلال، قضاها مكبل الحرية بين زنازين سجون الاحتلال الإسرائيلي.
تفجير عبوة ناسفة
وقال أبو جابر في حديث مع الـ «القدس العربي»: «إن طريقة الاعتقال تمت بعد 12 ساعة من تفجير العبوة الناسفة في حافلة أثناء انتفاضة الأقصى عام 2000 والتي أسفرت عن إصابة أكثر من 5 جنود بجروح خطرة».
وكشف عن الخطأ الذي سهل عملية اعتقاله، وهو تأكيده لمكالمة جرت بينه وبين تنظيمه بعد 4 ساعات من تفجير الحافلة، بأن العبوة الناسفة تم تفجيرها .
وفي التفاصيل الدقيقة لوقوعه في فخ الاعتقال، أوضح أبو جابر أنه كان يعمل بوظيفة حارس ليلي في أحد المطاعم في مدينة تل أبيب، وفي ومطعم آخر بوظيفة أخرى في الفترة الصباحية، ويحمل اسماً أجنبياً مستعاراً؛ تفاجأ أبو جابر باعتقال زميل يعمل معه من (المغرب) في المجال نفسه، وتبين أن اعتقاله جاء بتوجيهات من قبل المخابرات الإسرائيلية، وتم التحفظ عليه لجلب معلومات عن شخص اسمه عبد الله أبو جابر، بعدها تلقى أبو جابر المتنكر بالاسم المستعار مكالمة من زميله المغربي يسأله عن تفاصيل عملية تفجير الباص كي يتمكنوا من تحديد هويته من خلال ردود الفعل اتجاه ما حدث.
وبعد أن تداولا الحديث عن العملية، كذب العامل المغربي على أبو جابر من باب الدعابة والمزاح في البداية، لكن بطريقة جدية، فقال: «كنتُ داخل الحافلة وتعرضت لإصابة بسيطة» يرد أبو جابر «اسم مستعار» بنبرة صوت قوية:» لماذا ذهبت وما حاجتك في ذلك اليوم لركوب الحافلات والأوضاع مضطربة؟» في هذه الأثناء، يؤكد أبو جابر أن الحديث كان معه في هذه الحدود دون الكشف عن شيء دقيق يثبت أنه من نفذ العملية. وقبل انتهاء المكالمة، قال له العميل المغربي: «لست مصاباً، وأنا موجود في مدينة يافا، وضعي بخير، وفي المساء سأعود للعمل ونجلس في المطعم» ليدرك بعدها أنه معرض للاعتقال في أي لحظة بسبب عدم إفصاح الموظف عن أسباب قيامه بهذا الفعل ونتيجة للضغوطات، هكذا رجح أبو جابر في ذهنه ذلك الأمر».
وتابع أنه تلقى اتصالاً آخر بعد مضي 6 ساعات، من شخص يتحدث بالعبري، وقام بتلفظ اسمه الحقيقي «عبد الله أبو جابر» حينذاك «رفضتُ الإجابة، وأغلقت الهاتف وعدت للعمل من جديد. وفجأة بعد مكالمة طويلة، أدركت أنه تم تحديد موقعي من خلالها، وحينها استغربت من توقف الاتصال. وعند خروجي من المطعم الأول والذهاب إلى المطعم الآخر، تفاجأت بوجود أشخاص منتشرين لأول مرة يختلفون عن طبيعة باقي الأشخاص، وتبين لي لاحقاً بأنهم قوات خاصة، لم ألق بالاً، ورحت أتجول حول أطراف المطعم، وكانوا منتشرين في كل مكان وبشكل كبير، حاولت أن لا أقترب منهم، وتنكرت بشخصيتي أني غير مهتم لأمرهم مرة أخرى، وبعدها جلست أمام المطعم، وحينها وبسرعة فائقة أسرعوا نحوي وهجموا عليّ بشدة وانهالوا بضربي، مع تكرار الأسئلة وبصراخ عال: ما اسمك؟ ما اسمك؟ رفضت، وذكرت لهم في البداية اسمي المستعار، لم يقتنعوا، وقال لي أحدهم بالعربي: هويتك معروفة عنا.. اعترف. وبعدها، اعترفت بأني عبد الله أبو جابر، وتوجهوا لي بسؤال: أين تعمل؟ أجبتهم في مطعم. وتم اقتيادي وبدأت عملية البحث عن أي شيء يثبت علاقتي بعملية من بصمات وغيرها، إلى أن انتهوا من ذلك وبدأت عملية التحقيق».
أقسى أنواع التعذيب
وأكد أبو جابر أنه تعرض في بدايات التحقيق إلى أقسى أنواع التعذيب والتنكيل والحرمان لمدة تزيد على أكثر من شهرين، مشيراً إلى أنه مر في ظروف اعتقالية سيئة، ومهما وصفها وتكلم عنها فلن يستطيع بلوغ بشاعتها.
وقال إن واقع السجون يشكل ساحة نضالية متقدمة، وهناك دور وظيفي يقوم به الأسرى التابعون لمختلف التنظيمات وغيرهم من النشطاء غير التابعين للفصائل، وذلك من خلال برامج متنوعة ومختلفة على كافة المستويات، حتى لا تكون قضية الأسرى بشكل عام لقمة سائغة في فم الاحتلال.
ونوه أبو جابر إلى أن مجتمع الأسرى الأمني داخل السجون يختلف عن حياة المجتمع للأسرى المدنيين، حيث لجان عن الأسرى لتحقيق مطالبهم، ويتم ذلك من خلال انتخاب متحدث باسمهم وبعد تشاور مع كل الفصائل وبقية الأعضاء المنتخبين داخل السجن. وأشار أبو جابر في هذا السياق، إلى الدور الفاعل بالانصياع لتوجيهات وإرشادات القيادات المتميزة على مستوى السجون، وخاصة في القضايا المفصلية .أما الجانب التثقيفي، فأوضح أنه يتم قضاء الوقت بقراءة الكتب والالتحاق بالتعليم الأكاديمي وممارسة الرياضة، معرباً عن ندمه لعدم إكمال الدراسة.
وفي ضوء ذلك، أكد أنه راغب في إكمال دراسته وسيلتحق قريباً بالدراسة في جامعة القدس المفتوحة.
يرى أبو جابر أن فرحته منقوصة لسببين رئيسيين: الأول هو الانقسام الفلسطيني، مشدداً على ضرورة إنهاء الانقسام وتوحيد الصفوف مع احترام الدعم اللوجستي المقدم من الدول المجاورة للتنظيمات.
أما السبب الثاني، فلعدم تمكنه من لقاء والديه اللذين توفاهما الله وهو في المعتقل، وكذلك لأنه ترك خلفه مناضلين أعزاء في سجون الاحتلال، معرباً عن أمله بأن يأتي اليوم الذي يفرج فيه عن كافة الأسرى من سجون الاحتلال.
يُذكر أن الأسير أبو جابر هو أقدم أسير أردني ممن كانت تعتقلهم السلطات الإسرائلية، وهو من أسرة فلسطينية لجأت إلى الأردن بعد نكبة العام 1948 من مناطق بئر السبع المحتلة، لتستقر وتعيش في مخيم البقعة، أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني في البلاد.