مقولة لا يختلف عليها النقاد ولا القراء، حيث يتفقون على أن العنوان هو المفتاح الضروري لسبر أغوار النص، كما يقدم معونة كبيرة لضبط انسجام النص، وهو وثيق الصلة بأفق ترقب القارئ، والسبب الأول لحثه على الدخول إلى النص.
لكن بعض المؤلفين باتوا يجنحون اليوم لاستخدام عناوين صادمة، كانت مدار جدل وتندر في معرض الرياض على وجه التحديد في نسخته الأخيرة، ومن تلك العناوين «اقتل زوجتك»، و«أصدقائي الكلاب»، و«طلق مراتك تحبها أكثر»، و«حقا إن زوجي كلب»، وغيرها، وهو ما طرح جملة من التساؤلات حول ما إن كان العنوان هو العتبة الأولى للرواية أو العمل الأدبي؟، وألا يفترض فيه أن يقوم بهذا الدور التمهيدي؟، وهل انحرف ليصبح مسألة تسويقية فقط بحيث يثير أو يستفز القارئ حتى لو لم يكن مرتبطًا بصلب المحتوى؟، وما هو دور النشر في قبول مثل هذه الكتب؟، وهل بالضرورة أن يكون المعروض نموذجيًا لعلية القوم الثقافية أم أن المسألة تعود لحرية الكاتب وللحرية الثقافية التي لها قراؤها وسوقها وجمهورها!.
الوسم العام
يرى الناقد الأدبي بجامعة الملك سعود، الدكتور هاجد الحربي أن «العنوان في الكتاب المؤلف مهما كانت مادته العلمية هو الوسم العام لمادة الكتاب وقيمته وأهميته، ومع تطور الكتابة وانتشارها تطورت تقنية كتابة العنوان وحدثت فيها تحولات تاريخية تعددت معها وظائف العنوان وآليات كتابته، والكلام في هذا الموضوع طويل جدًا، وقد اهتمت الدراسات النقدية الحديثة بهذا المجال وأولته عناية خاصة نظرًا لتطور كتابة العنوان وسيرورته الكتابية، حيث أصبح عملًا إبداعيًا له وظيفته البنيوية بشكل عام، ووظيفته الترميزية الإيحائية بشكل خاص، وفي السنوات المتأخرة أصبح عملًا إشهاريًا له وظيفته ومقصديته الإشهارية، وهذه الوظيفة والمقصدية يهتم بها كثيرًا المؤلف والناشر على حد سواء من جهة، كما يعنى بها المتلقي من جهة أخرى، ولذلك انتشرت بعض العناوين المدهشة أو المثيرة، كما برزت بعض العناوين المستفزة أو الصادمة للذوق العام.. ولكن مثل هذه الأعمال لا تراعي اهتمامات كثيرة للرأي العام بقدر ما تراعيه من أداء مهمتها الإشهارية بصورة مؤثرة وفاعلة».
وأضاف «في تصوري أن العنوان بنية إبداعية صغرى تحيل على بنية إبداعية كبرى هي محتوى الكتاب أو مادته العلمية، ومن خلال تقاطع البنيتين يحدث التألق الإبداعي على نحو معين تحدد جودته وتميزه الذات المؤلفة بإمكاناتها وتقنياتها الإبداعية، والإبداع الواعي بجماهيرية التلقي يعرف طريقه إلى الوهج الإبداعي والإشهاري دون اللجوء إلى مواجهة ذوق الشارع العام وسلطة الموقف الثقافي المتمثلة بإيديولوجيات المجتمعات البشرية، ونتيجة إلى هشاشة هذا الوعي -أو عدم الاهتمام به- أصبحنا نجد بعض العناوين المثيرة والصاخبة على حساب المهمة الرئيسة للنشر والتأليف ورسالته الثقافية والإنسانية العامة، وهذا لا يعني الارتهان إلى المواقف أو الآراء العامة في مثل هذا الأمر، ولكنه يعني تصدي الناقد المتمكن للنظر في كل عنوان على حدة، ووضعه تحت مقصلة النقد المهني المكتمل الأدوات، ومباشرة الفحص والاختبار من المتلقي الواعي لبيان ما قد يكون خافيًا على أصحاب الذوق المباشر أو العام».
التسويق يطغى
يعتقد الدكتور علي دبكل العنزي رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك سعود، عضو مجلس الشورى سابقًا، الأستاذ بقسم الإعلام أن «المسألة التسويقية طغت على المحتوى، وأصبحت دور النشر -وكذلك المؤلفون- يبحثون عن الإثارة في العنوان والمحتوى، حتى ولو كانت ضعيفة، ودون شك سيؤثر هذا على الثقافة بشكل كبير، ولذلك شاهدنا الإقبال الكبير في معرض الرياض الدولي للكتاب الأخير على كثير من عناوين الكتب التي تستفز القارئ المثقف.. نعم أصبح الجانب المادي والتسويقي هو الأهم بالنسبة لدور النشر ولعدد من المؤلفين، كما لا يجب أن ننسى دور شبكات التواصل الإعلامي والتطبيقات التي أثرت بدورها بشكل كبير على الكتاب ومحتواه، بحيث أصبح التوجه لجيل التقنية هو لشبكات التواصل الاجتماعي».
في غنى عن الاستفزاز
يجزم الكاتب الروائي، الناقد حامد أحمد الشريف أن الأمر في ظنه لم يكن يحتاج تلك العناوين المستفزة التي للأسف شاع ذكرها في معرض الكتاب الأخير وراجت كتبها وربما عرفت أكثر من عناوين الكتب الرصينة التي ما أقيم المعرض إلا من أجلها، ويقول «لم نكن بحاجة لاستفزازٍ كهذا حتى ندرك حجم المشكلة الحقيقي وتأثيرها الكبير على المشهد الثقافي لدينا، فمثل هذه الكتب هي الأعلى مبيعًا والأكثر تناولًا في وسائل الإعلام المختلفة الرسمي منها وغير الرسمي، وربما أسهمنا نحن بقصد أو دون قصد في التسويق لها حتى من خلال هذه التحقيقات الصحفية، وهو الأمر الذي وضعت هذه العناوين المخجلة من أجله، وحتى نفهم أبعاد المشكلة علينا أن ندرك أولًا أسبابها، ولعلي أحصرها في ثلاثة محاور تلعب دورًا رئيسًا في تفاقم هذه الظاهرة وامتداد تأثيرها:
ـ أولها دور النشر التجارية التي انحرفت عن مسارها الطبيعي وأصبح هدفها الربح المادي دون النظر لقيمة متن الكتاب، ناهيك عن عنوانه، وهذه أصبحت تولي ما يطلق عليهم «مشاهير السوشل ميديا» جل اهتمامها ولم تعد تلتفت للكتاب الحقيقيين وأهملت مخطوطاتهم، وربما نلتمس لهذه الدور عذرًا فهي جهات تجارية هدفها الربح المادي الذي يتحقق على أيدي هؤلاء الفقاعات، وطالما وجدت من يشتري فستندفع أكثر في تقديم بضاعتها الفاسدة.
– ثانيًا، ومن ناحية أخرى يأتي دور وزارة الثقافة أو الجهة المخول لها منح فسوح هذه الكتب، وكان الأجدر بها أن تكون وسيلة فرز قوية لا تسمح بهذا الإسفاف وتقف حائلاً أمام هذه المخطوطات السيئة حفاظًا على قيمنا الثقافية، وعلى قيمة الكتاب الذي انحدر إلى مستوى لا يمكن تخيله مع هذا الكم الهائل من الكتب التجارية التي لا تساوي الورق والحبر الذي استهلك في طباعتها، وهذا بالطبع لا يتعارض مع حرية الرأي والارتهان للرقابة الذاتية التي هي مطلب المثقفين والكتاب في كل الأصقاع، وإنما يحافظ على الحد الأدنى من جودة الكتاب كقيمة ثقافية وأدبية.
– ثالثًا، يأتي بعد ذلك دورنا نحن كمتلقين سواء أكنا مثقفين أو من العوام فجميعنا نسهم بدرجة كبيرة في الترويج لهذه الكتب وأصحابها إما بقدحها أو مدحها، وكلا الطريقتين تؤديان إلى نفس النتيجة، ويكفي أن نقتنيها وإن من باب الفضول ونتحدث عنها على سبيل الإنكار فيطير صداها في الآفاق وتجد من يلتقطها ويفرح بها، وكان الأجدر بنا تجاهلها بالكلية وصرف أنظارنا وأقلامنا تجاه الكتب الأخرى التي تمثل ثقافتنا وفكرنا وتحسن تقديمنا للعالم من حولنا فنبذل قصارى جهدنا للتعريف بها والتحدث عنها وإفراد المساحات لها والإشادة بكتابها والسعي الجاد لتسويقها ودعمها على كافة الأصعدة، وهناك كثير مما يقال في هذا الجانب مما لا يتسع المجال لذكره، لعلنا إن فعلنا ذلك يذهب الزبد جفاء ويمكث في الأرض ما ينفع الناس فقط».
العناوين المستفزة
* تخلت عن كون العنوان العتبة الأولى للكتاب
* تخلت عن كونه عملا إبداعيا له وظيفته البنيوية والترميزية
* تحولت للاهتمام بالجانب الترويجي والتسويقي
* لا تراعي اهتمامات الرأي العام بقدر مراعاتها لوظيفتها الترويجية
* تواجه الذوق العام وسلطة الموقف الثقافي المتمثلة بإيديولوجيات المجتمعات
* تأتي على حساب المهمة الرئيسة للنشر والتأليف ورسالته الثقافية والإنسانية
التسويق فيها يطغى على المحتوى
* تبحث عن الإثارة وهذا يؤثر سلبا على الثقافة
* تستخدم كخدعة من الكتاب لجذب الاهتمام بغض النظر عن ضعف المحتوى
* بعض القراء يبحثون عن الغريب أو الشاذ من الأسماء