كتب العميد أحمد عيسى المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي :
عن أية قيم مشتركة يتحدثون؟ كان هذا واحد من الاسئلة الإستنكارية التي تضمنها خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها رقم 76،يوم الأربعاء الماضي الموافق 24/9/2021، الأمر الذي يدشن إعلان الشعب الفلسطيني الصغير والضعيف والمظلوم بدءالمواجهة ليس ضد إسرائيل وحدها، بل ضد كل قوى الظلم المنحازة إليها في معركتها المتواصلة ضد الشعب الفلسطينيمنذ بداية القرن الماضي وربما قبله بكثير.
وقد تضمن الخطاب سبعة عشر سؤالاً إستنكارياً، بواقع سؤال إستنكاري واحد لكل 173 كلمة من مجموع كلماته التي بلغت 2251 كلمة، الأمر الذي يسمح لنا أن نطلق عليه خطاب الأسئلة الإستنكارية، لا سيما وأن جُل هذه الأسئلة موجه للمجتمع الدولي، الذي يفترض أنه قام على قيم تحقيق العدل والمساواة بين الأمم والشعوب، وقيم رفع الظلم والإضطهاد والتفرقة العنصرية عن الشعوب الصغيرة والمستضعفة، وفقاً للمبادئ والقيم التي تضمنتها الوثيقة المنشأة لمنظمة الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقد كشفت الحالة الفلسطينية التي تزامن نشأتها للعلن مع نشأة النظام العالمي الذي يبدو وكأنه وصل لنهايته في هذه اللحظة من الزمن، زيف هذا النظام الذي في معالجنه للقضية الفلسطينية لم ينقلب على القيم والأسس والمبادئ التي قام عليها وحسب، بل على العكس من ذلك تحيز هذا النظاملإسرائيل التي لا يختلف إثنان حول العالم اليوم أنها دولة الجريمة، والإحتلال، والفصل العنصري الأبارتايد، والتطهير العرقي، والإستعمار والإبادة الجماعية، الأمر الذي يثير التساؤل بحق، عن أي قيم مشتركة تتحدثون؟ ومن جهة أخرى يدشن بحق بداية لنوع آخر من المواجهة، قدر للشعب الفلسطيني أن يرفع رايتها نيابة عن كل شعوب الأرض المظلومة والمستضعفة.
وفيما يكشف هذا التساؤل زيف إدعاء النظام الدولي أنه يقوم على قيم العدل والمساواة، فهو يكشف من جهة أخرى ضعف وهوان الأنظمة العربية التي باعت الفلسطينيين حفاظاً على عروشهم كما يظنون، بإنزياحهم لمنظومة القيم الإسرائيلية التي تجاوزت في جرائمها ضد الشعب العربي الفلسطيني جرائم هولاكو في بغداد حاضرة الدولة العباسية وعاصمة الخلافة الإسلامية العام 656 هجري الموافق 10 شباط/فبراير العام 1258 ميلادية.
نعم {إقتربت الساعة وإنشق القمر} كقوله تعالى في الآية الأولى من سورة القمر، وجاء أوان مواجهة العالم بهكذا نوع من الأسئلة، إذ لم يعد بإمكان إسرائيل الإختباء وراء قيم الليبرالية والحرية والديمقراطية التي إختبأت خلفها طوال العقود السبعة الماضية بإدعائها أنها “الفيلا الوحيدة في الغابة” حيث إكتشف الرأي العام العالمي، لا سيما الرأي العام اليهودي حول العالم، أن إسرائيل في علاقتها مع الفلسطينيين ليست إستجابة للهلوكوست التي تستوجب التضامن معها، بلهي فكرة إستعمارية خبيثة أكبر من اليهود وتطلعاتهم، مما يجعلها تسيئ لليهود واليهودية ويجعل من التضامن معها والدفاع عنها هو ببساطة تضامن مع الجريمة والظلم والإضطهاد والتفرقة العنصرية والإبادة الجماعية والإستعمار والإحتلال الذي ترفضه الديانة اليهودية، فهل هذه القيم هي فعلا ما يجمعكم مع إسرائيل؟ وهل تدركون أيها المطبعون العرب خاصة المسلمون منكم، أنكم بتوقيعكم معاهدة أبراهام مؤخراً قد إنزحتم لهذه القيم؟ الأمر الذي يستدعي تذكيرهمبقوله تعالي في الاية رقم 78 من سورة هود {أليس منكم رجل رشيد}.
نعم لقد وضع هذا الخطاب العالم برمته في مواجهة ذاته وقناعاته وضميره وفطرته الإنسانية التي فطر عليها، لكنه في الوقت ذاته قد وضع الفلسطينيين أمام إختبار صعب كما وضع مصداقيتهم على المحك، إذ لا يجوز لهم مطالبة العالم والأمتين العربية والإسلامية الإنتصار لحقهم إذا ما إنتصروا هم لأنفسهم وإنحازوا بصدق لمبائ العدل ورفض الظلم فيما بينهم وعادوا لجادة الصواب ووحدوا كلمتهم وأصبحوا على قلب رجل واحد، وقطعوا الطريق أمام المُدعين عن تولي أمرهم، لا سيما وأن إستحقاقات ما بعد الخطاب تتطلب جنوداً من نوع آخر ربما يكون الأخوين اللبدي من الشيخ جراح نماذج صادقة لهم، وما أكثر هذا النوع من الجنود في أوساط الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها.
هل لديك سؤال؟
تابعنا على السوشيال ميديا او اتصل بنا وسوف نرد على تساؤلاتك في اقرب وقت ممكن.