كان يمكن اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” الشهيد الشيخ إسماعيل هنية في أكثر من مكان، الرجل كان هدفا مكشوفا في كل محطة يقيم فيها أو يذهب إليها. القريبون منه كانوا يعرفون عنه تباسطه وذلك التسليم القدري الذي كان مكونا أساسيا في شخصيته. هذا التسليم الذي ظهر في تقبله اللافت والمؤلم لعملية اغتيال أبنائه الثلاثة وأحفاده ثم شقيقته.
لقد وصل إلى موقعه، رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، من خارج حلبات الصراع والتحالفات واتفاقات الغرف، كان دائما اقتراح الآخرين، وغالبا ما كان نوعا من الحل عندما تصبح الأمور أكثر تعقيدا، لم يكن مقاتلا في كواليس الجماعة وهياكل الحركة حيث يحتدم صراع مراكز القوى، ولم يكن الرجل الأول حتى حينما تولى الموقع الأول، ويبدو أنه لم يكن يتمسك بذلك، ولكنه كان هناك حيث تحدث الأمور.
قدرته على الدعوة والارتجال والخطابة ببلاغة إمام مسجد وخريج تقليدي يحمل ليسانس لغة عربية، كانت تأخذه أبعد مما يخطط له، عمليا، كان أقرب إلى “رجل دعوة” منه إلى عضو محترف في حركة سياسية.
عاش إسماعيل هنية بين رجال أقوياء كانوا يحيطون بالشيخ أحمد ياسين يتمتعون بالنفوذ والطموح والصلابة، استشهد معظمهم في عمليات اغتيال مثل “عبد العزيز الرنتيسي” المتشدد صاحب الكاريزما، اغتالته إسرائيل بعد تسلمه قيادتها إثر اغتيال الشيخ أحمد ياسين، “سعيد صيام” رجل الأمن المتكتم، “إسماعيل أبو شنب” النقابي المحاور المنفتح.
كان إسماعيل هنية هناك، في تلك الحلقة يقف خلف مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين. ولكنه لم يكن جزءا من الصراع.
لذلك، ربما، يأخذ الحزن لرحيله منحى عاطفيا، فجأة، يتجرد الرجل من خطابه السياسي، ويعود إلى منزله في مخيم الشاطئ كما يعود أي لاجئ من يوم عمل طويل.
هناك لقطة يصعب نسيانها للرجل، لقطة قد تفسر الكثير من شخصيته، بعد أن تسلم رئاسة وزراء حكومة الوحدة الوطنية، قبل الانقلاب، عندما عاد من زيارة خارجية وجرت إعاقة دخوله إلى غزة من قبل مراقبي الاتحاد الأوروبي على معبر رفح، كان يرتدي سترة جلد سوداء، غالبا اشتراها في تلك الرحلة، لم ينتظر في القاعة ذهب وجلس على جدار إسمنتي في الساحة خارج القاعة بانتظار انتهاء الإجراءات والاتصالات حيث التقطت له الصورة.
لم يكن حينها قد ابتعد كثيرا عن مهنة المعلم الذي يحب كرة القدم، هذا ما يفعله ذلك المدرس يذهب وينتظر في الساحة.