عن قمة بغداد الثانية في البحر الميت..صادق الشافعي

انعقدت في البحر الميت بالأردن أعمال الدورة الثانية من مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، بدعوة من الملك الأردني عبد الله الثاني، وبالتنسيق مع الرئيس الفرنسي  إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، وبحضورهما الشخصي.
شارك في المؤتمر من الدول كل من: مصر والسعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعُمان وتركيا، إضافة إلى أمين عام جامعة الدول العربية، وأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وممثلين عن الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي.
المؤتمر انعقد للتأكيد على دعم الدول المشاركة للعراق في عدة ملفات، منها سيادة العراق وأمنه واستقراره، إضافة إلى دعم العملية السياسية والمسيرة الاقتصادية والتنموية، وإعادة الإعمار، وبما يلبي طموحات الشعب العراقي، إضافة أيضاً إلى دعم الجهود التي يقوم بها العراق لتعزيز أمنه وسيادته وضمان استقراره، وتحقيق التنمية والرخاء لشعبه.
قمة البحر الميت حققت الأهداف التي عقدت من أجلها، وكانت حدثاً نوعياً إيجابياً، وتؤشر على اتجاه إيجابي في العمل العربي الموحد والمتعاون مع الهيئات والمؤسسات الدولية لبناء حاضر ومستقبل مشترك.
لا يغيّر من هذه الحقيقة أن عدد الدول العربية المشاركة فيها اقتصر على ثماني دول، كما تقدم، ولكن يعوّض عن ذلك نسبياً أن هذه الدول تمثلت بمسؤولين من المواقع الأولى، أو على درجة عالية من مواقع المسؤولية.
ولا يغيّر من هذه الحقيقة أيضاً أن العنوان الطاغي للقمة والتي عقدت تحت لوائه تقريباً، كان العنوان العراقي.
وقد جاء انعقاد المؤتمر تجاوباً منطقياً مع حجم الأحداث والمشاكل الداخلية التي يعيشها العراق، خصوصاً أنها تزداد اتساعاً وتعمقاً وصعوبة، ومع تقاطعها بدرجة عالية وعميقة مع التدخلات والتهديدات والتحديات الخارجية التي يتعرض لها العراق من أكثر من طرف وجهة.
نجاح قمة البحر الميت يطرح تلقائياً السؤال المنطقي التالي: لماذا لا يتم عقد قمم عربية من نفس النوع، والمشاركة تختص كل منها بعنوان قومي محدد أو بالأوضاع غير الطبيعية في بلد معين، بالذات مع تعرض دول عربية عدة لتدخلات خارجية، والتي قد تصل حد الاعتداء المباشر وربما العنيف؛ بهدف التدخل والتأثير في أمورها الداخلية والوطنية؟ ولماذا لا تكون المبادرة ويكون التحضير والانعقاد بدعوة وترتيب من جامعة الدول العربية؟ يؤكد هذا التساؤل أن أي نظرة، مهما كانت متعجلة، تظهر بوضوح أن العديد من الدول العربية بحاجة إلى مثل هذه القمة بقواعدها وأهدافها، وتتوفر فيها الأسباب التي تدعو أو تفرض انعقادها مثل: تونس، السودان، ليبيا…
وبالطبع، فإن الوضع النضالي الفلسطيني يفرض نفسه كأولوية متقدمة في سلم الحاجة لعقد مؤتمر من هذا النوع موضع الحديث. يؤكد هذه الأولوية ويعززها إضافة العوامل القائمة والمستمرة منذ سنوات كثيرة، وأساسها وجوهرها الاحتلال بكل أشكاله وتعبيراته وظلمه واعتداءاته، التطورات النوعية التي تواجه النضال الوطني الفلسطيني وقواه في هذه الفترة الزمنية:
أولها، وأهمها الحكومة اليمينية الأكثر عنصرية ودموية وتوسعية وفاشية التي تتشكل في دولة الاحتلال مؤخراً، وما تنذر به من شرور واعتداءات نوعية وعلى كل المستويات والعناوين الوطنية والحقوقية والتاريخية والمجتمعية والدينية والسياسية والإنسانية… إلخ، خصوصاً أن هذه التطورات تحصل في وقت ينشغل فيه العالم بالحرب الدائرة في أوكرانيا، وما تنذر به من تصاعد، وانخراط الدول الفاعلة والمؤثرة عالمياً فيها بأشكال ومستويات مختلفة ومتعددة.
ويبقى من باب التكرار الحميد ضرورة الإشارة والتأكيد على أهمية العامل الفلسطيني الوطني في المبادرة إلى تحقيق إنجاز ملموس باتجاه عقد المؤتمر المشار إليه. ويستتبعه التأكيد على وجوب تحقق وحدة الموقف الوطني بقواه ومؤسساته للقيام بالمبادرة المطلوبة على أفضل وجه.
يصعب، ولا يجوز، إقفال هذا المقال دون توجيه تحية إجلال وإكبار إلى روح الشهيد الأسير ناصر أبو حميد وإلى كل عائلته، وأشقائه المناضلين الأربعة الذين يقبعون في سجون الاحتلال بأحكام مؤبدات وفوقها أعداد من السنين متفاوتة بين الواحد والآخر، وكلها ليست قليلة، لكل منهم.. وإلى روح الشقيق الخامس المستشهد عام 94.
هؤلاء الإخوة المناضلون يفرضون على كل مناضل فلسطيني، وعلى كل مواطن فلسطيني، بصرف النظر عن موقعه ودوره، أن يكنّ لهم مشاعر الإكبار والاعتزاز والتأسي بهم وبنضالهم وصمودهم.
ويبقى التقدير الأكبر والأعظم للعائلة التي أنجبتهم، والقيم الوطنية التي زرعتها في نفوسهم منذ بواكيرهم الأولى، والأجواء الوطنية العليا التي وفرتها لهم وأنشأتهم عليها.
وتبقى تحية الإكبار تصل حد الخشوع للأمّ التي حملتهم وولدتهم وربّتهم ليأتي الاحتلال وينتزعهم من دفء حضنها واحداً تلو الآخر، فهنيئا لهذه الأمّ الأسطورة.