غزة: الرياح والأمطار تقلع وتغرق خيام النزوح.. والمواطنون يغطون أطرافهم بأكياس البلاستيك

من جديد، نكأ المنخفض الجوي الذي ضرب المنطقة جراح سكان قطاع غزة، خاصة النازحين منهم، فلم تكتف موجة البرد في تجميد بعضهم والتسبب بوفاتهم، فقد زادت أمور الحياة صعوبة أكثر على النازحين، عندما اقتلعت الرياح العاتية خيامهم، وحملت قطعها البلاستيكية لمسافات بعيدة، وتركت سكان الخيام، يواجهون مصيرا صعبا في شتاء لا يرحم.

اقتلاع الخيام
وكما المنخفضات السابقة التي حلت بالغزيين خلال فترة الحرب، لم يحمل المنخفض شديد البرودة إلا الكثير من المآسي، التي قلبت حياة النازحين إلى جحيم، وسجل منذ مساء الجمعة، العديد من المشاكل التي واجهت السكان، خاصة أولئك الذين يقطنون في المناطق المكشوفة والقريبة من البحر، فعلاوة عن شعورهم كباقي السكان بالرد الشديد، بسبب قلة الأغطية والملابس الشتوية، اقتلعت الرياح الكثير من الخيام بعد أن مزقتها، وحملت قطعها إلى مناطق بعيدة، لتخلق واقع مأساوي جديد لسكانها، خاصة الأطفال منهم، فيما أغرقت الأمطار التي بدأت بالهطول منذ ليل الأحد غالبيتها في مناطق النزوح وسط القطاع وغرب خان يونس.

وبلغت درجة الحرارة في قطاع غزة أدنى مستوياتها منذ سنوات، وذكر المكتب الإعلامي أن النازحين أمضوا ليلة عصيبة داخل خيامهم التي غرقت بمياه الأمطار وعصفت بها الرياح خلال المنخفض الجوي، وأكد أن خطرا كبيرا يشكل تهديدا حقيقيا لخيام النازحين الذين يعانون معاناة مأساوية نتيجة جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحقهم وهدم منازلهم وأحيائهم السكنية، حيث أرغمهم الاحتلال على النزوح إلى خيام مهترئة لا تقي من برودة الشتاء ولا من موجات الصقيع القاسية.

وذكرت بلدية مدينة غزة، أن المنخفض يحمل أمطارا وعواصف تشكل خطرا على خيام النازحين، وأن عمليات تصريف مياه الأمطار معقدة بسبب الأضرار الهائلة في شبكات الصرف الصحي، وطالبت المنظمات الدولية بالتدخل لتخفيف معاناة السكان وتقديم حد أدنى من الخدمات.

وقد وثق مواطنون من خلال هواتفهم النقالة تطاير الخيام مع وصول الرياح العاتية والسريعة إلى قطاع غزة، خاصة في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس والمناطق القريبة من البحر، بعد فشل كل محاولاتهم في تثبيتها أو تثبيت القطع البلاستيكية التي تغلفها لحمايتهم من أمطار الشتاء، ما جعل الكثير منهم يلتحفون السماء هم وأسرهم في هذه الأجواء الباردة جدا، فيما وجد آخرون بصعوبة مكانا لهم عند جيران أو أقارب هزت الرياح خيامهم دون أن تقتلعها، وقد جاءت الأمطار لتكمل المشهد المأساوي، حين تسللت لتغرق غالبية الخيام، وتزيد من مأساة النزوح.

وأكد محمد أبو مصطفى الذي يقيم في أحد خيام النازحين في منطقة المواصي، بعد أن دمر منزله في اجتياح المدينة السابق، إنه وأسرته عاشوا ليلة عاصفة وباردة، بسبب تدني درجات الحرارة، ولفت إلى أن خيمته طارت هي والخيام المجاورة، وقال إنه لم يبق من خيمته سوى الوتد، وأكد أن النزوح يحمل لهم “مزيدا من الألم والمعاناة”، قبل أن تزداد أوضاعهم صعوبة مع سقوط المطر.

وقال أحد جيرانه في النزوح إنه اضطر أن يقضي وأفراد الأسرة كبار السن طوال الليل، يعملون على تمتين الخيمة كلما حركتها الرياح، بعد أن جلبوا أكياسا من الرمل ووضعوها على أطرافها.

برد ينهش العظام
وتحدث أمجد النجار الذي تطايرت خيمة أسرته التي صنعها من الأقمشة وكساها بقطع من البلاستيك، عن مأساته. فهذا الرجل أكد لـ”القدس العربي” أنه لا يملك من المال ما يجعله يقيم خيمة أخرى، لافتا إلى أن قطع البلاستيك التي اشترى بعضها سابقا وحصل على أخرى من أحد المؤسسات الخيرية، تطايرت في الهواء لمسافات بعيدة، فيما تهالكت قطع القماش ومزقت من شدة الرياح، وتساقط الأمطار، وقد اضطر للذهاب وأطفاله وزوجته إلى خيمة أحد الأصدقاء التي قال إنها صمدت بصعوبة لحين تدبير أمره.

وأفاد هذا الرجل أن درجات الحرارة بهذا الشكل، خلقت أزمة أخرى، مشيرا إلى أنه كان يخشى أن يفقد أطفاله من شدة البرودة التي قاربت من التجمد، ويقول إنه قبل تطاير الخيمة وبعدها حين حمل أمتعته لخيمة صديقة، كان يجعل أطفاله ينامون بجوار بعضهم البعض بعد لفهم بالأغطية القليلة، على أمل الشعور بقليل من الدفء، ويؤكد أنه شعر بالبرد الشديد في أطرافه، وأن أطفاله وأطفال أصدقائه بكوا من شدة البرودة التي نهشت عظامهم.

وبسبب الحرب وانقطاع التيار الكهربائي، لم تعد تتوفر سواء للأسر النازحة في الخيام أو في مراكز الإيواء، أو تلك التي لا تزال تقيم في منازلهم محطمة النوافذ من القصف، أي وسائل تدفئة، فالوسائل التي كان يملكها السكان قبل الحرب تحتاج إلى تيار كهربائي أو إلى الوقود، حيث أن الأول مقطوع بالكامل منذ بداية الحرب، فيما الثاني يسمح الاحتلال بدخوله بكميات قليلة جدا لبعض المؤسسات الخدماتية والإغاثية، كما أن تكلفة إشعال النار في الحطب مرتفعة في ظل حالة الفقر التي يعيشها السكان، كما تعد وسيلة غير آمنة، حيث حذر جهاز الدفاع المدني من خطر اشتعال الحرائق.

كسوة الأطراف بالبلاستيك
ويقول أبو مهند وهو رجل في نهاية العقد الرابع، ويقطن في مكان ضيق في منزل أشقائه، بعد أن دمر منزله الذي كان ضمن عمارة سكنية كبيرة في أحد الهجمات الإسرائيلية قبل عدة أشهر، إنه شعر وأسرته بالبرد الشديد رغم وجوده في منزل مسقوف من الخرسانة، وأوضح هذا الرجل لـ”القدس العربي” أن هذا المنزل الصغير لا توجد فيه أي نوافذ، حيث تحطم زجاجها في غارات سابقة للاحتلال ضربت مناطق قريبة، ما اضطره لوضع قطعة قماش على النافذة، لكنها لم تقِ من تسلل البرد إلى المكان، ولفت هذا الرجل الذي فقد أغطيته وملابس الأسرة الشتوية في المنزل المدمر، إلى أن ما توفر له ولأسرته من أغطية وملابس لا يفي بالغرض.

ولا يملك السكان ملابسا شتوية ولا أغطية كافية، حيث لا تزال سلطات الاحتلال تمنع دخولها إلى القطاع، بموجب إجراءات الحصار المشدد التي فرضتها منذ بداية الحرب.

وعلى أمل الشعور بدفء الأقدام، أوضح أحد المواطنين لـ”القدس العربي” أنه كسا أطرافه العلوية والسفلية وأطراف أطفاله وأجسادهم بقطع من البلاستيك، وأتبعها بقطع قماش، ويقول إنه نجح إلى حد ما في ذلك، حيث يعاني هذا الرجل وأسرته من قلة الملابس.

والاثنين أعلنت وزارة الصحة في غزة استشهاد طفل رضيع في غزة جراء البرد، ليلتحق بشقيقه التوأم الذي استشهد قبله بيوم واحد لذات السبب، وقال المكتب الإعلامي الحكومي، إن عدد الشهداء بسبب البرد القارص وموجات الصقيع بين النَّازحين الذين دمّر الاحتلال منازلهم وصلت إلى 7 شهداء، فيما العدد مُرشح للزيادة بسبب الظروف المأساوية.