غزة ووحدة الساحات والفصائل! سليمان أبو ارشيد

بغطرسة تذكر بـ”تهديدات” ديان للاتحاد السوفييتي غداة “انتصار” إسرائيل في حرب 1967، انبرى وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس بعد “انتصار” جيشه الذي يعتبر رابع أكبر جيش في العالم على حركة “الجهاد الإسلامي” التي تعتبر ثالث فصيل فلسطيني، انبرى يهدد بشن عملية عسكرية وقائية ضد إيران، معربا عن استعداد قواته لتنفيذ عملية من هذا النوع في كل جبهة من الجبهات الممتدة من “خان يونس وحتى طهران”، على حد وصفه.

تابعوا تطبيق “عرب ٤٨”… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

غانتس “قائد أركان” عملية “الجرف الصامد” في غزة عام 2014، التي استشهد فيها أكثر من 2000 فلسطيني ثلثهم من الأطفال دون سن العاشرة، وصل كغيره من العسكريين الإسرائيليين إلى سدنة السياسة على جماجم شهداء غزة، ولم يخجل في توظيف أعداد قتلاه في دعايته الانتخابية للمزاودة على منافسيه.

وقد شكلت غزة بعد هزيمة إسرائيل في حرب لبنان الثانية (تموز/يوليو 2006) مباشرة ساحة لتعديل المزاج العسكري الإسرائيلي ورفع الحالة المعنوية والخروج من الأزمة التي دخلت فيها الدولة العبرية، فبعد استقدام الجنرال “الموشح بأوسمة البطولة” خلفا لعمير بيرتس الذي نحته لجنة فينوغراد، جرى أيضا اختيار “العدو” المناسب، غزة الضعيفة/ القوية، المحاصرة برا وبحرا وجوا ولا تمتلك سوى سلاح الإرادة وبضع “مواسير” تحولت بقدرة “قادر” إلى “صواريخ مرعبة” لكن غير فتاكة.

براك صاحب التجربة نجح بحنكته العسكرية باستعادة هيبة الجيش الإسرائيلي المهدورة، من خلال عملية “شتاء ساخن” في مطلع عام 2008 استتبعها بعملية “الرصاص المصبوب” في أواخر العام نفسه، لتحول تلك العمليات قطاع غزة إلى جبهة حرب رئيسة للجيش الإسرائيلي، يستطيع عبرها تحقيق عدة أهداف، أهمها “الانتصار” الذي بات صعب المنال في جبهات أخرى وغير حاسم حتى في غزة، إلى جانب تحقيق أهداف انتخابية لقيادات الأحزاب الحاكمة، هكذا فعل نتنياهو وهكذا يفعل غانتس ولبيد اليوم.

إلا أن عملية “الجرف الصامد “التي استمرت 50 يوما وتكبد خلالها الطرف الفلسطيني خسائر هائلة حيث استشهد أكثر من 2000 فلسطيني وتضرر أكثر من عشرة آلاف مبنى منها أربعة آلاف دمر بشكل كامل، بينما أطلق على إسرائيل 4500 صاروخ وقذيفة وقتل 68 جنديا وستة مدنيين كما جرح 1500 جندي و800 مدني إسرائيلي، هذه العملية كانت بمثابة حرب بكل المقاييس وغيرت معادلة القوة بين إسرائيل وقطاع غزة وفرضت نوعا من التوازن لصالح الطرف الفلسطيني.

هذا التوازن تعزز في عملية “حارس الأسوار” في أيار/مايو 2021 وولد طموحا فلسطينيا بالتأثير على الساحات الأخرى المتمثلة بالقدس والضفة والداخل، والتي تضافرت جميعها في “هبة أيار” و”سيف القدس”، وانكسر في “مسيرة الأعلام” الأخيرة التي نظمها المستوطنون في القدس باستنكاف حماس عن تنفيذ تهديدات قائدها يحيى السنوار، وهو ما شجع إسرائيل، ربما، في الاستقواء على “الجهاد الإسلامي” خلال العدوان الأخير.

إسرائيل التي بعثرت الصف العربي بعد إخراج القوة الأكبر- مصر- من معادلة الصراع وإيقاعها في مهاوي كامب ديفيد، والتي مزقت الوحدة الفلسطينية بعد إيقاع قيادة منظمة التحرير وحركة فتح في فخ أوسلو ومن ثم تكريس الانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة وغزة وتحويل السلطة إلى سلطتين، وخلق واقعا تحول معه تضامن رام الله مع العدوان على غزة إلى مسيرات شموع، نجحت في العدوان الأخير على غزة بفصل حماس عن الجهاد وعزل الأخير والانفراد به، وهي تبني الآن كما يرد على لسان محلليها، قصورا نأمل أن تكون في الهواء، حول استثمار هذه الحالة وتطويرها بحيث لا يقتصر دور حماس على المتفرج بل أن تلعب سلطتها مستقبلا، مقابل امتيازات وتسهيلات دور الضابط للجهاد والفصائل الأخرى، على غرار ما تقوم به سلطة أبو مازن في الضفة.