كتب د. كمال ميرزا:
تقرير خبيث في صحيفة “وول ستريت جورنال” يشبّه الدمار الذي لحق بقطاع غزّة لغاية الآن بالدمار الذي لحق بألمانيا في الحرب العالمية الثانية!
للأسف كثير من وسائل الإعلام العربية ومستخدمو السوشال ميديا يتداولون مثل هذه المواد والصياغات الإعلامية بحسن نيّة، دون أن يدركوا كنه مضامينها المُغرِضة ومفاعيلها الخبيثة!
الخباثة في مثل هذا التشبيه أنّ الربط بين غزّة وألمانيا الحرب العالمية الثانية يُسوّغ بطريقة لا واعية كلّ الدمار الحاصل ويشرعنه؛ فدمار ألمانيا كان “ضروريا” و”مُبرَّرا” و”أخلاقيا” للتخلص من “النازية”، وبالتالي فإنّ دمار غزة هو الثمن الضروري والمُبرَّر والأخلاقي من أجل التخلص من الإرهابيين/ المقاومة!
بكلمات أخرى، الربط بين غزّة وألمانيا هو محاولة ضمنية وكامنة لربط المقاومة وأهالي غزّة في وجدان الناس ولاوعيهم بالنازية..
وبالتالي تصبح حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني حربا مشروعة لـ “الدفاع عن النفس” ضد “هوليكوست” طوفان الأقصى الذي يشنّه هؤلاء النازيون الجدد!
كما أنّ هذا الربط بين غزّة وألمانيا فيه إيحاءان ضمنيان خبيثان آخران هما:
ـ أولا: حتمية انتصار الكيان الصهيوني/ الحلفاء/ الأخيار.. وهزيمة المقاومة/ محور الممانعة/ الأشرار.
ـ ثانيا: أنّ مستقبل غزّة في “اليوم التالي للحرب”، وحلّ “المسألة الغزّاوية”، لا يكون إلا بنفس الطريقة التي حُلّت بها المسألة الألمانية: التقسيم (فصل غزّة عن الضفة)، وإقامة جدار برلين جديد (المنطقة العازلة)، وإحلال قوات أجنبية لـ “ضمان” فض الاشتباك وفرض السلام.. وطبعا إقامة محكمات “نورنمبيرغ” جديدة لمجرمي الحرب (قادة المقاومة)!
لاحظ أنّ هذا الربط “المُضاد” أو “المُعاكس” بين الفلسطينيين والنازية يأتي في وقت ينتشر فيه على نطاق واسع حول العالم، خاصة في أميركا والدول الغربية، خطاب شعبي يربط بين الصهيونية والنازية، ويشبّه “نتنياهو” وعصابة حربه بـ “هتلر” وقيادة “الرايخ”، ويطالب بمحاكمتهم جميعا بتهمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية!
هناك الكثير من الدول الأوروبية التي لحق بها دمار على يد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية أكبر من الدمار الذي لحق بألمانيا نفسها، فلماذا لم يشبّه تقرير “وول ستريت جورنال” غزّة بأي من هذه الدول؟
بل لماذا لم يشبه التقرير دمار غزّة بدمار مدينتي “هوريشيما” و”ناغازاكي” اليابانيتين باعتبارهما المقياس التاريخي المكرّس للدمار الهمجي والسريع والشامل الذي يمكن أن تُلحقه دولة ما بشعب دولة أخرى؟!
قارن جميع الكلام أعلاه على سبيل المثال، بتشبيه الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” حصار غزّة بـ “حصار لينينغراد”.. ولاحظ الفرق في المضامين والإيحاءات والمواقف بين التشبيهين!
من الدروس التي علّمتنا إيّاها المقاومة من خلال ملحمة “طوفان الأقصى” أنّ القدرة على إدارة الحرب الدعائية لا تقل أهمية عن القدرة على إدارة المعركة في الميدان، ومن جملة ذلك الانتباه لما يبثه العدو ووسائل الإعلام المنحازة له من تسميات وتشبيهات ومصطلحات وعبارات وصياغات قد تبدو للوهلة الأولى بريئة وظاهرها الرحمة ولكنّها في حقيقة الأمر خبيثة وباطنها العذاب!