في قراءة تلخيصية نقدية للحرب على غزة، بعد مرور 200 يوم عليها، يرى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند أن العبرة الأهم من حرب 1973 هي “أننا لم نتعلّم من السادات، وهذا ينطبق على السابع من أكتوبر، من ناحية التعويل على الناحية العسكرية فحسب.
ويقول آيلاند، في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية اليوم الأربعاء، إن الإسرائيليين يتحدّثون كثيراً عن دروس حرب 1973، لكن بعضها لم يطبق في السابع من أكتوبر. ويدعو للتنبه لعبرة لا تقلّ أهمية عن الدروس الاستخباراتية والانضباط العملياتي: الحاجة لمعرفة دمج مسيرة سياسية مع الفعل العسكري.
آيلاند، الذي سبق ودعا لحرمان غزة من الغذاء والدواء بالكامل، دون تمييز بين مدنيين وعسكريين، حتى تسقط بسرعة، يقول إن رئيس الاستخبارات العسكرية في حرب 1973 إيلي زاعيرا زَعَمَ متحمّساً حتى آخر لحظة أن الحرب لن تنشب. ويشير إلى أن زاعيرا استند، وقتها، في تقديراته الخاطئة إلى ثلاثة أمور تبيّنَ لاحقاً أنها صحيحة: سوريا لن تدخل حرباً بلا مصر، بحال شنّت مصر حرباً سيكون ذلك من أجل هدف إستراتيجي واحد واضح؛ استعادة سيناء. والأمر الثالث أنه حتى خريف 1973 عرف المصريون أنه ليس بمقدورهم احتلال كل سيناء، ولذا لن تنشب حرب.
ويتساءل غيورا آيلاند؛ كيف إذن تطوّرَ مفهوم مغلوط من تبنّي ثلاث فرضيات صحيحة؟
يقدم آيلاند تفسيرين لذلك؛ الأول فلسفي، والثاني إستراتيجي. ويقول إنه “على المستوى الفلسفي افترض زاعيرا أن هناك استنتاجاً واحداً من ثلاث فرضيات صحيحة، لكن الواقع أثبت العكس، وهذا يقود للتفسير الثاني، العملي: إذن، لقد علم الرئيس الراحل السادات أن مصر لا تستطيع احتلال كل سيناء، لكن الإستراتيجية التي قادها لم تعتمد على القوة العسكرية فحسب، بل على دمج بين عملية عسكرية وعملية سياسية مكمّلة”.
آيلاند، الذي يشير عملياً لثنائية “حرب التحرير والتحريك”، يقول أيضاً إن السادات قد رجّحَ، وبحق، أنه من أجل زعزعة المنطقة، ودفع الدول العظمى للتدخّل سيكون كافياً احتلال رقعة صغيرة من سيناء والإثبات أن إسرائيل ليست دولة لا يمكن التغلّب عليها، وأنه على أساس مكسب عسكري محدود يمكنه تحريك مبادرة دبلوماسية. منوهاً أن فكرة السادات كانت تقوم على أن دمج عملية عسكرية مع خطوة دبلوماسية هو الذي سيؤدي لاستكمال الإنجاز: استعادة كل سيناء لأيدي مصر، وهذا ما حصل.
العجرفة والغرور
ويمضي الجنرال الإسرائيلي آيلاند في قراءته النقدية، متوافقاً مع عددٍ كبير من جنرالات الاحتياط حول خطورة عدم دمج المركب السياسي في الحرب على غزة والمعروف بـ “اليوم التالي”، فيقول: “خسارة أننا لم نتعلّم من السادات. خرجنا في حرب على غزة على أساس الافتراض أنه يمكن تحقيق هدف إسقاط حكم “حماس” بواسطة عملية عسكرية فحسب”.
ويؤكد آيلاند أنه بشكل غريب وغبي التصقنا بالشعار “الضغط العسكري فقط يدفع لتحقيق أهداف الحرب”. ويتابع: “رفضنا، وما زلنا نرفض، القيام بخطوة سياسية، لكن المستبدّين أمثال السنوار لا ينفعلون كثيراً من الضغط العسكري. أمران يمكنهما إنتاج ضغط حقيقي عليهم: خلق بديل سلطوي، وجماهير غاضبة جائعة ومحبطة، بيد أن إسرائيل تنازلت عن هاتين الرافعتين، وفي الأسبوع الأول من الحرب سُئل نتنياهو حول اليوم التالي فقال بعجرفة وغرور: سنتحدث عن اليوم التالي عندما نصل اليوم التالي”.
دمج العسكري بالدبلوماسي
ويرى آيلاند أن “الجواب السليم يفترض أن يكون: في اليوم التالي في غزة لن تكون سلطة لـ “حماس”، وأيضاً لن يكون حكمٌ عسكري. وكل شيء آخر جدير بالحوار”.
ويضيف: “أكثر من ذلك، لا مصلحة لإسرائيل في غزة من ناحية سياسية، أو السيطرة على الأرض، بل مصلحة أمنية، ولذا فإن كل مقترح يقول إنه لجانب ترميم القطاع سيتم نزع سلاحه هو مقترح مقبول علينا، ولذا أيضاً فإن إسرائيل مستعدة، الآن وهنا، لتنظيم مؤتمر في باريس أو القاهرة للتباحث مع الأردن ومصر والإمارات والسعودية، ومع أي جهة أمريكية وأوروبية حول مستقبل غزة في الفترة الانتقالية عقب الحرب، وهذا ما لم نقله كما هو معروف”.
من هنا يرى الواقع المأزوم الذي علقت به إسرائيل: “هكذا هو الوضع اليوم: فقدان الحسم. الجيش احتل شمال القطاع، وعندما خفف تعداد قواته هناك عادت “حماس” لإدارة المنطقة، على الأقل في الناحية المدنية، وهكذا بالضبط يحدث في خان يونس أيضاً”.
ويخلص آيلاند للتأكيد مجدداً على “حيوية دمج العسكري بالدبلوماسي كواحد من دروس حرب 1973، وهو درس لا يقل أهمية عن الدروس الاستخباراتية والانضباط العملياتي. السادات عرف القيام بذلك، أما نحن فلا”.
يذكر أن عدداً من المراقبين الإسرائيليين يوجّهون مثل هذه الانتقادات لحكومة الاحتلال التي تتجاهل كل الضغوط الخارجية والداخلية من أجل تحديد ملامح “اليوم التالي”، وهذا ينبع من رغبتها إطالة أمد الحرب، ليس تهرباً فقط من يوم الحساب العسير داخلياً، بل طمعاً بانتصار لم يـحقق، أو عن صورة انتصار، مثلما أنها تتساوق مع شهوة الإسرائيليين للمزيد من الانتقام، علاوة على خوفها من تبعات “اليوم التالي” من ناحية تسوية الصراع بتسوية الدولتين التي ترفضها، وعوضاً عنها تبحث عن إدارته، وعن تكريس الانقسام بين القطاع وبين الضفة.