جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
في كل يوم تتلقى حركة طالبان تهنئة جديدة على وصولها إلى الحكم في العاصمة الأفغانية كابول، دون مقاومة تُذكر ودون إطلاق رصاصة واحدة!
وسوف يظل وصولها بهذه الطريقة لغزاً من الألغاز إلى أن يجري الكشف عن تفاصيله ذات يوم، وليس أقرب إلى ما حدث معها من جانب الجيش الأفغاني المنسحب أمامها إلا تراجع القوات العراقية أمام الغزو الأمريكي في ٢٠٠٣؛ وقتها بدا الجيش العراقي وكأنه يتبخر أمام القوات الغازية!
ولأن الفاعل الأمريكي قاسم مشترك في الحالتين، فالكشف عن اللغز في الحالتين أيضاً سوف يأتي يوماً من العاصمة الأمريكية واشنطن، عندما تأذن الحكومة هناك في وقت من الأوقات بالإفراج عن الأوراق الرسمية الخاصة بهذه الفترة من العلاقة، بين الولايات المتحدة من ناحية، العراق وأفغانستان من ناحية أخرى!
أما التهاني التي تتلقاها الحركة، فتأتيها مرة من حزب المؤتمر الشعبي السوداني الذي أسسه حسن الترابي، وحكم في الخرطوم ثلاثة عقود من الزمان، تحت واجهة اسمها عمر البشير، ومرة ثانية تأتي من هيئة علماء المسلمين في العراق، ومرة ثالثة من هيئة تحرير الشام في سوريا، وفي كل هذه المرات وفي غيرها يتطلع المهنئون إلى طالبان كأنها حققت فتحاً من الفتوح!
ولو أنصف المهنئون لاحتاطوا في التهنئة؛ لأن القضية ليست في وصول طالبان إلى القصر، ولكن في قدرتها على البقاء في داخله!
وهذا هو الأمر الذي لا بد أن يكون محوراً في كل تهنئة تتلقاها الحركة؛ لأنها تجد نفسها يوماً بعد يوم أمام تحديات مضافة في طريقها إلى البقاء في السلطة، وقد كانت المظاهرات التي خرجت ضدها في بعض أحياء العاصمة نوعاً من هذه التحديات!
وقد راحت المظاهرات تجوب أحياءً في العاصمة كابول، وهي ترفع الأعلام الأفغانية، وكانت هذه إشارة كافية إلى أن الأفغان يريدون من خلال مظاهراتهم أن يقولوا إن أفغانستان كبلد، وكوطن، وكأرض إنما يجب أن تتقدم على كل جماعة فيها، بما في ذلك جماعة طالبان بطبيعة الحال!
ولذلك، فإن الحركة التي حكمت من قبل في نهاية تسعينيات القرن الماضي مدعوة إلى أن تثبت أن عشرين سنة من وجودها خارج الكرسي كافية لتغيير طبيعتها، وأن ما كانت تؤمن به من قبل من أفكار في الحكم ليس هو ما تؤمن به بعد عودتها إلى السلطة!
على طالبان أن تنتبه (قبل أن ينبهها المهنئون) إلى أنها تحت المجهر منذ دخلت القصر، وأن احترامها لحقوق الإنسان والحريات والمرأة، وابتعادها عن طريق العنف والتشدد والتطرف، سوف يكون الأساس في مدى التقبل لها على المستوى الداخلي من الأفغان أنفسهم، أو على المستوى الخارجي مع العالم على اتساعه!
وقد أرسلت من جانبها عدة إشارات تقول إنها ستحترم هذا كله، وستشكل حكومة تضم المرأة وتتسع لعناصر أفغانية أخرى من خارج الطالبانيين! وهذا بالطبع شيء جميل، ويدعو للتفاؤل، ولكنه لا يزال كلاماً يقال، ولا يزال وعوداً يسمع بها الناس داخل أفغانستان وخارجها على السواء!
والتجربة وحدها هي التي ستثبت إذا ما كانت طالبان العائدة تختلف عن طالبان الخارجة من الحكم في ٢٠٠١، وإذا ما كانت تعتقد فيما تقوله وفيما تبذله من وعود، أم أن ذلك كله من قبيل تهدئة الرأي العام بين الأفغان، وفي عواصم العالم التي تراقب ما يجري في قلق!
أمام الحركة فرصة لن تسنح لها مرةً أخرى، وتستطيع أن تنتهزها لطمأنة الأفغان والعالم، أو تبددها، فلا تتاح لها مرةً ثانية.