في الوقت الذي نقلت فيه صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، عن مسؤولين أميركيين وصفتهم بأنهم رفيعي المستوى في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع (البنتاجون)، قولهم إنه من غير المتوقع حالياً، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بين إسرائيل، وحركة حماس، قبل نهاية ولاية الرئيس جو بايدن، في يناير 2025. وبالتزامن العجيب مع تكرار “اليهودي الصهيوني” بلينكن الممل لعزف ذات “الملهاة” الممجوجة التي لا يُتقن سواها، مؤكداً مجدداً على أنه “تم التوصل إلى 90% من بنود اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، لكن لا تزال هناك فجوات”، ويكرر الوسطاء العرب ـ مصر وقطر ـ على توافق بل تطابق مواقفهم مع مواقف واشنطن..يوجّه لهم نتنياهو النازي البولندي ضربة قاضية فاضحة تخرجهم من الحلبة، وتضمن لهم أن يكونوا جزءاً مما يطبخه حالياً مع قادة البيت الأبيض تحت مسمى “صفقة الخروج الآمن” كمكافأة نهاية خدمة، وعقاباً لهم على تدخلّهم المشين فيما تعتبره تل أبيب شأناً داخليّاً صرفاً، يخصّها وحدها حصراً. فعلى مَن تقرأ مزاميرك يا أيّها “النتن”؟!
المقترح الجديد الذي يُمثّل آخر ما تفتّقت عنه عبقرية المخادع الأكبر نتنياهو يقضي بإعادة كل المحتجزين مقابل خروج السنوار وآخرين من غزة عبر “ممر آمن”، حيث أوردت الإذاعة الإسرائيلية التي زفّت الخبر أن هذا المقترح الجديد قد يعرضه “النتن” في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أيام، مصطحباً معه أكثر من 30 شخصاً من ذوي الأسرى، مستهدفاً بهذا الحجر ذاته عصفوران معاً في آن، ومحاولاً فرض مقترحه الخسيس على العالم بأسره، بعد أن فرضه على ما يبدو، أو بالأحرى طبخه، مع “ماما أمريكا” والوسطاء العرب، وربما غيرهم من نفس الطينة والعجينة.
وفي التفاصيل يتضمن المقترح إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ونزع سلاح القطاع، وتطبيق آلية إدارة للقطاع، وإنهاء الحرب، وفق ما نقله إعلام “الكيان” النازي، والذي أورد كذلك تعليق مسؤول إسرائيلي رفيع قائلاً: “في ضوء الصعوبات التي تواجهها المفاوضات وعامل الزمن الهام بالنسبة لحياة (المختطفين)، نود أن نقترح (خطة ثانوية الخطة ب) من شأنها اختصار المراحل، والسماح بصفقة أسرى ستحدث إذا رحل السنوار، وإنهاء الحرب، وهذا سيسمح لنا بتحقيق أهداف الحرب وبمغادرة قيادة حماس غزة بأمان إلى مكان آمن”. كما فضحت تواطؤ منسق شؤون الأسرى والمفقودين “جال هيرش” مع نتنياهو وعصابته وخيانته للأمانة التي يُفترض أنه يحملها، حيث أشارت إلى أنه قد التقى بعائلات الأسرى وأبلغهم بالمقترح الجديد، ونقلت عنه قوله في هذا اللقاء: “إن الخطوط العريضة تم تقديمها خلال اجتماعاته الاسبوع الماضي مع المسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وأن الاقتراح سُمّي (صفقة الخروج الآمن).” الأمر الذي يؤكد ما شددنا عليه سابقاً أن مَن يُعوّل على وجود معارضة داخل “الكيان” المجرم فهو مخدوع وملتبس وواهم، فنتنياهو هو مرآة حقيقية لكيانه، وكلّهم “بن غفير”، وما يطفو على السطح ما هو إلّا لاعتبارات شخصية لا تقدّم ولا تؤخر تجاه الموقف الموحّد من الشعب الفلسطيني والحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية؟!
وحسناً فعلت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وشركائها بعد تأكيد التقارير الإسرائيلية والأمريكية لخديعة “النتن”، برفضها مباشرة كونها لا تستحق مجرّد النقاش، مؤكدة “أنها ملتزمة فقط بما تم التوافق عليه في 2 تموز/يوليو الماضي نتيجة المفاوضات غير المباشرة بوساطة الولايات المتحدة ومصر وقطر”، مطالبة “بوضع آليّات تنفيذية وإجراءات عملية، تفضي لوقف إطلاق النار، وإنهاء العدوان المستمر منذ 7 تشرين أول/ أكتوبر الماضي”. مؤكدة على أنها “ليست بصدد دراسة مقترحات أو صفقات جديدة تخدم أجندة إسرائيل ومشاريعها. وأن يحيى السنوار وقادة حماس لن يتركوا أرض المعركة”.وكأن لسان حال “السنوار” ومّن معه يقول: “اللي بجرّب المجرّب عقله مخرّب”، وهم ومعهم الشعب الفلسطيني وعموم العالم قد خبروا تعهّدات واشنطن وتل أبيب ومَن يصدّقهم أو يثق بهم، ما حصل لياسر عرفات ولصبرا وشاتيلا، ثم “فخ أوسلو” وغيرها ممن تسمّى “اتفاقيات سلام” و”تطبيع” جوفاء، وهو ما لا تتسع هذه العجالة لتناوله بإسهاب؟!
اللافت للانتباه أن كل ما ورد من تأكيدات قد نفى الجيش علمه بها، حيث نُقل عن وزير الدفاع وممثل الجيش لشؤون الرهائن قولهما أنهما لم يكونا على علم بخطة “الخروج الآمن” المتداولة، وانتقدا المذكور خائن الأمانة “هيرش” بأنه يثير آمالاً غير واقعية لدى عائلات “الرهائن” بحسب ما ذكرت القناة 12 الصهيونية. والأنكى من ذلك أن مكتب الثعلب “النتن” لم يعلّق على ذلك. وهو ما يعني أنه مجرّد بالون اختبار جرى تفجيره حتى قبل نفخه، وهذا ديدن إدارات واشنطن وتل أبيب المتعاقبة، الذين ينتهجون منهج: “العيار اللي ما بصيب يَدوِش”.
أمّا لماذا تفجير مثل هذه القنبلة الصوتية الآن؟ فيبدو أن نتنياهو يحاول كعادته الهروب إلى الأمام ، بعد تأكيدات من مسؤولي البيت الأبيض باستحالة القضاء على “حماس” بكونها “فكرة”، واعترافات القيادات العسكرية بانتهاء مهماتهم العسكرية في قطاع غزة، وانعدام الأهداف العسكرية حيث باتوا يكررون ضرب ذات الأهداف مراراً وتكراراً، واقتصرت مهمة وجودهم على المزيد من التدمير وإبادة المدنيين، وهو ما يزيد من تأليب العالم وحتى مجتمعات داعمي “الكيان” النازي، ويزيد من حرج واشنطن وعواصم الغرب ومَن يواليهم من عواصم عربية وإسلامية، ويؤكد شراكتهم في الإبادة والمجازر وجرائم الحرب اليومية. ولهذا هرب باتجاه فتح جبهة الشمال ولبنان بعد ما يقارب عام من التردد والإحجام.
أما لماذا طرح “خطة الخروج الآمن” والتي يدركون عدم واقعيّتها ومصير فشلها المحتوم؟ فيبدو أن ذلك يتعلّق باستجداء الوسطاء وعواصم التطبيع العربي لواشنطن بضرورة مراعاة حفظ ماء وجوههم، حيث أفلست مواقفهم بتحميل “حماس” وإقدامها على “طوفان الأقصى” وما تبعها مسؤولية ما حصل ويحصل من دمار ومجازر، وفقدت حججهم كل معايير المنطق والقِيَم وحتى الأخلاق، ناهيك عن المهنية المفقودة أصلاً. وبات الأمر يتطلب عنواناً غير مسبوق لتبيض صفحة “الكيان” المجرم، فها هو يُقدّم مبادرات مدعومة أمريكيّاً لوقف الحرب وإراقة الدماء الفلسطينية المستباحة منذ ما يقارب العام، وهم ينظرون ومعهم العالم أجمع ولم يُحرّكوا ساكناً، وأن “حماس” هي ما يعيق ويرفض ذلك، وصدق مَن قال: “إذا لم تستحِ فافعل ما شئت”.
كاتب اردني