نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا، لمراسلها للشؤون الدبلوماسية والأمن القومي، روبي غريمر، قال فيه إن الغارة الجوية يوم الإثنين على القنصلية الإيرانية في دمشق، هي أحدث عملية ضمن حملة إسرائيلية أوسع لاستهداف كبار القادة الإيرانيين وكذلك قادة الجماعات المسلحة التابعة لإيران، بما في ذلك حزب الله في لبنان وحماس في غزة.
وأشار الكاتب أن هذه الضربة مختلفة لسببين رئيسيين، وكلاهما يشير إلى موجة جديدة من العنف المحتمل وإراقة الدماء في جميع أنحاء المنطقة، إما من قبل إيران مباشرة أو من خلال قواتها بالوكالة المدججة بالسلاح.
الأول، هو من استهدف العميد محمد رضا زاهدي، الذي قاد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني في لبنان وسوريا وهو المسؤول الأعلى رتبة الذي قتل في الغارة، كما قتل نائبه وخمسة مسؤولين آخرين في الحرس الثوري الإيراني، بحسب بيان للحرس الثوري الإيراني.
وتضيف المجلة أن مقتل زاهدي يمثل واحدة من أكبر الانتكاسات للحرس الثوري الإيراني القوي منذ أن قتلت ضربة أمريكية في أوائل عام 2020 الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذي تولى العمليات العسكرية والاستخباراتية الخارجية لإيران.
ويعتبر زاهدي أعلى مسؤول إيراني قتلته إسرائيل منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ونقلت المجلة عن تشارلز ليستر، خبير مكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط: “كان لدى زاهدي موقع قوة هائل. لقد كان الرجل الرئيسي في أي شيء وكل شيء يفعله الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس في سوريا ولبنان، منذ سنوات”.
ويشمل ذلك قيام إيران سرا بنقل الأسلحة إلى حزب الله، الذي يعتبر الآن أكثر الجهات غير الحكومية تسليحا في العالم.
كما أن المكان الذي وقعت فيه الغارة له دلالة، فقد استهدف الهجوم مبنى قنصلية مجاور للسفارة الإيرانية في دمشق، مما أدى إلى تسوية المبنى بالأرض وإلحاق أضرار بالمجمع الدبلوماسي. وقال المسؤولون والمحللون إن هذا المبنى كان يستخدم كمركز قيادة لعمليات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، الحليف على مدى سنوات طويلة لإيران لنظام الأسد.
ومع ذلك، يؤكد الكاتب، فإن ضرب مجمع دبلوماسي، أو حتى مبنى شبه رسمي مجاور، يمثل تصعيدا كبيرا محتملا. وبحسب داليا داسا كي، خبيرة شؤون الشرق الأوسط في مركز بيركل للعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس: “ينظر إلى المرافق الدبلوماسية على أنها مساحات وطنية وسيادية محمية. إن الهجوم على منشأة دبلوماسية يشبه الهجوم على الدولة نفسها. وهو ما يجعل هذا من المحتمل أن يغير قواعد اللعبة”.
ومن وجهة نظر إيران، لم تفقد قائدا مهما في المنطقة فحسب، بل أن ذلك تم أيضا في ضربة على أراضيها السيادية، حتى ولو من الناحية الدبلوماسية.
وقال ليستر: “سيترتب على هذا الأمر من دون شك رد فعل إيراني قوي. ما هو هذا الرد؟، وما هو الشكل الذي سيتخذه؟، لا يزال سؤالا مفتوحا في هذه المرحلة”.
وتقول المجلة إن هذه أخبار مزعجة لمنطقة تعاني أصلا من التوترات والصراعات المنخفضة الحدة بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس. وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين لمجموعة من الصحافيين خلال زيارته لواشنطن الأسبوع الماضي: “المنطقة تحت النار، وكل شيء مترابط مع ما يحدث في غزة. أنه أمر خطير جدا”.
وكانت الحكومة الإيرانية سريعة في إدانتها للضربة الإسرائيلية وتعهدت بالانتقام، ولكن من غير المستغرب أنها لم تخض في تفاصيل حول ما سيترتب على هذا الانتقام.
وقال ناصر كناني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان، إن إيران “تحتفظ بالحق في القيام برد فعل وستقرر نوع الرد وعقاب المعتدي”.
واستنادا إلى سلوك طهران السابق، يمكن أن تشمل قائمة الخيارات إجراءات تجعل إسرائيل وإيران أقرب إلى حرب مباشرة – مثل توجيه ضربة صاروخية إيرانية مباشرة إلى إسرائيل – أو المزيد من الضربات المضادة غير المباشرة، مثل الضربات الإيرانية على أهداف المخابرات الإسرائيلية المزعومة في العراق، أو هجمات أكبر أو أكثر تواترا على إسرائيل من قبل مجموعات مختلفة تعمل بالوكالة لطهران في المنطقة.
والاحتمال الآخر المثير للقلق، حسب التقرير، هو أن تعطي إيران الضوء الأخضر للميليشيات الوكيلة في سوريا والعراق لاستئناف ضرب القوات الأمريكية والأصول العسكرية في تلك البلدان. تراجعت مثل هذه الهجمات في أوائل فبراير بعد سلسلة من الغارات الجوية الأمريكية التي استهدفت الميليشيات المحلية المدعومة من إيران. وحذر ليستر من أنهم قد يبدأون من جديد. وقال: “لم يكن رد إيران التقليدي على الضربات الإسرائيلية التصعيدية دائما هو ضرب الإسرائيليين، بل كان ضرب الأمريكيين. فمن وجهة نظر إيران فإنهما نفس الشيء”.
أما السيناريو الأسوأ المحتمل الآخر فهو أن يتحول الانتقام الإيراني إلى حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، أقوى جماعة مسلحة تعمل بالوكالة عن إيران.
ويرى الكاتب أن الجهود المبذولة لنزع فتيل التوترات بين إسرائيل وحزب الله على طول الحدود الجنوبية للبنان، تعثرت بما في ذلك الجهود التي بذلها كبار مبعوثي إدارة بايدن، مما حول الحدود الإسرائيلية اللبنانية إلى نقطة اشتعال محتملة رئيسية.
وأضاف أنه منذ أن شنت إسرائيل غزوها لغزة لتدمير حماس بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تبادلت إسرائيل وحزب الله الضربات في صراع منخفض الحدة على حدود إسرائيل مع لبنان. وبحسب الخبيرة كي “فإنه بينما لا يبدو أن أي طرف يريد حربا واسعة النطاق – بما في ذلك حزب الله – فإن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن يتعثرا عن غير قصد في حرب من خلال ردود فعل متبادلة.”
وأكدت كي: “حزب الله هو أهم جهة فاعلة غير حكومية بالنسبة للإيرانيين، فهو قوة الردع النهائية [الإيرانية]، لذا فإن خطر التصعيد هناك أعلى بالتأكيد”.
من جهته قال ليستر: “مما لا شك فيه أنه حتى قبل الغارة الجوية اليوم، كانت التوترات تتصاعد على الحدود الشمالية [لإسرائيل]. وهذا يجعل احتمال حدوث بعض الأخطاء في الحسابات أكبر بكثير مما كان عليه بالأمس”