شرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحقيقا مرئيا حللت فيه صور الفيديو للهجوم الذي نفذه الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي في البلدة القديمة بنابلس، وانتهى بمقتل مدنيين.
وفي التحقيق الذي شاركت فيه هيلي ويلز وكريستيان تريبيت وباترك كينغزلي، قالوا فيه إن القوات الإسرائيلية التي دخلت نابلس يوم 22 شباط/ فبراير، كان هدفها القبض على ثلاثة مسلحين في جماعة فلسطينية اختبأوا في بيت آمن. وعندما اندلع القتال مع الثلاثة، انتشرت الفوضى أبعد من الأهداف المعلنة وإلى الشوارع المليئة بالحركة قريبا من مكان الهجوم. وبعد دقائق من العملية الخطيرة والنادرة التي تجري في وضح النهار، جاءت تعزيزات إسرائيلية جديدة، ودخلت القوات إلى نابلس حيث حاصرت المدينة القديمة وأغلقت مناطق الدخول والخروج إليها.
وعندما دخل الجنود في عرباتهم المصفحة إلى نابلس، استُهدفوا بالحجارة والبرتقال، وأحيانا أطلق مسلحون النار عليهم. وقتل المسلحون الثلاثة في البيت إلى جانب مسلح آخر، لكن في حالات أخرى، تُظهر لقطات الفيديو أن الجنود الإسرائيليون استخدموا القوة القاتلة ضد فلسطينيين عزّل، وقتلوا أربعة أشخاص لم يكونوا يشكلون تهديدا. وكانت حصيلة الهجوم النهائية حسب وزارة الصحة الفلسطينية، استشهاد 11 شخصا، وجرح 100 آخرين، في وقت لم يتحدث الجيش الإسرائيلي عن جرحى في صفوفه.
وجاءت الغارة في وقت تدهور الوضع الأمني بالضفة الغربية. ويقول المسؤولون الفلسطينيون إن الهجوم هو بداية دموية لهذا العام، حيث قُتل 64 فلسطينيا في الشهرين الأولين من 2023 إلى جانب 13 إسرائيليا في الضفة الغربية المحتلة والقدس.
وحصلت “نيويورك تايمز” على تسجيلات كاميرات مراقبة ولقطات فيديو صوّرها شهود عيان، وشهادات من عدة مواقع في مدينة نابلس، وراجعت منشورات ونقلا حيّا من وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل الكشف عن متى وكيف بدأ التحرك القاتل. ورد الجيش الإسرائيلي على طلب من “نيويورك تايمز” ببيان جاء فيه أن هناك عملية فحص لـ”ظروف” المداهمة.
وقبل الساعة العاشرة صباحا، تسلل رجال بدا أنهم جنود إسرائيليون متخفّون إلى منطقة سوق البلدة القديمة في نابلس، حسبما قال شاهدان للصحيفة. وشاهدت الفلسطينية سحر زلوم (63 عاما) شخصا غريبا يرتدي ثوبا رماديا تحت معطف، و”سألته إن كان يريد شيئا”، وعندها أخرج بندقية وقال لها: “روحي على البيت”.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الجنرال ريتشارد هيشت، إن الجيش قرر القيام بالمداهمة نهارا -حيث تكون الشوارع مكتظة بالمدنيين- لأنه كان عليهم التحرك سريعا بعد الحصول على معلومات حول مكان المسلحين.
وقال عمر شاكر، مدير إسرائيل وفلسطين في منظمة هيومان رايتس ووتش: “في مدينة نابلس، أنت أمام مداهمة حدثت في النهار، وهي مختلفة عن التصرفات الأخرى”، مضيفا: “يبدو أن نتيجة هذه المداهمة، كان هناك عدد كبير من المصابين”.
وتظهر لقطات الفيديو جنودا إسرائيليين يشقون طريقهم مشيا في سوق مزدحم ويتخذون مواقع في بيوت وعلى الأسطح المحيطة بالبيت الذي اختبأ فيه المسلحون الثلاثة من جماعة عرين الأسود. وعندما رفضوا الاستسلام، اندلع قتال استمر لعدة ساعات. وبحلول الساعة العاشرة والربع صباحا، دخلت تعزيزات عسكرية إلى نابلس من المدخل الرئيسي، وبدأت الحشود الغاضبة من وجود القوات الإسرائيلية بالتجمع. ومن الناحية الفنية، فنابلس خاضعة لسيطرة الفلسطينيين، لكن القوات الإسرائيلية تدخل المدينة بحثا عن عناصر مجموعة “عرين الأسود” والتي يتهمها الإسرائيليون بالنشاطات الإرهابية.
وفي تقاطع لا يبعد إلا ربع ميل عن البيت المستهدف، بدأت مجموعة برمي الحجارة وأشياء أخرى على القافلة العسكرية المارّة، وعندها انحرفت واحدة من السيارات العسكرية فجأة باتجاه التجمع وكادت أن تدهس عددا من الناس في الشارع. ويقول القيادي في وسط نابلس عميد المصري: “لا يهتمون لو أصابوا المدنيين”.
وتظهر صور التقطتها كاميرات المراقبة من محل قريب، أن أحدا من الجمهور المحتشد لم يكن يملك أسلحة. ويقول الجيش الإسرائيلي معلقا، أن سائق السيارة ربما فقد السيطرة عليها نظرا لرمي الحجارة المكثف. وتظهر لقطات من كاميرا مراقبة، مقاتلا فلسطينيا، هو مصعب عويس، وهو يصوب بندقيته على عربة إسرائيلية واقفة في الجانب الآخر من الشارع، قبل أن تُطلق النار عليه ويسقط على الأرض. وسارع عدد من الأشخاص لمساعدته، وحمل شخص بندقيته وتم تبادل إطلاق النار، وحملوا عويس الذي مات لاحقا في سيارة الإسعاف.
في هذا الوقت، كانت العربات العسكرية قد تمركزت حوالي نصف ميل على طول الطرف الجنوبي للبلدة القديمة، ودفعت سيارة عسكرية إسرائيلية سيارةً مدنية نحو الجدار. واخترقت عربة أخرى حاجزا فولاذيا من حاويات القمامة على التقاطع، وكادت أن تدهس مدنيا قبل أن تصطدم بالبناية. وبعد عشرين دقيقة، تقدم محمد العينبوسي (24 عاما) نحو التقاطع، ومن خلف عربة واقفة في الشارع، أطلق النار باتجاه العربة العسكرية الواقفة هناك. كما تظهر لقطات فيديو سجلت على هاتف نقال وحصلت عليها الصحيفة. وأطلق جندي في العربة ومن على بعد 85 ياردة على العينبوسي الذي كان يختفي وراء السيارة. ويبدو أنه أصيب بجرح في رجله.
وتكشف الصور التي حصلت عليها الصحيفة، السيارة التي اخترقها الرصاص بشكل كثيف. وطلب العينبوسي المساعدة، وجاء رجل آخر وهو جاسر قنير للمساعدة. وبعد دقيقة بدأ الرجلان بالركض بعيدا عن العربة الإسرائيلية. وكان العينبوسي يعرج. ولم يكونا يمثلان تهديدا للقوات الإسرائيلية عندما أُطلقت النار عليهما من الخلف.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن الحادث تحت التحقيق. وقال عمر شاكر، من هيومان رايتس وووتش: “من الصعب النظر عبر اللقطات كيف كان محمد العينبوسي وجاسر قنير يمثلان أي تهديد.. أقل تهديدا على الحياة الذي يبرر القوة الفتاكة حسب القانون الدولي، في اللحظة التي أطلقت القوات الإسرائيلية النار وقتلتهما”. مضيفا: “هذا مثال آخر عن استخدام القوات الإسرائيلية القوة المفرطة”. وارتمى العينبوسي وقنير على عتبة بيت بلا حراك، ويبدو أن قنير مات برصاصة في الرأس، وفي فيديو التقط بعد دقائق، ظهر العينوسي وسط بحر من الدم النازف من صدره. تتحرك العربة العسكرية للأمام ثم تتراجع.
وقال خالد اللداوي الذي ساعد في سحب الجثث، إن قنير مات مباشرة، أما العينبوسي فقد مات مع وصول سيارة الإسعاف. وبدأت العربات العسكرية، الآن، حيث كان الوقت هو 12.30 بعد الظهر بالانسحاب من نابلس. ويظهر فيديو عملية إطلاق النار على اثنين من المارة وقتلهما.
وكانت جماعة تراقب الوضع في منطقة واقعة بين عيادة الرحمة والمسجد، وبدا رجل يقف في الزقاق بعيدا عن الجماعة حيث أطلق النار على العربات الإسرائيلية المارة. وركض المسلح باتجاه الفناء الذي يقف فيه الآخرون. وعادت عربتان ومرّتا من أمامهم، وأطلقت النار على الجمهور الواقف. وقال متحدث باسم الجيش، إن الجنود كانوا يردون على إطلاق نار حي.
وأدى وابل الرصاص لمقتل خالد الأشقر البالغ من العمر 65 عاما، والذي كان خارجا من المسجد، ومحمد شعبان (16 عاما) حسب ثلاثة موظفين في عيادة طبية تحدثوا للصحيفة.
وقالت سارة هاريسون، المحامية السابقة في البنتاغون، وتعمل الآن مع مجموعة الأزمات الدولية: “لو نظرت إلى هذا بشكل موضوعي، فمن الواضح أن القوات الإسرائيلية خرقت قانون حقوق الإنسان عبر إطلاق عشوائي للنار على المارة، وقتلت أشخاصا لا يمثلون تهديدا”. وقالت إنه يجب، حسب القانون، على المسؤولين الأمريكيين تقييم اللقطات والتأكد من أن الوحدات العسكرية الإسرائيلية مؤهلة للحصول على الدعم الأمني الأمريكي.
وقال الجيش الإسرائيلي: “يجب ملاحظة أن هذا حدث عملياتي جرى فيه إطلاق الرصاص الحي بكثافة”، وإلى “جانب الشغب العنيف الذي حرّض عليه ورمى المشتبه بهم الحجارة والمولوتوف والمواد المتفجرة على الجنود”.
وفي البيت الآمن، وبعد ساعة من القتال، كان المسلحون الثلاثة الذين أراد الجيش اعتقالهم ميتين، وكذا سكانٌ مدنيون. ويظهر فيديو عدنان بعارة (72 عاما) ميتاً على الأرض.