اجتاح فيديو للاجئة فلسطينية تغني ترويدة تقول: «شدّوا بعضكم يا أهل فلسطين» مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة.
ويأتي فيديو الحاجة حليمة، وهذا هو اسم السيدة الفلسطينية المقيمة في أحد مخيمات اللاجئين في الأردن، ضمن سلسلة بصرية تحمل عنوان “لحظة من مخيم”، أطلقته صفحة تحمل اسم «سما القدس».
وتقول الحاجّة، التي ظهرت ترتدي الزي الفلسطيني التراثي، في أغنيتها: «شدّوا بعضكم يا أهل فلسطين.. شدوا بعضكم/ ما ودَّعتكم، رحلت فلسطين، ما ودعتكم/ على ورق صيني لأكتب بالحبر على ورق صيني/ يا فلسطينِ، عَ اللي جرى لك يا فلسطينِ».
ويبدو أن الفيديو/ الأغنية سرعان ما التُقط من فلسطينيين من أماكن مختلفة في دول الشتات ليعيدوا الاشتغال عليه من جديد. فقد أعيد مونتاج الفيديو ليظهر البعض مرددين الأغنية إلى جانب الحاجة حليمة، فيما أضاف البعض لمسات موسيقية وغنائية للترويدة. ما يوحي بأن الفيديو مستمر بالانتشار، ليضع كل بصمته على الفيديو من جديد.
وأمام نجاح الترويدة/ الأغنية أطلقت صفحة «سما القدس» هاشتاغ “شدوا بعضكم”، و”شدوا بعضكم يا أهل فلسطين”، كما أطلقت الحاجة حليمة صفحتها على تطبيق “تيك توك” الشهير.
ويظهر للحاجة حليمة مجموعة من الفيديوهات على شبكة الإنترنت وهي تتحدث بطلاقة عالية من دون ملل عن فلسطين وقريتها بيت اكسا قضاء القدس، التي هُجّرت منها في عمر 10 سنوات.
وقبل أيام دشنت الحاجة حليمة سليمان حساباً لها في موقع “تيك توك” للفيديوهات القصيرة، وذلك بعدما لقيت أغنيتها القصيرة “شدّوا بعضكم يا أهل فلسطين” شهرة واسعة وإعجاباً كبيراً.
ومنذ عام 1961 تقطن الحاجة الفلسطينية حليمة الكسواني، البالغة من العمر 84 عاماً، في مخيم الزرقاء بالأردن.
أصل الترويدة
تنتمي أغنية الحاجة حليمة إلى نوع من الغناء يسمى “الملولة الفلسطينية” أو الترويدة، وهي نوع من الفلكلور الفلسطيني كلماته بنيت لتبدو شيفرة غير مفهومة. لكن مضمونها يعكس معاني مختلفة من الحزن والشوق والحب.
وعبر مراحل من التاريخ استخدم الفلسطينيون أغاني تضمنت كلمات غير مفهومة، في ما يصنف على أنه لغة تم اختراعها حتى لا يستطيع المستعمر البريطاني فك شيفراتها وفهمها. واستمر الفلسطينيون يتعاملون بتلك الشفرة حتى بعد النكبة، وإلى الآن يوجد كثير من سكان المخيمات يجيدون التحدث بتلك اللغة بطلاقة.
ويقوم أحد أنواع الترويدة على أساس قلب الحرف الأخير من كل كلمة وإضافة حرف اللام في نهايتها. بحيث تبدو، للوهلة الأولى، وكأن كلماتها أشبه بتعويذة.
وبحسب مصادر فلسطينية فقد بدأت القصة عام 1936 مطلع الثورة الفلسطينية الكبرى عندما عمد الانتداب البريطاني إلى قطع كل أساليب التواصل بين الثوار وبين القرى ومحيطها، عندئذٍ ابتكرت النسوة طريقةً لإيصال الأخبار إلى الثوار بتشفير الغناء، وكانت تلك الطريقة تعرف باسم الترويدة.
وبحسب المؤرخ الفلسطيني الدكتور عبد اللطيف البرغوثي فإنه من الصعب تحديد الفترة التي ظهر فيها هذا النوع من الغناء، لكن يُرجح أنه ظهر مع نهاية العهد العثماني، وبداية ما يُعرف بالانتداب البريطاني، وهي “أغان حزينة مملوءة بالدموع والحداد”.
آراء محتفية
وقالت الناشطة عبير الخطيب: “لقد أعادت الحجة حليمة لذاكرتنا ولذاكرة الأحرار النكبة والتهجير والمفتاح، وقضية اللجوء وحلم العودة للبلاد فقط من خلال ترويدة من شطرين»، لقد استطاعت الحاجة حليمة في أغنية أن «تغزو عالم الفن والفنانين العرب بصوتها العذب، حيث قلدها مئات الفنانين ونشطاء السوشال ميديا».
أما الباحث البيئي والناشط عُمر عاصي فكتب يقول: “ما أجمل الحجة حليمة صاحبة “شدّوا بعضكم..”، كأنها بُعثت لتقول كلمتها في لحظة تاريخية تعيش فلسطين فيها لحظات صعبة. الجميع من كل الأجيال يُردد خلفها. في التيك توك، وفي الشارع، في حيفا، وفي نابلس، الجميع يكرر خلف بنت قرية بيت إكسا المهجرة”. ووجّه التحية الخاصة لكل من يغوص في عوالم الكبار من أجل إخراج الجواهر والكنوز، كما وجّه نداء لكل من يستطيع أن يقابل كبار فلسطين بحيث عليه أن ينزل للميدان ليقابلهم، مشدداً على أنه “وبعد 10 أعوام على الأكثر فإنه لن نجد بيننا من عاش في فلسطين قبل 1948”. وأضاف: “شدّوا حالكم بتوثيق كنوز كباركم.. قبل فقدانهم!”.
وقالت الناشطة إسراء الشيخ: “أكثر ما لفت نظري ذاكرتها الحية المنتصرة على عوامل الحتّ والتعرية عبر الزمن، فالحجة من مواليد 1938 وحين حدثت النكبة كانت تبلغ من العمر عشر سنوات فقط، أي أنها عاشت عشر سنوات فقط في قريتها المقدسية بيت اكسا، ومع ذلك فهي تذكر تفاصيل الأرض والجغرافيا وأسماء الجيران ومعلميها، بل وحتى اسم لحام القرية”.
وأضافت: “تذكرني هذه الحجة بأجدادي الذين كانوا يتحدثون عن أزقة قراهم الفلسطينية ويصفون حاراتها وبيوتها ودكاكينها ومذاق الزيت والزيتون فيها، كما لو أنهم خرجوا منها بالأمس فقط ..الحقيقة أن الأمر يحتاج إلى وقفة وتأمل بحياة الإنسان القروي الذي استطاع أن يبني علاقة وثيقة مع الأرض وانغمس بتفاصيل زمانه ومكانه وكان يعيش اللحظة برمتها، عكس جيلنا الذي سرقته كثرة المدخلات والمشتتات العقلية فلم يعد قادراً على تأمل ما يمر أمام عينيه بكافة تفاصيله”.
وتابعت: “تشبثوا بهؤلاء الذين ينطقون بما لا تحكيه الكتب، ولا تسقطه غلبة المنتصر أياً كان”.
أما الأكاديمي الإعلامي نادر صالحة، من جامعة القدس أبو ديس، فيقول إن “الـ 29 ثانية الأولى للحاجة كانت مذهلة، جارفة، واجتياحية، وفعلت فعلها لصدقها وعفويتها وتوقيتها”.
وأضاف: “لا تفسدوا اللحظة بإنتاج ألبوم كامل للحجة ومقطع جديد كل ٥ ساعات!”.
وهو ما يتوافق معه الباحث والإعلامي معز كراجة، الذي علق قائلا: “كان مقطعاً عفوياً ومؤثراً للحاجة وهي تغني. يمكن أن يكون لسياق الأحداث في الضفة دور كبير في انتشاره. وكأن الناس بتقول “اجت بوقتها يا حجة”.
وأضاف: “لكن، جداً مبتذلة ومقززة حالات استغلال الحجة، خاصة من “الشركات” ومن “السياسيين”.. كلما تأتي أحداث تعيد الأشياء لعفويتها وجمالها في هذا البلد، كلما تعود المنظومة البائسة لفرض هيمنتها وتحاول تسرق أي شي بتقدر عليه”.