في النقب او شرم الشيخ او المريخ لا تدعوهم يخدعوكم..كمال خلف

ما هي اللحظة السياسية الطارئة او الجديدة على مستوى الإقليم التي استدعت عقد هذا الكم من الاجتماعات والقمم ، وجعلت إسرائيل والولايات المتحدة تنشطان لإحياء  مشاريع بالية ، وبناء تحالفات باهته ، وتسويقها باعتبارها إنجازات واختراقات ونجاحات تاريخية ؟ . بكل ثقة يمكن ان نؤكد ان كل ما تم تسويقه للراي العام العربي وحتى الإسرائيلي هو معاكس للواقع ولحركة التغييرات في الإقليم . والواقع يقول ان أسباب هذه المسرحيات السمجة تتمثل في امرين أساسيين : الأول محاولة الولايات المتحدة تأكيد حضورها في الشرق الأوسط ، وبعث رسالة لحلفائها ان تخفيف التزاماتها في المنطقة لا يعني انها تخلت عنهم . وذلك بعد ان لمست تفلت الحلفاء وعدم ثقتهم بالإدارة الامريكية  ونسجهم خيوط تواصل مع خصوم الولايات المتحدة الدوليين ” روسيا والصين ” ، والشروع في خفيف التوتر بينهم وبين ايران . كل هذا لا يغير من حقيقة ان واشنطن تسعى لتحييد ايران وفك عقد التشابك معها ، للتفرغ  لما تعتبره الأهم بالنسبة لها وهو مواجهة الصين وروسيا . لذلك من المؤكد ان المسار العام للسياسية الامريكية هو تهدئة الجبهة مع ايران ، وليس تفعيل المواجهة ورفع منسوبها ، وبالتالي حلفاء أمريكا يبتلعون الخدعة كما نظرائهم السابقين الفارين  .

 والامر الاخر هو الخوف الذي بات السمة الملازمة  لإسرائيل ، وعدم يقينها بمستقبل الدولة الصهيونية ، في ضوء ازماتها الداخلية ، وتصاعد المقاومة في الضفة والأرض المحتلة عام ٤٨ ، وتنامي قدرات اعدائها في المحيط القريب ” غزة ، وجنوب لبنان ” ، والبعيد ” العراق ، واليمن ” ، وابتعاد الولايات المتحدة الحليف العضوي عن الشرق الأوسط ، بالإضافة الى التحولات في بنية النظام العالمي والتي من غير المعروف الى الان ما هي مآلاتها .
سوقت إسرائيل بنجاح اجتماع وزاري عديم الفائدة على انه قمة تاريخية ، وابتلع الاعلام العربي الطعم ، وسوقت بانه تحالف موجه ضد ايران ، وهو لم يكن كذلك . مصر قالت بوضوح وعلى لسان وزير خارجيتها “سامح شكري” المشارك بالاجتماع المسمى زورا ” قمة ”  بانها غير معنية بالدخول في تحالف ضد احد . القاهرة وطهران على رغم من العلاقات الفاترة ، الا ان البلدين يحرصان تاريخيا  على عدم خوض مواجهة مباشرة بينهما ، او التصعيد .
الامارات في هذه اللحظة تسعى لتحسين العلاقات مع ايران ، وجهدت في طمأنة القادة في طهران بانها لن تكون منطلقا لتهديد الامن القومي الإيراني باي شكل من الاشكال ، والمغرب البعيد لا ناقة له ولا جمل في مواجهة ايران ، فمن بقي ؟ واي حلف هذا الذي تتحدث عنه إسرائيل باعتباره تاريخيا . اكثر ما يمكن ان تقوم به تل ابيب الان هو الإفلات من التصعيد الكبير القادم في مدن الضفة ، وتأثيراته المحتملة على الوضع في مدن ٤٨ ، واحتمالية تحرك المقاومة المسلحة في غزة لخوض نزال جديد على غرار معركة سيف القدس .
علينا جمعيا ان ندرك ان التحولات والتغييرات المرتقبة لا يتحكم بمسارها اجتماعات ،  وقمم ، وصور تذكارية ، ودعاية إعلامية ، وجلب مسؤولين عرب بالهاتف الى النقب ، ليتحدثوا عن علاقة الحب غير الشرعية مع الاحتلال  . انما من يحكم حركة التغيير هو المعطيات الميدانية العملية .
بدءً من تصاعد العمليات الفدائية في فلسطين المحتلة وتطورها ، و رضوخ إسرائيل لارادة الاسرى في سجون الاحتلال ، وحالة الضعف والتفكك التي بدات اعراضها تظهر على دولة الاحتلال ، مرورا بتنامي القدرات العسكرية والحضور لقوى محور المقاومة ،   والاتفاق النووي في فيينا وتداعياته على مجمل الإقليم ، وإعلان فشل حرب اليمن والشروع بوقفها ، وخسارة الولايات المتحدة حضورها في الشرق الأوسط بل في كل منطقة غرب اسيا ، و انتهاء بمسار الحرب في أوكرانيا ونتائجها على النظام الدولي وبالتالي على الإقليم  .  هذه مؤشرات مسار التحولات الحقيقة والفعلية ، وماعدا ذلك اجترار لوصفات بائدة تجاوزها تيار المياه الجارفة .
الامر المؤسف في هذا المشهد برمته هو الحالة التي وصلت اليها الأنظمة العربية ، حيث باتت مسلوبة الإرادة والقرار ، وتابعة وخاضعة  لمشاريع واجندات الاخرين بشكل غير مسبوق في تاريخنا الحديث ، وتفتقر للهوية و المشروع ، بل وبعضها يعلن انقلابه على تاريخ الامة ، ويريد تغيير السردية كلها منذ احتلال فلسطين عام ٤٨ لصالح إسرائيل ، العصابات  التي احتلت دولة عربية ،  وهجرت شعب عربي ، وارتكبت افظع المجازر في التاريخ المعاصر بالشعب الفلسطيني والشعوب العربية ، ومازالت على نفس النهج حتى اليوم .
لا تدعوهم يخدعوكم  ، باجتماعات ، وقمم ، تظهر إسرائيل بانها تقود المنطقة ، لا يوهموكم ان العرب تصالحوا مع إسرائيل وان القضية الفلسطينية انتهت وباتت قضية إسرائيلية داخلية ، وان إسرائيل باتت دولة طبيعية في المنطقة ، وان الصراع معها انتهى . هذا ما يسوق له الاعلام العربي المُسيطر عليه ، والنخبة المأجورة التي تعمل كخدم وليس ككتاب وصحفيين . الحقيقة ان ضمير الامة مازال حيا ، وان إرادة الشعوب لم تتغير ، والاهم ان في الامة رجال يصنعون مستقبلها بالعرق والدم ، والقبض على الجمر . وهم من سيصنعون التاريخ المقبل وقريبا قريبا جدا .
كاتب واعلامي