في ذكراهم ..ألم ذلك اليوم البعيد ..د.محمد المصري

مثل كل عام، في هذا اليوم الأليم، لا يمكن للذكرى ان تغادر او تبرح قلبي ووجداني، اذ لا يفقد الانسان احباءه بهذه السهولة وهذه السرعة، لا يمكنني ابداً ان اتناسى او أنسى ان في مثل هذا اليوم قامت شرذمة شريرة بقتل شقيقي وابنه وابن أخي في عملية اغتيال جبانة في وضح النهار. لا يمكن لي ان أنسى الألم والحزن، ولا يمكنني ان اتخلص من حرقة القلب التي اصابتني في ذلك اليوم، وانا أقف امام كل هذا السوء على كل الأصعدة، سوء الانقسام وسوء الأوضاع وسوء الأفكار وسوء السلوك وسوء الكلام. لا يمكنني ان اتجاوز ذلك الحادث الأليم بمجرد تقادم الزمن او تقلب الأيام، ذلك ان حادثة الاغتيال تلك لم تكن حادثة فردية او عشائرية مهما بدت انها كذلك، فهي جريمة بحق كل ما آمنا به وعملنا من اجله وناضلنا لتحقيقه، كانت عملية اغتيال للتطور التاريخي والجهد المنظم البطيء ولكن المستمر، كانت عملية اغتيال لكل ما قام به المناضلون وقدمه الشهداء طيلة المسيرة كلها، كانت عملية اغتيال تم من خلالها اغتيال قطاع غزة واختطافه ايضاً. كانت عملية تم فيها اغتيال الأطر والهياكلوالمؤسسات والمرجعيات، ولهذا، ورغم الألم الحارق الذي ما زلت أعيش في اتونه طيلة كل السنوات، فأنني اضع حالة الاغتيال هذه ضمن صورة أكبر وأعم وأشمل، لأعزي نفسي بالقول ان الشهداء الثلاثة الذين هم من لحمي ودمي وعظامي كانوا جزءاً من عملية تحول كبير نحو المجهول، يقوده افراد ارتهنوا كل شيء بيد الاخرين واهداف الاخرين واجندات الاخرين.

استذكر ذلك اليوم، الحادي عشر من شهر يونيو عام 2007، ولم تسعفني الظروف بسبب طبيعة الموقع بأن ارى بعيني الجثث الثلاثة الطاهرة وهي مسجاة معفرة بالدم والتراب. واضع يدي على قلبي لأصرخ من أعماقي: الوطن أيها الناس! الوطن أغلىواعلى وأقدس من كل المناصب والرواتب، وهو أكبر من كلالشعارات والرايات والغايات.

الوطن، نعم، وهو الذي لا معنى لوجودنا بدونه، ولا كرامة لنا بغيابه او اختطافه، ولهذا فإن الانقسام تحت الاحتلال جريمة، واستمراره فضيحة، وتعميقه او رعايته او تغذيتة خطيئة، والسكوت عنه والتكيف معه انما هو خدمة مجانية لاستمرار الاحتلال وإراحته من كل كلفته.

استذكر هذا اليوم الأليم ليس لتجميد الألم او إبقاء الذكرى الساحقة وانما لأقول لشعبي كل الانقسام وكل ما تفرغ عنه من أوضاع ووقائع انما هي تأخير للحرية والاستقلال والدولة وضخ للدماء في شرايين وعروق الاحتلال الذي يرى في انقسامنا نجاحاً لكل ما خطط له.

وبعد كل هذا، وبعد مرور ستة عشر عاماً على نكبة الانقسام، هل من عاقل لدى هؤلاء كي يراجع ما تم فعله، او يتراجع عن مشروعه.. نأمل ذلك خاصة بأن العالم يتغير وهناك مصالحات جرت بالإقليم، وستجري مصالحات مُهمة تساعدنا على العودة لتحقيق وحدتنا من اجل كنس الاحتلال ونيل الإستقلال.