لا تكمن مسألة رفض زيارة الرئيس الأمريكي بايدن الى المنطقة بسبب الدعم الاستراتيجي الأمريكي لإسرائيل فقط، بل تكمن أيضًا في أسبابها الرامية الى الحصول على حصة كبيرة من النفط والغاز من بلدان الخليج وذلك بهدف الاستغناء استراتيجياً عن الوقود الروسي الذي يزود معظم بلدان أوروبا وبعض بلدان العالم.
تأتي زيارة الرئيس بايدن في سياق استثمار كافة جهود الولايات المتحدة من أجل مواجهة روسيا وتعزيز الحصار الاقتصادي عليها وفي مواجهة الصين على المستوى البعيد.
وتأتي ايضًا للتمهيد لتأسيس حلف ناتو شرق اوسطي تكون إسرائيل بالمركز منه وتحت ذريعة مواجهة ما يسمى “الخطر الإيراني”.
وعليه، فالقضية الفلسطينية لا تحظى بالأولوية بهذه الزيارة حيث تسعى الإدارة الامريكية الى تعزيز مفهوم السلام الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة في تفاهم مع حكومة الاحتلال الى جانب إجراءات بناء الثقة.
لا تقاس إمكانية نجاح الزيارة على المستوى الفلسطيني بقيام الإدارة الأمريكية بتنفيذ ما وعد به الرئيس بايدن أثناء حملته الانتخابية والتي تكمن بفتح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية وإعادة افتتاح مكتب م.ت.ف في واشنطن ورفعها من قائمة الإرهاب حيث أنه حتى لو تم تنفيذ ذلك فإنها ستبقى إجراءات شكلانية وتجميلية ما دامت الإدارة الامريكية مستمرة بالتحيز لدولة الاحتلال وآخر الملاحظات على ذلك تقرير وزارة الخارجية بخصوص الشهيدة الصحفية شيرين أوعاقلة التي برأ جنود الاحتلال من هذه الجريمة رغم تأكيد العديد من وكالات الأنباء الأمريكية ومنها سي ان ان، واسوشيتد برس إضافة الى العديد من التقارير الدولية الصادرة عن منظمات حقوقية وإعلامية أوروبية وأمريكية وعالمية.
تردد الإدارة الأمريكية على لسان مسؤوليها شعار حل الدولتين دون أن تمارس أي ضغوطات على حكومات الاحتلال وخاصة بما يتعلق بغض النظر عن الاستيطان الذي تقوم به دولة الاحتلال بصورة كثيفة وبغض النظر عن مصادرة الأراضي وهدم المنازل والاعدامات الميدانية والتنكيل بالأسرى وتهويد القدس وحصار قطاع غزة والتمييز العنصري الممارس من قبل دولة الاحتلال.
وعليه ونتيجة مخاطر هذه الزيارة بأبعادها الإقليمية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية خاصة أن الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي يطمح الى الحصول على أصوات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة (وخاصة الايباك) من أجل ضمان هذه الأصوات سواء بانتخابات الكونغرس و بالانتخابات الرئاسية القادمة.
من الهام استثمار التحولات الكونية بما يتعلق بالإمكانيات الجادة بتغيير العالم المبني على الأحادية القطبية من خلال صعود كل من روسيا عسكرياً والصين اقتصاديًا وتذمر العديد من البلدان بما فيها بعض بلدان أوروبا من استمرارية السيطرة الامريكية الأمر الذي يتطلب إدراك هذه المتغيرات وإعادة صياغة منظومة العلاقات والتحالفات الفلسطينية على النقيض من الحلف الأمريكي الإسرائيلي.
لقد تم تجريب الرعاية الامريكية لاتفاق أوسلو وللمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية مروراً بواي ريفر وكامب ديفيد وانابولس وغيرها من الجولات حيث أثبتت الإدارات الأمريكية المتعاقبة انحيازها اللامحدود لدولة الاحتلال وعدم اكتراثها بأوضاع الشعب الفلسطيني التي تنتصر له قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني.
ان المعالجة الأمثل لتفاعلات زيارة الرئيس بايدن تكمن بتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي ومخرجات اجتماع الأمناء العامين الذي عقد بين رام الله وغزة في 3/9/2020 من خلال وقف الاعتراف بدولة الاحتلال وكذلك وقف العمل بالتنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي والاعلان عن الإدارة الامريكية أنها ليست وسيطاً نزيهًا لأية مفاوضات حيث يجب أن يتركز الرهان على العامل الذاتي الفلسطيني من خلال تغيير موازين القوى عبر تعزيز الصمود والمقاومة الشعبية وتشكيل قيادة وطنية موحدة لإدارة دفة الصراع في مواجهة الاحتلال.
ليس مطلوباً مطالبة الرئيس بايدن بفتح أفقًا سياسياً علماً بأن المطلب الفلسطيني كان يكمن بقيام الإدارة الامريكية والمجتمع الدولي بإنهاء الاحتلال والاستيطان وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعودة.
ان الحديث عن الأفق السياسي يعني إعادة تكرار نموذج المفاوضات الذي جُرّب لحوالي 29عامًا ولم يحصد الشعب الفلسطيني منها أية نتائج مثمرة بل استغلتها إسرائيل لفرض الوقائع الاستيطانية على الأرض وتكريس منظومة المعازل والبنتوستانات.
وعليه، فمن الهام عدم الرهان على زيارة الرئيس بايدن والعمل على إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية الفلسطينية عبر الانتخابات وعبر إعادة بناء ودمقرطة المؤسسات التمثيلية الفلسطينية.