على عكس ما أعلنت الأمم المتحدة بأن قرار مجلس الأمن رقم 2728، الداعي لوقف إطلاق النار في غزة «ملزم»، صدمت تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيوميلر، الرأي العام الدولي، عندما اعتبر أن القرار «غير ملزم»، وهو الأمر الذي فجر خلافات قانونية، وضرب حالة التفاؤل النسبي التي سادت بشأن إمكانية إقرار «الهدنة» خلال شهر رمضان، خصوصا أنه أول قرار يصدر عن المجلس يطالب بـ«وقف فوري» لإطلاق النار بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت وعدم استخدامها حق النقض (الفيتو).
هذا التناقض ما بين الموقف الأممي الذي اعتبر القرار «ملزم» والموقف الأمريكي الذي رأى أنه «غير ملزم»، يدفع إلى التساؤل حول البند الذي استند إليه القرار في ميثاق الأمم المتحدة، وهل هو البند السادس أم السابع؟، وماهو مدى الإلزام في القرار الدولي ؟.
في هذا السياق، انتقد أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعية الأمريكية للقانون الدولي الدكتور محمد محمود مهران، التصريحات الصادرة عن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية والتي شككت في الطبيعة الإلزامية لقرار مجلس الأمن، مؤكدا أنها تتناقض بشكل صارخ مع أحكام القانون الدولي والتزامات الولايات المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن.
وقال في تصريحات لـ«»: إن هذا الموقف يعكس ازدواجية خطيرة في المعايير ويقوض الجهود الدولية لتحقيق السلام في المنطقة، مشدداً على أن الامتثال لقرارات مجلس الأمن واجب قانوني غير قابل للتصرف على جميع الدول دون استثناء وليس خياراً فردياً، محذراً من أن القول بغير ذلك يهدد الأمن والسلم الدوليين.
واستشهد الخبير الدولي بنص المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص بوضوح لا لبس فيه على «تعهد الدول الأعضاء بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها»، مؤكداً أن ذلك يحسم الجدل حول إلزاميتها خصوصا تلك الصادرة تحت طائلة الفصل السابع المتعلق بحالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان.
ولفت إلى أن المادتين 41 و42 من ميثاق الأمم المتحدة تمنحان مجلس الأمن صلاحيات واسعة لفرض تدابير قسرية تتدرج من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية وصولاً للتدخل العسكري المباشر ضد الدول الممتنعة عن الامتثال، وأن عدم الالتزام يشكل بحد ذاته تهديداً للسلم والأمن الدوليين.
وحذر الدكتور مهران من الطعن في شرعية وإلزامية هذه القرارات، لأنه يشكل سابقة خطيرة تفتح الباب أمام الفوضى والتصرفات الأحادية في العلاقات الدولية، وتشجع على التمادي في انتهاك القانون الدولي دون خوف من المساءلة، ما ينذر بتقويض كامل للنظام العالمي القائم ومصداقية الأمم المتحدة.
وطالب الولايات المتحدة بمراجعة موقفها والتراجع عن أي تلميحات من شأنها النيل من سلطة مجلس الأمن، محذراً من أن ذلك يتناقض مع مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة التي أنشئت لإرساء السلم والأمن وفض النزاعات بالطرق السلمية، ويتعارض مع التزاماتها كعضو دائم وفقاً للمادة 24 التي تلقي على المجلس مسؤولية رئيسية بالحفاظ على السلم نيابة عن سائر الأعضاء.
وفي سياق متصل، دعا مهران المجتمع الدولي إلى التحرك والضغط على إسرائيل للامتثال لقرار وقف إطلاق النار دون قيد أو شرط، مؤكداً على دور القوى الفاعلة والمنظمات الإقليمية والدولية في دعم جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني المحاصر.
ولفت الخبير الدولي إلي أهمية قرارات مجلس الأمن، مشددا على أنها تشكل ركيزة أساسية لمنظومة الأمن الجماعي وصمام أمان ضد الحروب والنزاعات، وحذر من أن المساس بإلزاميتها يقوض فرص تحقيق السلم والعدالة ويهدد النظام الدولي بأسره، مؤكدا على ضرورة إنفاذها بحزم دون انتقائية أو مواربة صوناً لمصداقية الأمم المتحدة وقدرتها على أداء دورها في حماية حقوق الشعوب وإرساء دعائم الأمن والاستقرار العالميين.