ناحوم برنياع -يديعوت أحرونوت
في ساعة كتابة هذه السطور، لم يكن جواب حماس على الاقتراح المصري قد وصل. عندما تكون دولة كاملة تنتظر أياماً وليالي بطاقة خلاف من أحد ما، هو يحيى السنوار، فثمة ما يشهد على خطورة وضعنا. كل من وزراء كابنيت الحرب ينتظر البطاقة مع أمله الخاص. غالانت، غانتس، آيزنكوت ودرعي يتمنون جواباً إيجابياً؛ رون ديرمر يتردد، إذ يصعب عليه الخروج عن مجال القرار الضيق الذي تركه له سيده. ليس صدفة أنه يسمى “بيبي الصغير”. أما نتنياهو فإذا ما قال أحد ما إنه يتمنى جواباً سلبياً، فسينفي بحزم. يكفي إذا قلنا إن جواباً سلبياً من حماس سيسهل عليه الحال جداً مع سموتريتش وبن غفير، ومع القاعدة، ومع العائلة، مع البيت الأبيض. نتنياهو ولي يحب أن يقوم الآخرون بمهمته.
عندما نسأل نتنياهو لماذا امتنع عن إصدار الأوامر لتقويض حماس، يرد أنه أراد أن يفعل هذا، لكن ما كان يمكنه فرض رأيه بغياب إجماع في الكابنيت والقيادة الأمنية. التفسير أصيل: في إسرائيل صعب جداً على رئيس وزراء أن يأمر بعملية حربية بخلاف رأي قادة الجيش. بن غوريون فعل ذلك في المعركة على القدس في 1948، لكن هذا كان منذ زمن بعيد ولبن غوريون
الخميس الماضي، لقي نتنياهو إجماعاً. كابنيت الحرب اجتمع للبحث في الاقتراح المصري، وأيد تحقيق الاقتراح كل قادة أذرع الأمن: رئيس الأركان، رئيس “الشاباك”، واللواء نيتسان ألون، الذين يمثلون الجيش في المفاوضات، ومثلهم أيضاً رئيس الموساد دادي برنياع؛ أي أعضاء الكابنيت، بمن فيهم ديرمر. أناس كانوا في الغرفة أخذوا انطباعاً بأن نتنياهو فوجئ وقلق. من ناحيته، اصطدم بكمين مخطط، مؤامرة، منذ ذاك اليوم لم يعقد كابنيت الحرب ولا الكابنيت الموسع، الذي يقوده سموتريتش وبن غفير.
رفح الخدعة الإسرائيلية
عناوين الصحف لخصت الجدال في ثلاث كلمات: مخطوفون أو رفح؛ أو، بصياغة توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” الرياض أو رفح. التلخيص لم يجسد للقارئ عمق المعضلة وعرضها. رفح بعيدة عن أن تكون ما درج على الاعتقاد؛ بخلاف الأشهر الأولى من الحرب، المخطوفون في هذه اللحظة على رأس جدول الأعمال، لكنهم ليسوا وحدهم؛ فالرياض أيضاً ليست كما يعزى لها.
سأحاول الشرح: هذا الأسبوع قرر الجيش توسيع المنطقة التي يفترض أن تستوعب المليون نازح فأكثر ممن سيكونون مطالبين بالانتقال من رفح شمالاً، إلى المنطقة التي آوت من قبل بلدات “غوش قطيف”، وبوابتي عبسان الكبرى والصغرى، البلدتين الواقعتين في منطقة خان يونس. في أثناء الحرب، دمرهما الجيش الإسرائيلي حتى الأساس. لا أحد يعرف كم من الوقت سيستغرق نقل السكان: ربما يستغرق أسبوعاً أو شهراً فأكثر.
في هذه الأثناء، قوة من فرقتين تنتظر الدخول إلى رفح. ثمة فجوة كبيرة بين التوقعات التي نشأت في الجمهور ووسائل الإعلام الدولية أيضاً، وبين تقديرات واعية لدى جهاز الأمن. لقد نجح نتنياهو في زرع توقعات في القلوب بأن “النصر المطلق” سيتحقق في رفح. أربع كتائب حماس المتبقية ستباد، سيلقى القبض على السنوار أو يصفى، وسيتحرر عشرات المخطوفين، إن لم يكن كلهم.
الكتائب الأربعة قد تتفكك: بشرى طيبة لكل من هو في الجانب الإيجابي من الحرب، بما في ذلك حكومتا القاهرة وواشنطن. لكن السنوار لن يختفي بالضرورة. ثمة شك أنه في رفح. والمخطوفون، الأحياء والأموات، موزعون في عدة أماكن وتحت سيطرة عدة جهات. وهناك احتمال أكبر في أن يتسبب اجتياح رفح بموت المخطوفين.
الجيش الإسرائيلي دخل إلى شمال غزة، إلى معسكرات الوسط وإلى خان يونس بكل قوته النارية، جواً وبراً. لا يمكن تكرار هذه الحملة في رفح، ليس عندما تعاني إسرائيل من نقص في الرأي العام العالمي، ليس لدينا احتياطات لصور قتل ودمار جماعي آخر؛ كومة أوامر الاعتقال على طاولة المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي تتزايد؛ وحكومات أخرى وشركات اقتصادية أخرى تهدد بعقوبات وبقطع علاقات. والأهم، لم يتبقَ لمعظم عائلات المخطوفين قطرة استعداد لمزيد من المخاطرة بحياة أعزائها. بعد احتجاج العائلات سيأتي احتجاج عائلات المقاتلين الذين سيسألون: ماذا ولماذا يقتلون هناك؟
قال لي أحدهم من داخل المنظومة، إن رفح ستكون في النهاية استعراضاً تظاهرياً، شيئاً ما يسمح لمذيعي اليمين أن يصرخوا، احتللنا، انتصرنا، حققنا أهداف الحرب دون تحقيق أي شيء حقاً. مراسلة تلفزيون ستقف على كوم من الأنقاض وتعلن: أمسكنا بالقطعة الأخرى من حذاء السنوار. رفح الخدعة الإسرائيلية.
تحدث نتنياهو عن رفح، لكنه امتنع عن عمل شيء ما كي ينفذه. هو يعرف كيف يجري حساب الكلفة/المنفعة. في الأسبوعين الأخيرين، دفع إلى عملية في رفح، هذا لا يمنع أبواقه من الادعاء بأن من أخر العملية هم أعضاء حكومة آخرون.
إذا كان جواب السنوار سلبياً فستبدأ عملية إخلاء السكان في غضون أيام، وعندها سيصعب وقف الدخول إلى رفح. تقدر إسرائيل بأن السنوار سيرجح القول بـ “نعم، لكن”، ويكرر مطلبه بتعهد إسرائيلي، مسنود بضمانات دولية، لعدم استئناف القتال. السنوار قاتل و”ابن موت”، غير أن له منطقاً خاصاً به. عندما يعود زعماء إسرائيل ويتعهدوا أمام ناخبيهم باستئناف الحرب لاغتياله، لا يتبقى له إلا أن يصدقهم.
المحطة الأخطر
رفح ليست “متسادا فلسطينية”. الصفقة ستبقى على قارعة الطريق، هي حجة أكثر منها هدفاً استراتيجياً. الرئيس بايدن، الذي دعاها بالخطأ “حيفا” (بالإنجليزية يختلط الاسمان الواحد بالآخر)، ربما ينسى اسمها ثانية. لكن الاقتراح المصري يتضمن أثماناً إضافية، جسيمة جداً لكل من يعز عليه أمن إسرائيل، ويكاد يكون متعذراً لنتنياهو السياسي. نحو مائة قاتل فلسطيني “تلطخت أيديهم” سيتحررون مقابل المجندات. إذا ما وصلنا إلى المرحلة الثانية، سيتحرر مئات القتلة الآخرين – أو أسوأ من هذا، قد يتحرر منفذو إرهاب – مقابل الجنود. لهذا نفهم لسبب تهديد سموتريتش وبن غفير ورجالهما للحكومة. لا يدور الحديث فقط عن انغلاق حس واحتقار تشعر به أوريت ستروك وزملاؤها تجاه إسرائيليين ليسوا مثلهم وتجاه معظم المجتمع الإسرائيلي، فقد أملوا أن يؤدي 7 أكتوبر إلى حرب شاملة، يطرد العرب في نهايتها ويعاد تصميم إسرائيل كمملكة مسيحانية بين النهر والبحر. هذا إيمانهم.
نتنياهو لا يشاركهم إيمانهم، لكنه طوعاً أو غصباً، يشاركهم. كنت كتبت هنا أنه يمكن الجدال حول مسؤوليته الشخصية عن إخفاق 7 أكتوبر، لكن لا يمكن إعفاؤه من المسؤولية عما حصل منذئذ. أحد الطرق لمراجعة الحرب هو استعراض القرارات الاستراتيجية التي اتخذت في أثنائها، ابتداء من الإعلان عن الحرب في الأحد:
· في 11 منه، بخلاف اقتراح غالانت والجيش الإسرائيلي، ثمة قرار بهجوم في الجنوب ودفاع في الشمال، لكن نتنياهو لم يوضح ماذا يريد.
· المحطة التالية كانت المناورة البرية. عارضها نتنياهو، لكنه لم يقاتل في سبيل رأيه.
· صفقة المخطوفين الأولى. نتنياهو أجل القرار مرات، وفي النهاية هدده آيزنكوت بالاستقالة، فذعر نتنياهو واستجاب.
· إنهاء الصفقة واستئناف المناورة البرية. في نظرة إلى الوراء، كان هذا قراراً مغلوطاً من رئيس الأركان.
· بدء المساعدات الإنسانية. جاءت بتأخير أشهر تحت إملاء أمريكي، بعد أن دفعت إسرائيل ولا تزال تدفع عليها أثماناً سياسية باهظة.
· المحطة الأخطر هي التي تجاوزها نتنياهو: “اليوم التالي”. كانت الفرصة قبل ثلاثة أشهر فأكثر، حين كان ممكناً استخدام المساعدات الإنسانية كرافعة، حين كان 20 لواء في القطاع أو على حدوده، حين كان السنوار ضعيفاً وملاحقاً، حين كان الإسرائيليون موحدين، حين كان نصر الله جاهزاً للعودة إلى تسوية في لبنان والسماح لمئة ألف إسرائيلي في الشمال والجنوب بالعودة إلى بيوتهم وحياتهم. لكن الخوف من السلطة الفلسطينية ورسلها، والخوف من الكهانيين الذين في حكومته، انتصرا على المنطق.
إن الجدال على استمرار الحرب ليس جدالاً بين الصقور والحمائم، اليمين واليسار، محبي النصر مقابل محبي المخطوفين. من الجانب الآخر، يقف أولئك المستعدون لدفع ثمن باهظ من أجل إعادة المخطوفين إلى الديار، ولقلب الصفحة وإعادة البدء لإسرائيل من جديدة؛ من الجهة الأخرى يقف أولئك الذين يؤمنون بأن 7 أكتوبر كان حلماً سيئاً، رؤية عابرة، والآن جاء الصباح ويمكن مواصلة 6 أكتوبر وكأن شيئاً لم يكن، بما في ذلك الانقلاب النظامي، بما في ذلك السلب والنهب الفئوي. لا يوجد شيء لأنه لم يكن شيء. نتنياهو واحد من كثيرين.
إدارة بايدن تعبت من انتظاره. ليس لبايدن وقت: لم يتبقَ سوى ستة أشهر حتى الانتخابات. أساس زيارة وزير الخارجية بلينكن إلى الرياض هذا الأسبوع كُرس لتحقيق الحلف بين السعودية والولايات المتحدة. كان يفترض أن تكون إسرائيل الشريك الثالث؛ لتسويغ الصفقة مع السعودية في الرأي العام الأمريكي وتعزيز الائتلاف مقابل إيران. وكان الاستنتاج بأن هذا لن ينجح مع نتنياهو. يمكن أيضاً بدون إسرائيل.
“العالم جن جنونه”، قال لي أمريكي زار السعودية هذا الأسبوع. “في السعودية يدخل الحاكم المتطرفين الدينيين إلى السجن. في إسرائيل يسمحون لهم بإدارة الدولة”.