في أعقاب عمليتين وقعتا في شمال الخليل، جنوبي الضفة الغربية ليل الجمعة، أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي للمرة الثانية منذ بداية العدوان على غزة، الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل، بذريعة “الأوضاع الأمنية”، لتعيد فتحه لاحقاً.
ووقعت أمس في شمال الخليل عملية تفجير مركبة مفخخة في محطة وقود على الطريق الالتفافي الواصل بين الخليل وبيت لحم، وفي الوقت ذاته وقعت عملية إطلاق نار وتفجير مركبة في مستوطنة “كرمي تسور” المقامة شمال بلدة بيت أمر شمال الخليل، والمحاذية لموقع محطة الوقود.
وقال مدير عام مديرية الأوقاف والشؤون الدينية في الخليل، غسان الرجبي، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ قوات الاحتلال تراجعت عن قرار إغلاق الحرم الإبراهيمي وأعادت فتح أبوابه أمام المصلين وإدارة المسجد. وأضاف أنّ “القيود الأمنية في محيط المسجد من التفتيش والتنكيل، لم تختلف عما كانت عليه صباح اليوم، وتعتبر أشد عمّا كانت في السابق، ما يعيق ويعرقل وصول المصلين إلى المسجد”، مشيراً إلى أنّ أي إغلاق للمسجد الإبراهيمي “يعتبر اعتداءً واضحاً على حرية العبادة، ويثير حالة إرباك في المكان، وينعكس على انخفاض أعداد المصلين والزائرين للمسجد”.
بدوره قال جيش الاحتلال، في بيان عبر حسابه بمنصة إكس: “بعد العملية التخريبية التي وقعت أمس (في “غوش عتصيون” و”كرمي تسور”) تم تشديد إجراءات الفحص والتفتيش أثناء دخول المصلين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الحرم الإبراهيمي في الخليل حيث تم إغلاق منطقة الحرم لوقت قصير لدوافع أمنية”. وأضاف أنه “بعد تقييم الوضع تقرر إعادة فتح الحرم أمام جميع المصلين تحت إجراءات التفتيش الصارمة”.
وجرت القيود الإسرائيلية أن يغلق الحرم الإبراهيمي 10 أيام في كل عام؛ بحجّة الأعياد اليهودية، إلا أن اللافت في هذه الفترة منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أنّ الاحتلال يكرر إغلاق المسجد بذرائع أمنية، وكانت الأولى يوم أن أطلقت إيران صواريخها ومسيراتها تجاه إسرائيل في الثالث عشر من إبريل/ نيسان الماضي، واليوم تكرر المشهد فجراً بعدما منع الاحتلال سدنة المسجد الإبراهيمي، وإدارته من الدخول للمسجد، من دون توضيح السبب المباشر، وفق ما يقول مدير المسجد، معتز أبو سنينة، في حديث لـ”العربي الجديد”.
وتابع أبو سنينة: “وصلنا فجر اليوم، إلى بوابة الحرم الإبراهيمي ولم يسمح لنا بالدخول، أو رفع الأذان، وتواصلنا مع إدارة وزارة الأوقاف، ومع الارتباط الفلسطيني للشؤون المدنية، ولم يبلغهم الاحتلال بظروف الإغلاق إلا بأن الحجّة أمنية، خلافاً للمعتاد حين كان يغلق المسجد بشكل مباشر ويدعي الاحتلال وجود ظرف معين ويتم الإبلاغ به، أو وجود أعياد يهودية”.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أصدر بياناً قال فيه: “تم إغلاق الحرم الإبراهيمي في الخليل في أعقاب الهجوم المزدوج الذي وقع أمس في عتصيون”. اللافت وفق أبو سنينة، هو رد الاحتلال حينها تحت عنوان “حتى إشعار آخر”، وهذا ما يخلق مخاوف لدى إدارة الحرم الإبراهيمي أن يصبح الإغلاق المتكرر أمراً واقعاً، ومن دون تحديد أوقات الإغلاق وأوقات الانتهاء، عدا عن القيود التي يتم استخدامها في محيط المسجد، والتي من شأنها أن تحدّ من الوجود الفلسطيني في المسجد.
وعن القيود، أوضح أبو سنينة أن الاحتلال أغلق كلّ المداخل المؤدية إلى المسجد الإبراهيمي، بما فيها مدخل البلدة القديمة الرئيسي “مدخل السوق”، ولا سيما أن المسجد الإبراهيمي يحيط به 70 حاجزاً ونقطة عسكرية، منها ما يؤدي إلى المسجد بشكل مباشر، وهما “حاجز أبو الريش، وحاجز 160” ما يعني حرمان أكثر من 3 آلاف مواطن يقطنون محيط المسجد من الوصول إليه، أو الحركة فيه، عدا عن منعهم من التنقل بين أحياء البلدة القديمة.
وكان من المقرر أن يتم إغلاق المسجد الإبراهيمي يوم الاثنين المقبل، بحجّة الأعياد اليهودية المعروفة في شهر سبتمبر/ أيلول من كل عام، وتركه أمام المستوطنين واستباحته واقتحامه بالكامل، في القسمين الذي يسيطر عليه الاحتلال، والقسم الذي تديره وزارة الأوقاف الفلسطينية.
ويعاني المسجد الإبراهيمي سياسة تهويد إسرائيلية تهدف إلى السيطرة الكاملة عليه، بعد أن قسّمه الاحتلال عقب المذبحة التي نفذها المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين، فجر 25 فبراير/ شباط 1994، ليسيطر اليهود على 63% من مساحته ويحولوها إلى كنيس، في حين تبقى 37% للمسلمين الذين يحرمهم الاحتلال من حقّ العبادة فيه، وتأدية الشعائر الدينية، ويتعرض للانتهاك بالاقتحامات المتكررة، وتركه ساحة للرقص والغناء في الأعياد اليهودية.
ولا يسمح الاحتلال للمسلمين بالدخول دائماً إلى المسجد الإبراهيمي منذ بداية الحرب على غزة، ويفرض قيوداً مشددة للوصول إليه عبر البوابات الإلكترونية والتفتيش الدقيق على البطاقات الشخصية، والملابس، كما يمنع رفع الأذان ما لا يقل عن 630 مرّة من كل عام، إضافة إلى تغيير معالم المسجد، عبر بناء المصعد الكهربائي والحفريات تحت أرضه، وتغيير النوافذ، ورفع الأعلام الإسرائيلية على سطحه.