رغم ما تحوزه دولة الاحتلال من إمكانيات عسكرية وقدرات قتالية ومقدرات اقتصادية، لكن ذلك لا يمنع الكثير من الكتاب الإسرائيليين، وبعد مرور 73 عاماً على إنشائها، من طرح المزيد من الشكوك المستقبلية حول مدى قدرتها على الصمود في هذه المنطقة.
وجاءت تساؤلات الكتاب وسط غياب أي خيار تسووي مع الفلسطينيين من جهة، ومن جهة أخرى توفر تقديرات استراتيجية مفادها إمكانية اندلاع المزيد من المواجهات العسكرية مع القوى والدول المعادية لها.
وفي أيار/مايو من كل عام، يحيي الإسرائيليون ما يصفونه بيوم “الاستقلال” وهو ذكرى النكبة للشعب الفلسطيني واحتلال أرضه، “وهي مفارقة سياسية قلما حصلت في تاريخ الأمم والشعوب، بحيث أن يوم الرابع عشر من أيار/ مايو يعتبر يوم عيد لليهود، وفي ذات الوقت يوم مصيبة وكارثة للعرب الفلسطينيين”.
وقال الكتاب: “تزداد المفارقة كآبة وخوفاً مع عجز القيادة السياسية في الجانبين عن الوصول لتسوية سياسية، مما يدفع لاستذكار مقولة المؤرخ اليهودي الشهير بنتسيون نتنياهو” والد رئيس الحكومة السابق حين قال: “ما دام العرب الفلسطينيون يعتبرون يوم استقلالنا يوماً لنكبتهم، فلا مجال لحل هذا الصراع بيننا وبينهم”.
وانطلاقا مما تقدم يضع الإسرائيليون جملة فرضيات “مقلقة” لهم، أهمها مدى قدرة إسرائيل كدولة على الاستمرار والبقاء كدولة ذات سيادة، وهي على عداء مع جيرانها العرب، مما يضع علامات استفهام كثيرة حول المستقبل المحيط بها، والمآلات التي تنتظرها بهذه المنطقة إذا ما تغيرت موازين القوى المادية، واختلفت التحالفات الاستراتيجية في الإقليم والعالم.
ومن جملة التساؤلات التي تطرحها محافل البحث الإسرائيلية، وتتعلق بمستقبل دولة الاحتلال: “إلى متى ستبقى إسرائيل قادرة على استيعاب المخاطر الكامنة أمامها، وتشكل تهديداً وجودياً على بقائها في الشرق الأوسط، وهل سيصمد الإسرائيليون على العيش في هذه المنطقة دون الحاجة لتوقيع اتفاق سلام قابل للبقاء والاستمرارية، مع جميع جيرانها العرب، وسط تحميل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي ترأسها نتنياهو مسؤولية انتشار مظاهر الكراهية والعداء والإخفاقات الدبلوماسية، مما يجعل من الوصول إلى اتفاق سلام يضمن لإسرائيل بقاءها أمراً متأخراً جداً، إن لم يكن ذهب إلى غير رجعة، رغم اتفاقيات التطبيع الجارية”.
ولا يخفي الإسرائيليون وجود بعض التغيرات “الجيو-استراتيجية” في الصورة الإقليمية والمشهد العالمي، لم تكن حين قامت إسرائيل قبل أكثر من 73 عاماً، مما يستدعي إجراء مسح ميداني عملياتي للتطورات الحاصلة في الشرق الأوسط منذ عدة سنوات، وكلها ذات صلة مباشرة بمدى قدرة إسرائيل على البقاء فيها، بل يتطلب طرح فرضية غياب إسرائيل، واختفائها عن خارطة المنطقة، كسيناريو بات قابلاً للتطبيق، ولو من باب النقاش العلمي البحت.
وتتزايد أهمية طرح هذه المسائل في ظل أن المسؤولين الإسرائيليين باتوا يتحدثون عن أمن الدولة، وضرورة تأمين سبل تحقيقه في مفهومه المطلق، في وقت تمتلك فيه جميع عناصر القوة العسكرية بأبعادها التقليدية وفوق التقليدية، واحتكار نووي مطلق، وسيطرتها على أراض فلسطينية وسورية ولبنانية.
لكن ذلك لا يمنع من التركيز على السؤال الذي بات يهدد صناع القرار في تل أبيب وهو: “كيف سيتسنى لإسرائيل البقاء؟ ما يعني أن هذا الأمر حول مستقبلها أصبح موضع تساؤل داخلها وخارجها في الدوائر الحاكمة والداعمة لها على حد سواء، فكيف يتسنى ذلك، وما هي الأسباب التي جعلتها موضع مخاوف وقلق من قبل مسؤوليها ومفكريها؟”.
وقال الكتاب إن “الكثير من اليهود يعتقدون أن مستقبل إسرائيل ومكانها في الشرق الأوسط بات مهدداً الآن كما لم يكن لعدة أجيال، فهل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأي هوية؟ وهل يمكنها أبداً أن تعرف السلام؟ وهي أسئلة تبقى دون تقديم إجابات شافية واضحة صريحة، لكن أجواء النقاشات التي تجري العديد منها بعيدا عن شاشات التلفزة تغلب عليها صفة اليأس والإحباط خشية أن يكون الأمر قد فات، خاصة وأن الثقة بإمكانية بقاء إسرائيل بات ضعيفا جداً”.