بقلم العميد: أحمد عيسى المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي
إنتهي مونديال قطر يوم أمس الأحد الموافق 18/12/2022، وبغض النظر عن الفريق الفائز بالكأس الأغلى في العالم، إلا أن دولة قطر، وأسود الأطلس، وفلسطين قد تصدرت عناوين الصحف والمجلات والنشرات الإخبارية العالمية، الأمر الذي سيجعل من قطر والفريق المغربي وفلسطين بعد المونديال ليس كما قبله.
فمن جهتها دولة قطر أثبتت بإستضافتها وتنظيمها لهذا الحدث العالمي الكبير أن الشرق الأوسط مركزالعالمين العربي والإسلامي ليس مكان لتفريخ العنف والإرهاب فقط كما درج البعض على توصيفه ظلماً، بل هو مركز إشعاع حضاري وثقافي لا يمكن تجاهله أو إنكار دوره ومساهمته في تقدم وترقي الأمم كما تجلى في أيام وليالي المونديال، الأمر الذي استحق العرفان والإشادة من ملايين البشر من مختلف الحضارات والثقافات التي ملآت ملاعب وشوارع وساحات دولة قطر، التي بدورها تجاوزت بجدارة في تنظيمها مونديال 2022 معايير تصنيف دول دول العالم بين أول وثاني وثالث، وأصبح من الجائر إستمرار تصنيفها بأنها تنتمي لدول العالم الثالث أو الدول النامية
ومن جهتهم أسود الأطلس الذين أبهروا العالم بأدائهم الجميل على أرض الملعب واستحقوا أن يكونوا بجد ممثلي العرب والمسلمين في هذه التظاهرة الثقافية العالمية، قد اثبتوا بوصولهم للمربع الذهبي للمرة الأولى في تاريخ العرب والمسلمين أن الأمة تكتنز الكثير الكثير من المواهب والطاقات في صفوفها، مما يؤهلها أن تكون نداً لباقي الأمم وليس تبعاً لأي منها.
أما فلسطين وقضيتها ورايتها فكانت الحاضر الأكثر حضوراًوالمنتصر الأول على مدى ايام وليالي المونديال، والأهم أن إسرائيل التي تدعي أنها تنتمي للعالم الأول فكانت هي الدولة الوحيدة غير المرغوب بمشاهدة رايتها أو ممثليها في اي من مرافق الدولة القطرية كما نقلت لنا كاميرات التلفزة العالمية والإسرائيلية لكونها دولة إحتلال عسكري وأبارتايد وفصل عنصري ويجب ان لا يكون لها مكان في هذا المنتدى الثقافي العالمي.
وفيما لم يكن النجاح القطري في إستضافة وتنظيم المونديالمفاجئاً لإسرائيل، إذ كانت قطر قد إستعدت له على مدى العقد الماضي، إلا أن إنتصارات الفريق المغربي وحضور فلسطين ورفضغالبية من أموا الساحات من عرب وأجانب وجود إسرائيل قد أشعل يقيناً الضوء الأحمر لدى جهات التقدير الإستراتيجي في منظومة الأمن القومي الإسرائيلي، أو على الأقل هكذا نظن في هذه المقالة.
أما لماذا أشعل المونديال الضوء الأحمر؟ فللإجابة نقول أن النجاح القطري والإنتصار المغربي بالوصول الى المربع الذهبيقد أظهر أن الفجوة الثقافية بين إسرائيل والعرب التي حرص المؤسسون الأوائل لمنظومة الأمن القومي الإسرائيلي على صنعهاوإدامتها، آخذة بالإنحسار والتقلص لصالح العرب والمسلمين بل أظهر هذا النجاح أن الأمة تكتنز طاقات وإرادة في داخلها قادرةإذا ما استدعوها من داخلهم على إستعادة مكانتهم الحضارية الأصيلة التي تموضعهم في مكانتهم المتقدمة عمن سواهم، الأمر الذي يعتبر تهديد للأمن القومي كونه يخلخل أحد أهم الركائز التي تقوم عليها منظومة الأمن القومي الإسرائيلي، لاسيما وأن بن غوريون الذي يعتبر المؤسس لمنظومة الأمن القومي أكد عند صياغته للأسس التي تقوم عليها المنظومة في خمسينات القرن الماضي، أن محافظة إسرائيل على فجوة ثقافية واسعة الى جانب محافظتها على اللاتوازن في القوة العسكرية لمصلحتها مقارنة بجيرانها من العرب هو شرط من شروط المحافظة على بقاء إسرائيل.
وفي هذا الشأن يجادل (عوض) في تقرير دليل إسرائيل العام 2011، “إن اي توجهات إصلاحية في دول المنطقة قد تؤدي الى التشكيك في اللاتوازن بين إسرائيل وجيرانها، لا بد أن يقرأ كتهديد من الطراز الذي يمس ديمومة الدولة”، وهنا أجادل أن فاقد البصيرة من لا يرى في مونديال قطر 2022 تشكيك إضافي لجملة التشكيكات الآخذة في التراكم منذ بداية الألفية الجديدة في اللاتوازن هذا!!
أما فيما يخص حضور فلسطين الكثيف الذي اقترن برفض إسرائيل الصارخ على مدى أيام المونديال، فيقول بوضوح أيما وضوح، أنه وعلى الرغم من هرولة البعض من العرب للتطبيع مع إسرائيل، إلا أن وحدة الأمة وتوحدها على رفض إسرائيل والإنتصار لفلسطين هي الأصل في عقيدة الأمة، والأهم أن تجسيد هذه الوحدة هو المآل الطبيعي لمسار تطور هذه الأمة طال الزمن أم قصر، الأمر الذي ترى فيه إسرائيل ومنظومة أمنها القومي من أبرز التهديدات الوجودية، لا سيما وأن منظومة الأمن القومي الإسرائيلي قامت على فرضية أن الأمن القومي الإسرائيلي هو (أمن الأقلية مقابل الأكثرية) وفقاً لمجادلة أبرز منظري الأمن القومي الإسرائيلي(يسرائيل تال) العام 1996.
وتأسيساً على هذه الفرضية علينا أن نقر ونعترف أن إسرائيل قد نجحت على مدى العقود السبعة الماضية في تفريق الأمة وبث الخلافات والعداوة بين دولها وشعوبها وقواها السياسية بما في ذلك القوى السياسية الفلسطينية، ولكن بالمقابل علينا الإيمان بناء على ما شاهدنا بأم العين خلال أيام المونديال أن مؤشر صحوة الأمة آخذ بالصعود، الأمر الذي يجعل من إنتصار الأمة على أسباب فرقتها وإنقسامها يقين غير قابل للشك وفقاً للنص القرآني”ويقُولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا” الإسراء 51.
هل لديك سؤال؟
تابعنا على السوشيال ميديا او اتصل بنا وسوف نرد على تساؤلاتك في اقرب وقت ممكن.