لبنان إلى شريعة الغاب

«اقتحام المصارف» مسلسل لبناني واقعي، تدور أحداثه في كل المدن والمناطق اللبنانية، أما القصة فتروي معاناة مئات آلاف المودعين من المواطنين والمقيمين الذين سطت الدولة على «تحويشة عمرهم»، الأمر الذي دفع عدداً منهم للقيام بعمليات اقتحام واحتجاز رهائن لتحرير أموالهم.

جمعية المودعين التي تقف بوجه جمعية المصارف اللبنانية دفعت بالأخيرة للخروج عن صمتها وقررت «مصارحة» المودعين على حد تعبيرها لتخبرهم «أن الدولة اللبنانية أنفقت أموالكم وتأخرت في إقرار خطة التعافي والتشريعات الضرورية لتأمين العدالة لجميع المودعين».

وشرحت أن «الدولة التي أقرت الموازنات وصرفت بموجب قوانين وهدرت ومن ثم أعلنت توقفها عن الدفع، تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية الفجوة المالية وهي ملزمة بالتعويض عنها تطبيقاً لأحكام القانون، لا سيما بفعل عمليات الهدر والاقتراض وعدم ضبط التهريب، وأيضاً وفقاً لأحكام المادة 113 من قانون النقد والتسليف وتنفيذاً لالتزاماتها التعاقدية في موضوع اليوروبنود. وكذلك الحال بالنسبة لمصرف لبنان المركزي، علماً أنه وضع السياسات النقدية تطبيقاً لسياسات الحكومات المتعاقبة وبالتوافق معها».

وعلى وقع «أسوأ أزمة في العالم منذ عام 1850» كما صنفها البنك الدولي، والعمليات المتكررة لاقتحام المصارف، ومصارحة المودعين بمن أنفق أموالهم، ماذا ستحمل الحلقات القادمة من مفاجآت؟ وهل تنجح جمعية المصارف بنفي الجزء المتبقي من المسؤولية عنها؟ وما هو مصير هذا القطاع، والدولة اللبنانية في حال تلكأت عن القيام بالمعالجات اللازمة؟

مجبر أخاك لا بطل

رئيس جمعية المودعين حسن مغنية قال لـ«»: إن خطة التعافي في حال أقرّت، فإن عمليات الاقتحام ستزداد ليرتفع عددها من العشرات إلى المئات، متوعداً باستكمال هذه العمليات حتى تتراجع الدولة عن سياستها المجحفة، مقدماً في الوقت نفسه الضمانات بأن لا تحصل أي عملية اقتحام في حال طُرح حل يرضي المودعين.

ولفت إلى أنه لن يدعو المودعين إلى التهدئة، بل على العكس دعاهم للقيام بما يرونه مناسباً ويخدم مصالحهم. وأضاف: للأسف نحن اليوم نعيش في «شريعة الغاب» التي كرستها السلطة السياسية.

وعن المخاوف من تفلت السلاح وتحوله من سلاح بلاستيكي إلى سلاح حيّ وما قد ينتج عن ذلك من مخاطر، قال: ما شهدناه من عمليات اقتحام لا يخدم أحداً ولكن «مجبر أخاك لا بطل»، معتبراً أن الفوضى الاجتماعية ليست من مصلحة أي طرف لأنها تشبه الحرب الأهلية، والخوف هنا يكمن من وقوف المواطنين وجهاً لوجه، فالمودع وموظف البنك يرزحان تحت وطأة الأزمة نفسها، والسؤال الذي يطرح نفسه: من المسؤول عن هذا المشهد في أن يقف المواطنون وجهاّ لوجه كفريقين خصمين؟ وحمل نجيب ميقاتي المسؤولية.

شيطنة المودعين

من جهته، وصف الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة، مشاهد اقتحام المصارف بأنها «عمليات شيطنة» للمودعين الذين يطالبون بـ«جنى العمر»، لكن في الوقت نفسه، فإن هذا المشهد غير مقبول؛ لأنه بسقوط دولة القانون قد يسقط كل شيء، مطالباً الدولة بإعطاء كل صاحب حق حقه، عبر القضاء اللبناني، لأن المشهد الحالي في حال تفاقم فإنه يكرس شريعة الغاب.

وأكد أن حقوق المودعين مقدسة، لكن الدولة، ووفقاً لخطة التعافي، تعمل على شطب الدين العام، وهذا الدين هو بالدرجة الأولى من أموال المودعين، مستغرباً أن الكل يعمد إلى إخفاء قضية الدين العام الذي يجهل الشعب أين صُرف. وأوضح أن 85% من هذا الدين داخلي؛ بمعنى أنه من أموال المودعين وبمجرد أن تشطب الدولة الدين العام فهي تكون بذلك قد قضت على المودعين، محذراً من تداعيات هذا الأمر لأنه سيرتد أولاً على الدولة اللبنانية التي تستمد مداخيلها من الطبقة الوسطى التي قد تختفي عن الخارطة.

وحول واقع القطاع المصرفي في حال استمرت الدولة بخطتها المسماة «التعافي»، وتحديداً البند المتعلق بشطب الدين العام، قال: ستشكل ضربة قاضية للقطاع المصرفي كما ستشكل ضربة لسمعة الدولة اللبنانية، وبالتالي فإن أحداً لن يكتتب مستقبلاً بأي إصدار لسندات الخزينة الصادرة عن الدولة اللبنانية.

وعن إمكانية تراجع الدولة المحكومة سياسياً بخطوة إلى الوراء، قال عجاقة: لبنان محكوم من قبل فريقين أساسيين؛ فريق مع صندوق النقد (ويضم الحكومة ورئيس الحكومة ونائبه)، وفريق معارض له، معرباً عن أسفه أن الفريق الموالي لصندوق النقد يتلقى المقترحات بطريقة معلبة؛ أي لا ينظر إلى الضرورات التي يفرضها الواقع.

واعتبر أن غياب الأكثرية الاقتصادية في لبنان؛ أي غياب الأكثرية التي تمتلك الرؤية الاقتصادية نفسها، سيكون عائقاً أساسياً أمام تنفيذ الإصلاحات.

السيناريو المظلم

أما المصير الذي ينتظر لبنان؛ وفقاً لتوقعات جمعية المصارف في حال تلكأت الدولة عن القيام بالمعالجات اللازمة، وفي حال استمرت الحال على ما هي عليها، فإن صندوق النقد سيعلن استحالة متابعة المفاوضات مع الدولة اللبنانية، ونضوب الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان في المستقبل المنظور، وعجز الدولة عن تأمين أي مشتريات من الخارج، ويصبح لبنان غير قادر على تأمين أدنى مقومات العيش من كهرباء وماء ودواء واتصالات وغيرها، واضمحلال الأمل في استرداد الودائع، وتجاوز انهيار العملة النسب التي عرفها لبنان خلال الثمانينات واستبدال التجار ماكينات عد النقود بميزان للنقود، والأمثلة موجودة ومعروفة عالمياً.