لماذا تدعم إسرائيل الانقلاب السوداني؟ ،،، مصطفى ابراهيم

تراقب إسرائيل تطورات الوضع في السودان، من دون أن تعلق عليها بشكل رسمي، على عكس الدول الغربية التي سارعت إلى إدانة الانقلاب، الأمر الذي قد يفهم على أنه دعم إسرائيلي ضمني للانقلاب.

ترى إسرائيل أن الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية في السودان مهم ويخدم مصالحها، فهي تنظر إليه بعين الرضا وتدعم المجلس العسكري وترعاه، وذلك وفقاً لتقارير صحافية إسرائيلية، ذكر أحدها في صحيفة “إسرائيل هيوم”، نقلاً عن مصدر إسرائيلي مطلع على الأحداث في السودان، أنه، “في ظل الوضع في السودان، فإنه من الأفضل لنا دعم الجيش وقائده، رئيس المجلس الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، لا رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك،  وأن الانقلاب كان حتمياً. منذ سنوات، كان الرئيس المدعوم من الجيش من جهة، ورئيس الوزراء من جهة أخرى، يسيران في اتجاهين متعاكسين، وكان واضحاً أن هذا سيصل إلى مرحلة الحسم”. 

وبحسب الصحيفة فعلى رغم أن “الزعيمين السودانيين، البرهان وحمدوك، يدركان أن على بلادهم تعزيز علاقاتها مع الغرب، إلا أن الوضع في السودان يذكرنا بما كانت عليه مصر في نهاية عهد مبارك. لكن من بين الزعيمين، يميل البرهان إلى تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل وتعزيزها، أكثر من حمدوك”.

وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ذكرت، أنه “بينما كان هدف الجيش السوداني عند توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل هو إزالة العقوبات الأميركية، فمن المرجح أن يؤدي الانقلاب الأخير إلى عودة هذه العقوبات وتأجيل الاتفاقية أو التخلي عنها تماماً”. كما أن هناك “عواقب وخيمة” محتملة للانقلاب العسكري في السودان على مستقبل مسار التطبيع الذي يتخذه العسكر في الخرطوم، والجناح العسكري في السودان، هو أكثر تأييداً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، من الجناح المدني. وترى الأوساط أن دعم الجناح العسكري للقيادة، التطبيع، هو بسبب الوعود الأميركية بإلغاء العقوبات القاسية المفروضة على السودان في عهد الرئيس السابق عمر البشير، إلا أن الكتلة المدنية للقيادة أقل حماسة لهذه الخطوة.

خلال فترة الانقلاب وجهت إسرائيل انتقادات إلى الولايات المتحدة الأميركية على خلفية الموقف الذي اتّخذته واشنطن إزاء الإجراءات التي أعلن عنها، عبد الفتاح البرهان.

ويؤكد هذا وجهة النظر الإسرائيلية التي ترى أن الجيش السوداني الجهة الأقوى في البلاد، وبما أن البرهان هو القائد الأعلى للجيش، فإن ما يحصل في السودان يعطي فرصة أكبر للاستقرار في البلاد، وهو أمر حيوي للمنطقة، فضلاً عن تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب وبخاصة إسرائيل.

وتعتبر إسرائيل أن السبب وراء عدم تقدم السودان في اتخاذ إجراءات التطبيع مع إسرائيل، لتعزيز العلاقات معها وعدم فتح مقر لبعثة ديبلوماسية رسمية في تل أبيب، على رغم انضمامه إلى اتفاقيات “أبراهام” للتطبيع مع إسرائيل، يكمن في معارضة رئيس الوزراء، حمدوك، هذه الخطوات.

يذكر أنه في الثاني من شباط/ فبراير 2020، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتانياهو، أنه اجتمع برئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في مدينة عنتيبي، بدعوة من الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، واتفقا على بدء التعاون الذي من شأنه أن يقود إلى تطبيع العلاقات بين البلدين، واتفقا على بدء التعاون تمهيداً لتطبيع العلاقات”، واعتبر نتانياهو أنه “حدث تاريخي”. والسودان يسير في اتجاه جديد وإيجابي ويسعى رئيس مجلس السيادة في السودان إلى مساعدة بلاده على اجتياز عملية التحديث، من خلال إخراجها من العزلة ووضعها على الخريطة العالمية.

وفي ظل استمرار الانقلاب والاحتجاجات في السودان نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية للمرة الثانية طلب الولايات المتحدة الأميركية من إسرائيل التدخل لدى قادة الانقلاب العسكري في السودان.

ونشرت اليوم الاربعاء 17/11/2021، الإذاعة الإسرائيلية الرسمية “كان”، أن الولايات المتحدة الأميركية طلبت من إسرائيل التدخل لدى قادة الانقلاب العسكري في السودان، ودعتها إلى التدخل من أجل إنهاء أزمة الانقلاب والعمل للدفع لإعادة تشكيل الحكومة بشراكة مع المدنيين، وذلك خلال المباحثات التي أجريت، بين سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، التي تزور إسرائيل، ووزير الأمن بيني غانتس.

وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، لدى الولايات المتحدة اعتقاد بأن لإسرائيل القدرة على التأثير في السياسة الداخلية في السودان، وأن طلب تدخلها بهدف إعادة الأوضاع الداخلية إلى سابق عهدها، وتشكيل حكومة مشتركة بقيادة مدنية، وأن واشنطن تسعى لتضغط إسرائيل على البرهان، ليتراجع عن الانقلاب.

جاء الطلب الأميركي لأن واشنطن تدرك أن إسرائيل لديها القدرة على التأثير على ما يحدث في السودان، وأن لدى البرهان علاقات وثيقة مع مسؤولين في جهاز الموساد الإسرائيلي، وفي مجلس الأمن القومي التابع لمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، منذ بدء مسار التطبيع، حيث زار طاقم من الموساد الخرطوم قبل الانقلاب العسكري وبعده، وأجرى محادثات مع اللواء عبد الفتاح البرهان، وقائد ثاني قوات الدعم السريع، الفريق عبد الرحيم دقلو، وقيادات في الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع شبه النظامية.

 
وكان مراسل الشؤون الديبلوماسية لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أكد قيام وفد رسمي إسرائيلي بزيارة الخرطوم، واجتماعه مع القيادة العسكرية في السودان، وإن الزيارة جاءت للوقوف على آخر تطورات الأوضاع في السودان، وسط أسئلة عن مصير التطبيع بين الجانبين. وأوضح أن الوفد الإسرائيلي لم يحاول التوسط لحل الأزمة بين الجانب العسكري والمدني في مجلس السيادة السوداني.

هذا هو الطلب الأميركي الثاني من إسرائيل للتدخل لدى قادة الانقلاب العسكري بالخرطوم، إذ سبق أن نقل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، رسالة مماثلة في محادثاته مع المسؤولين الإسرائيليين.

وذكرت تقارير إسرائيلية أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، طلبت من إسرائيل استغلال علاقاتها مع القيادات العسكرية في السودان، في محاولة لـ”كبح” محاولة الانقلاب، والعودة إلى المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى التحول الديموقراطي وتسليم حكومة مدنية السلطة. 

ووفقاً لما نقله موقع “واللا” الاخباري الإسرائيلي، عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، فإن واشنطن طلبت من إسرائيل استغلال علاقتها بقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، لإقناعه والقيادة العسكرية في السودان، بالعودة عن الانقلاب. 

وفي الوقت ذاته، نقلت صحيفة “هآرتس”، عن مسؤول إسرائيلي، أن البيت الأبيض طالب إسرائيل باستغلال العلاقة القائمة وقنوات الاتصال المفتوحة بين الأوساط الاستخباراتية في إسرائيل والقيادات العسكرية في السودان، وأن إسرائيل تعاملت بإيجابية مع الطلب الأميركي.

مع العلم أن إسرائيل امتنعت عن إدانة الانقلاب العسكري في السودان، وفقاً لما ذكرته صحيفة “هآرتس” أن مساعي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية توطيد العلاقات مع جهات رسمية في السودان تواصلت منذ الإعلان عن انضمام الخرطوم إلى “اتفاقيات أبراهام” لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتواصلت خلال الأسابيع الماضية.

ووفقاً لـ”هآرتس”، تراقب إسرائيل تطورات الوضع في السودان، من دون أن تعلق عليها بشكل رسمي، على عكس الدول الغربية التي سارعت إلى إدانة الانقلاب، الأمر الذي قد يفهم على أنه دعم إسرائيلي ضمني للانقلاب.

من الواضح أن قيادة الانقلاب في السودان تراهن على الدعم الإسرائيلي للخروج من العزلة الدولية لمواجهة الإدانات الدولية ضد الانقلاب، التي تشدد على الاعتراف الدولي بشرعية حكومة عبد الله حمدوك. 

البرهان  أكد أن بند التطبيع مع إسرائيل على رأس أجندته، وذلك خلال أول مؤتمر صحافي بعد الانقلاب، مشدداً على رؤية القيادة العسكرية حول التطبيع مع إسرائيل، كمدخل للانفتاح مع العالم، وقال إن أحزاباً عقائدية في حكومة رئيس الوزراء هي التي أعاقت المضي قدماً في إكمال حلقات التطبيع.

لكن المفارقة العجيبة أن إسرائيل تستطيع حماية انظمة الاستبداد والظلم، والغريب أن اسرائيل العنصرية ودولة الاحتلال العسكري تلعب دور الوسيط، وهي الراعي للديكتاتوريات في المنطقة العربية فيما يسيطر الوهم على القيادة العسكرية السودانية كغيرها من قادة العرب الجدد الذين عقدوا اتفاقيات تحالف تطبيعية مع إسرائيل، بالحصول على الحماية الإسرائيلية من شعبها، وتحقيق الرفاه والاستقرار والتنمية. لكن الحقيقة غير ذلك تماماً، فإسرائيل تسعى من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها وتعزيز قوتها ونفوذها، واستمرار احتلالها الأراضي الفلسطينية والاستفراد بالفلسطينيين والتنكر لحقوقهم.