الصراع في الشرق الأوسط والذي كان يُشار له تاريخيا بأنه صراع عربي إسرائيلي قبل أن يتحول لصراع فلسطيني إسرائيلي، هذا الصراع أصبح اليوم وكأنه صراع إسرائيلي مع محور المقاومة بقيادة ايران وعاب العرب عن المشهد وكاد الفلسطينيون يغيبون أيضا عندما الحقت فصائل المقاومة نفسها بالمحور الإيراني الشيعي، وتدفع دول عربية وخصوصا لبنان واليمن والعراق وسوريا ثمن هذا التحول من سيادتهم وقرارهم الوطني المستقل ونفس الأمر بالنسبة للفلسطينيين، وقد تكون نهاية التصعيد والعدوان الحالي في غزة وجبهة الشمال ليس من خلال تسوية أو صفقة يكون الفلسطينيون والعرب طرفا فيها بل من خلال صفقة مع ايران حول تقاسم مناطق نفود ومصالح في المنطقة على حساب العرب والفلسطينيين.
كل من يتساءل مشككا بدور إيران وأذرعها الشيعية في القضية الفلسطينية وخصوصا صدامها المسلح في الجبهة الشمالية مع اسرائيل خلال حرب غزة إلا ويواجه بمن يدافع عنها بالقول وماذا فعل العرب وخصوصا السنة منهم ولماذا لا يتدخلون عسكريا لنصرة المقاومة والشعب الفلسطيني؟
مع تمنياتنا بأن تشتعل كل الجبهات العربية الاسلامية ضد إسرائيل وتأييدنا لكل أشكال المقاومة ضد إسرائيل الكيان الأكثر ارهابا واجراما وعنصرية في التاريخ إلا أنه يجب تحكيم العقل والمصلحة الوطنية وعدم الانجرار مجددا وراء العواطف والتمنيات وأنظمة وحركات سياسية دأبت على توظيف القضية الفلسطينية لخدمة مصالحها القومية والحزبية ولنا كفلسطينيين تجارب مريرة معها.
فما جرى خلال عام تقريبا من حرب الإبادة على غزة وكيف أدارت ايران أذرع مجور المقاومة أو الأسناد وكيف كانت محدودية رد ايران على عدوان إسرائيل وإجرامها ليس في فلسطين فقط بل وفي استهدافها لقيادات إيرانية وفلسطينية ولبنانية حتى في قلب دمشق وبغداد وطهران وبيروت وآخرها استهداف الضاحية الجنوبية واغتيال قيادات كبيرة وكثير من حزب الله … يتأكد لنا الدور الخطير والقذر لإيران المستعدة للتضحية ليس فقط بالقضية الفلسطينية بل أيضا بأذرعها في الدول العربية خدمة لمشروعها الفارسي التوسعي.
هناك وجه شبه بين ما تقوم به إيران اليوم بالدور الذي قامت به الجيوش العربية عام ٤٨ بتنسيق مع بريطانيا من حيث النتائج المتوقعة من هذا التدخل، ولكن في حالة إيران وأدواتها هناك درجة من الذكاء واستقلالية القرار والدفاع عن مصالح مشتركة ودرجة من التنسيق الخفي مع واشنطن.
فما كانت تحدث هزيمة أو نكبة ٤٨ لولا تدخل الجيوش العربية بتنسيق مع بريطانيا التي أصدرت وعد بلفور والتزمت لليهود بتنفيذه حيث كان يقود الجيوش العربية ضابطاً بريطانياً (جلوب باشا)، وكان تدخلها بحجة مساندة الشعب الفلسطيني وإفشال قرار التقسيم، ولكنها في النهاية أدت لتهجير حوالي ٨٠% من الفلسطينيين وقيام دولة إسرائيل.
وما هو قريب من ذلك فقد أدى الخطاب القومي الثوري العربي والحديث عن دول الطوق والقيادة العربية المشتركة والتهديد بالقضاء على إسرائيل الخ دون امتلاك القوة أو القدرة أو أي استراتيجية عربية لتحقيق ذلك لأن تقوم إسرائيل بضربة استباقية في حرب يونيو ٦٧ لتحتل بقية فلسطين، الضفة والقدس الشرقية وقطاع غزة، بالإضافة الى سيناء والجولان.
واليوم وبعد ٧٦ عام على النكبة الأولى لو لم يتدخل محور المقاومة بقيادة إيران في القضية الفلسطينية بحجة إسناد مقاومة حماس والجهاد ربما ما تمت النكبة الحالية وما استمرت حرب الإبادة لحوالي العام وامتدادها للضفة وربما ما كانت عملية طوفان الأقصى الملتبسة، وحيث تزعم إسرائيل كذبا بأنها تقاتل على ٦ جبهات وجماعات مسلحة تابعة لإيران.
لو لم تتدخل الجيوش العربية في حرب ٤٨ ما حدث التهجير والنكبة ولكان الفلسطينيون يعيشون حتى اليوم في أراضيهم حتى مع استمرار صراعهم مع الصهاينة ولو لم تتدخل إيران حاليا في الشأن الفلسطيني ما كانت تحدث حرب الإبادة في غزة بهذا الشكل والتوقيت ومؤشرات على انتقالها إلى الضفة واحتمال تنفيذ إسرائيل مخطط كبير لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم في غزة والضفة وكان من الممكن استمرار الفلسطينيين في نضالهم المشروع بمقاومة سلمية اعتمادا على امكانياتهم الذاتية ودعم المنتظم الدولي وشعوب العالم.
في الحالتين كان الانقسام الفلسطيني وعجز وفساد الطبقة السياسية عاملا مساعدا في النكبتين بالإضافة الى الظروف الدولية المواتية لإسرائيل.
وفي اعتقادي أن موقف الدول العربية وخصوصا مصر والاردن من الحرب وتجنبها المشاركة فيها أو تضخيم خطابها في دعم فصائل المقاومة هو محاولة منها لمنع تكرار ما جرى في النكبة ٤٨ والنكسة ٦٧، كما انها تعلم ان مشاركتها تعني نقل الحرب الى أراضيها وخصوصا أن حركة حماس لم تشاور أو تُعلم دول الجوار العربي ولا حتى منظمة التحرير الفلسطينية عندما قررت القيام بعملية الطوفان.
أما إيران فتصعد من التوتر الى درجة محسوبة بدقة من المواجهة العسكرية وهي تعلم ان المعركة الرئيسية لن تكون على اراضيها بل على اراضي دول عربية سبق وأن ساهمت في تخريبها وتقسيمها بالصراع المذهبي.، كما أن المواجهات على الجبهة الشمالية ومع إيران انفصلت عن الصراع العربي أو الفلسطيني الإسرائيلي وبات مرتبطا بحسابات استراتيجية وتقاسم نفوذ بين إيران من جانب وتل أبيب وواشنطن من جانب آخر كما دخل في إطار صراع استراتيجي أشمل له علاقة بالصراع الدولي ما بين روسيا والصين في مواجهة واشنطن والغرب.
كل ما سبق لا يبرئ الأنظمة العربية من تحمل درجة من المسؤولية لأن كل الدول العربية تستطيع دعم ومساندة الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية ودولة فلسطين بشكل أفضل دون الانجرار لحرب أو صدام مباشر ولا مبرر للاستمرار باستعمال شماعة الانقسام أو فساد السلطة أو أعمال عنف فصائل المقاومة كذريعة للتهرب كليا من دعم الشعب الفلسطيني.
فالفساد في الأنظمة العربية يفوق الفساد المزعوم في السلطة، اما بالنسبة للانقسام فقد ساعدت دول عربية على حدوثه وخصوصا قطر التي كانت عرابة الانقسام كما أن الانقسامات والخلافات داخل الدول العربية لا تقل عما يوجد في فلسطين بل وصل الأمر ببعض الدول العربية للحرب الأهلية أما شماعة حماس فقد شاركت دول عربية في دعم الحركة منذ تأسيسها نكاية بمنظمة التحرير وكانوا مشاركين لإسرائيل في المد بعمر سيطرتها على قطاع غزة.
نعم لا نطالب العرب الدخول في الحرب المباشرة أو التصعيد العسكري مثل ايران لأننا نعرف الاختلال في موازين القوى وهشاشة الوضع الداخلي وما يمارس عليهم من ضغوط أمريكية… ولكن لنا أن نتخيل أن جامعة الدول العربية تدعو لعقد قمة طارئة وفيها يتم اتخاذ قرار جماعي بقطع العلاقة مع اسرائيل أو على أقل تقدير سحب السفراء منها وتجميد كل الاتفاقات معها حتى توقف عدوانها.
صمتهم طوال عام من الحرب يجعلهم ويضعهم في شبهة التواطؤ والموافقة على ما يجري.
اتخاذ هذه الخطوة لا يعتبر دعماً لحركة حماس والمقاومة المسلحة أو مباركة لطوفان الأقصى، بل يعتبر إنقاذاً للقضية من مخطط التصفية وتخفيف المعاناة عن أهالي غزة حيث يتعرض لحرب إبادة غير مسبوقة تاريخيا.
وهذا يندرج ضمن أضعف الإيمان إن ما زال عندهم إيمان بعدالة القضية الفلسطينية.