لماذا لم يتغير خطاب الطوفان؟

لو عاد الزمن بالشعب الفلسطيني إلى ما قبل طوفان الأقصى 7 اكتوبر2023 فهل سيؤيد تكرار ما حدث أم يفكر في خيارات أخرى؟.

جاءت آراء قيادة المقاومة لتثني على الهجوم وتؤكد صحته وإنجازاته، يحيى السنوار بوصفه العقل المدبر والقائد الفعلي للطوفان، «غير نادم على الهجوم ويرى أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد». خالد مشعل، اعتبر الهجوم رد فعل طبيعيا يعبر عن الشعوب الحرة، ودعا إلى فتح جبهات إضافية لمساندة جبهة غزة ضد إسرائيل، معتبرا أن خسائر «حماس» على مدار السنة الماضية كانت تكتيكية في مقابل خسائر إسرائيل الاستراتيجية، و»في المحصلة حدث انتصار استراتيجي على إسرائيل التي فشلت خلال عام من الحرب». أما خليل الحية فقد اعتبر أن «طوفان الأقصى هو الطريق لمواجهة الخطر الداهم على شعبنا ولا طريق سواه وان الشعب في غزة بقي شامخا عصيا على كل محاولات التهجير والاقتلاع وأصناف العذاب والإرهاب والإبادة وانه يخط بدمائه وثباته تاريخا جديدا». أسامة حمدان بدوره يرى أن «طوفان الأقصى وفر فرصة جادة للأمة الإسلامية لتثق بنفسها وبقدرتها على الصمود والمقاومة مهما بلغت التضحيات»، ويقول، إن «المقاومة بخير وإن المجاهدين يقاتلون في الميدان وكأنهم في اليوم الأول لمعركة الطوفان». وجاء بيان فصائل المقاومة لمناسبة مرور عام على الطوفان، ليقول، إن «معركة طوفان الأقصى أحدثت تحولا استراتيجيا في الصراع مع الاحتلال».
لا احد يختلف حول دور سياسة الاحتلال الكولونيالية العنصرية في مفاقمة واحتدام الصراع، تلك السياسة التي استدعت ردود فعل شعبية عفوية بصيغة احتجاجات وأشكال من المقاومة الفردية، وردود فعل الفصائل والتنظيمات بأشكال متفاوتة من المقاومة المسلحة أو الشعبية. فالاستباحة الإسرائيلية للأرض وللحقوق، وللرموز الدينية – الأقصى والمقدسات – وللرموز الوطنية – الأسرى وجثامين الشهداء – فعلت فعلها استفزازا وغضبا. كذلك فإن التنكر للحقوق الوطنية بإغلاق كل الأبواب أمام الحل السياسي الذي ينهي الاحتلال بمصادقة دولية وعربية رسمية – الاتفاقات الإبراهيمية -، ومضاعفة الاستيطان وممارسة التطهير العرقي والحصار دفعت الأمور نحو الاحتدام. كل ذلك شكل تحديا للشعب الفلسطيني وكان لا بد من فعل شيء. 
هل كان هجوم 7 أكتوبر مدروسا؟ أم كانت دراسته تخضع لحسابات خاطئة، وفي مقدمة ذلك طغيان الأيديولوجيا على السياسة وميزان القوى الفعلي. أم جرى اعتماد الرؤية الإيرانية زعيمة محور المقاومة وخطابها العشوائي حول قدراتها وقدرات أذرع المقاومة الخيالية. إن دراسة أي عمل عسكري بمستوى طوفان الأقصى، تستدعي التوقف عند ميزان القوى بين محور المقاومة ودولة الاحتلال. وهنا ليس من الصعب الاستعانة بـ»غوغل» والذكاء الاصطناعي وتجارب الحروب السابقة لمعرفة البون الشاسع بين قوة المحورين لمصلحة دولة الاحتلال، التفوق في السلاح وبخاصة دور سلاح الجو وفي التكنولوجيا والاستخبارات والمال والحلفاء لم يكن لغزا، إذا جرى قياس قدرات دولة الاحتلال بقدرات «حماس» و»الجهاد الإسلامي» المحاصرتين في بقعة جغرافية صغيرة المساحة. 
بدلا من الانطلاق من ميزان القوى والخصائص، ارتجل أصحاب قرار الطوفان  تقديرات تقول، إن جيش الاحتلال لن يغامر بدخول قطاع غزة المكتظ سكانيا، وفي حالة دخوله لن يحتمل الخسائر الفادحة التي تلحق به، ولن يغامر بحياة الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين الذين يمكن اقتيادهم إلى داخل غزة، وفي حالة دخول جيش الاحتلال فإنه سيرتكب مجازر مروعة تحفز النظام الدولي للتدخل ووقف الحرب. كما إن الجيش الذي يعتمد نظام الحرب الخاطفة لا يحتمل حربا طويلة، ورأى البعض أن وحدة الساحات ستجبر الآلة الحربية الإسرائيلية على تشتيت قواتها، وغير ذلك من تهويمات ثبت أنها لم تصمد طيلة أيام الحرب. كان التقدير الأكثر استفزازا في لا معقوليته هو القول، إن «حماس» استبقت بهجومها يوم 7 أكتوبر هجوما إسرائيليا كان على وشك الحدوث. 
تجربة الثورة والمقاومة وتجربة الحروب العربية الإسرائيلية السابقة وخصائص الوضع الفلسطيني تحت الاحتلال كانت كافية للاستنتاج بأن حرب المواجهة «جيش مقابل جيش» ستؤدي إلى خسارة مؤكدة للطرف الأضعف ما لم تحدث معجزة. كما أن المقاومة المسلحة – المشروعة لشعب تحت الاحتلال حسب القانون الدولي – لا يمكن اعتمادها كشكل رئيسي للنضال سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية لأنها تفتقد إلى المقومات الضرورية للاستمرار والفوز. وان بنية المقاومة لا يعقل أن تكون علنية ومكشوفة للاحتلال كما يحدث في الضفة الغربية، وان قوانين حروب التحرر الوطني تتطلب تحييد القوة الغاشمة للاحتلال العسكري كما فعلت انتفاضة 87، وليس استدعاءها كما فعل هجوم طوفان الأقصى.   
يستدل من خطاب المقاومة الصادر عن سياسيين وعن داعمين أكاديميين ومثقفين وإعلاميين بأن إسرائيل لم تحقق أهدافها المعلنة وهي استعادة الأسرى والمحتجزين والقضاء على حكم «حماس» وحسم السيطرة على قطاع غزة. ولكن مَن قال، إن هذه الأهداف هي كل ما يرغب المعتدي في تحقيقه. إلا توجد أهداف أخرى كتفكيك المجتمع الفلسطيني في القطاع وتدمير مقومات بقائه من بنية تحتية ومنازل وغذاء ودواء وتعليم وزراعة وصناعة وخدمات. عدا جرائم القتل التي أودت بحياة ما يقرب من 50 ألفا بين شهيد ومفقود، ما يعادل استشهاد أو إصابة 6% من المواطنين. ونسبة 90% من المواطنين هجروا من مكان إلى آخر، بعضهم هجر 11 مرة والبعض الآخر هجر 4 مرات. ودمر أو تضرر 70% من منازلهم، تقدر الأمم المتحدة أن إزالة الركام يحتاج إلى 15 عاما، وأن إعادة بناء المنازل المدمرة تحتاج إلى 16 عاما من العمل وتحتاج إلى مبالغ طائلة. كيف يحسب تحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للعيش وإذلال مواطنيه وتجويعهم؟ هل يحسب انتصارا استراتيجيا للمقاومة كما يقول مشعل؟ وبماذا نفسر العجز عن حمايتهم واستمرار تعريضهم لحرب الإبادة. إذا أضفنا إلى ذلك استمرار بل وزيادة عدد المرات التي يقتحم فيها المسجد الأقصى وتمارس الطقوس الدينية في باحاته، ويتضاعف عدد المعتقلين والأسرى بمستوى غير مسبوق ويمارس بحقهم التجويع والترهيب بأحط أشكاله، وتزداد وتيرة الاستيطان والتطهير العرقي في اكثر من 20 موقعا في القدس والأغوار ومحافظة الخليل. والأخطر من ذلك أن دولة الاحتلال رفضت وحالت دون نجاح مبادرات دولية وعربية لحل الصراع بدءا من وقف الحرب، يذكر أن عملية الطوفان وعدت بالتصدي للاستباحة الإسرائيلية ووضع حد لها.  
من غير المنطقي مطالبة المقاومة التي تتعرض أيضا لحرب الإبادة فرض شروطها وتحقيق الانتصار على احدث الجيوش واكثرها توحشا. المطلوب فقط الاعتراف بالأخطاء والتراجع عنها واستخلاص الدروس والاهم التخفيف من معاناة شعبها وتقديم خطاب يحترم عقول مواطنيها.